أهمية الأمثال الشعبية في التربية و التنوير .
يعني المثل في اللغة العربية النظير ، و الشبيه ، و هو ، كما ورد في أمهات الالمعاجم العربية ، الشيئ الذي يضرب مثلا لشيئ غيره ، فكان المضروب له ، يغتدي مشابها للمضروب منه ،ملحقا به ، ماثلا فيه ، و الامثال جنس من الأدب الشعبي قائم بنفسه ، متفرد بمقوماته؛ ذلك بأننا نرى ان في الادب الشعبي أجناسا أدبية مثله مثل الأدب الفصيح ، فمن أجناس الادب الشعبي الامثال ، و الالغاز ، و الحكاية ، و القصيدة الشعبية او النبطية .
إن المثل يختصر تجربة شعبية عميقة ، و يمثل حكمة صادقة جليلة ، و أكثر ما يضربه المتحدث، اول مرة ، مثادقة لا قصدا ، فيعجب الناس به ، فيسيرونه بينهم ، و يستشهدون بنصه في المواقف المماثلة لمضربه الاول .
و من المعروف ، عند العلماء ، ان المثل يظل محتفظا بالصورة التركيبية التي ضرب فيها لاول مرة فلا يعتري لغة نسجه أي تصريف و لا تحويل .
و تدل الامثال الشعبية ،التي هي نتاج مشترك بين جميع الشعوب في المعمورة ، و في القديم في الحديث ، و في الشرق و الغرب ( و قد تتكرر معانيها ، مع اختلاف لغاتها ، عند شعوب الارض ) على طبيعة حياة أمة من الأمم ، فتصور مجتمعاتها بكل تناقضاتها ، كما ترسم عاداتها و تقاليدها ، و تسرد أخبارها ، و تحفظ آثارها ، و تقدم الصورة الصادقة للباحث عن طرائق تفكيرها ، و مستويات ثقافتها ، و منتهى حضارتها .فكأن الأمثال الشعبية بمثابة المرآة الالمجولة للأخلاق العامة التي تجسد المثل الأعلى للناس في مجتمع من المجتمعات و الأخلاق العامة هي مرآة لمستوى حياة أمة من الأمم في مجالات الحضارة و العلم و التفكير .
و لما كانت الأمثال جنسا من الأجناس الأدبية الشعبية الحية المميزة بصدق عن الحادثة الطارئة ،و المناسبة العارضة ، فقد استطاعت ان تتعلق بكل شيئ ، و تتناول كل ما له صلة بالحياة اليومية و الفكرية مما عند الناس و كذلك ترى الأمثال الشعبية تعالج الأخلاق و الحكمة ، و التربية و التوجيه ، و السخرية و التهكم ، و النكتة و الفكاهة ، و العظة و العيرة ، و الحب و الكره ، و القلق و السكينة ،و الخوف و الامن ، و السعادة و الشفاء ، و الخصب و الجدب و الحرب و السلم ، و الحياة و الموت.
و اذن ، فكل ما له صلة بالحياة ، و كل ما يحوم من حولها ، و كل ما يتبع منها أو يصب فيها ، هو مجال رحيب للأمثال و مضطرب عريض لها .
و الأمة أذا كثرت أمثالها ، و سارت بين الناس حكمها ، دل ذلك على حدة ذكائها ، و حرية تعبيرها ، كما يدل ذلك على تأثرها بحوادث الحياة و تفاعلها معها ، فاذا هي توجز الملاحم المهولة ،و القصص الطويلة ، و الخطوب الطاحنة ، و المحن الضاربة ، في عبارة قصيرة جامعة تسمى مثلا . ولشدة أعجاب المثقفين و الكتاب العرب .
و الله ولي التوفيق .