الحرب في أوكرانيا: هل غيرت الدول العربية مواقفها بعد عام على الاجتياح الروسي؟

نشرت في: 17/02/2023

فرانس24

تدخل الحرب في أوكرانيا هذا الشهر، فبراير/ شباط 2023، عامها الأول دون أي مؤشرات في الأفق توحي بدخول النزاع في مرحلة العد التنازلي نحو حل نهائي، بل حدته تشتد شهرا بعد آخر. ودخل مؤخرا مرحلة جديدة من التصعيد مع إعلان دول غربية تزويد كييف بدبابات أمام الرفض الروسي لوقف الحرب. وأمام هذا الوضع، اختارت الدول العربية اعتماد سياسة متوازنة عموما تجاه طرفي النزاع، وبدت منذ الوهلة الأولى متريثة في التعبير عن مواقفها بخصوصه، والتي لم تخرج، في مجملها، عن خانة الحياد، باستثناء الموقف السوري. فهل تغيرت مواقفها بعد عام على الاجتياح الروسي؟


اتخذت
الحرب في أوكرانيا مع نهاية 2022 وبداية 2023 منحى تصعيديا جديدا وسط غياب أي مؤشر على الدخول في العد العكسي لإنهاء النزاع. واتضح هذا الأمر مع تواصل النزاع بحدة أكثر وقرار الدول الغربية، بعد شهور من التردد، تزويد الجيش الأوكراني بالدبابات أمام رفض موسكو وقف الحرب.
وهو مطلب ظل يشدد عليه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ شهور للتصدي بشكل أنجع للقوات الروسية. لكنه أكد على أن "المفتاح" لدحر القوات الروسية يكمن في "سرعة وكمية" حصول بلاده على هذه الدبابات الثقيلة. في المقابل، اعتبر الكرملين الدول الغربية طرفا في النزاع على خلفية هذه الخطوة.

ولم تتردد الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة منذ انطلاق النزاع في دعم كييف العسكري والمالي للتصدي للاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية. ويتنامى هذا الدعم مع مرور الوقت، وقد يمتد في الأشهر المقبلة إلى الطائرات التي يدور حولها نقاش في الوقت الحالي.
وإذا كانت الدول الغربية قد حسمت مبكرا موقعها إزاء هذه الحرب، فالدول العربية بقيت منذ بداية النزاع في منطقة ضبابية إلى حد ما، وأظهرت نوعا من التريث في اتخاذ قرار حوله، وإن كان البعض من عواصمها اختار لغة البيانات.


مواقف الدول العربية من النزاع
هناك ثلاث دول كانت لهجتها مرتفعة لحد ما نحو التدخل الروسي، وهي الكويت التي أعلنت رفضها القاطع للاجتياح الروسي وساندت إلى جانب 80 دولة أخرى مشروع قرار أممي لوقف الحرب.
ولبنان الذي أعلنت خارجيته مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إدانتها للاجتياح، ودعت روسيا إلى وقفه "فورا". كما أيدت القرار الأممي في 2 مارس/آذار الماضي المندد بالتدخل الروسي. ثم ليبيا، التي أدانت الاجتياح، ووصفته بـ"انتهاك للقانون الدولي".
واختارت 11 دولة عربية الحياد الواضح، أبرزها مصر التي أيدت القرار الأممي 2 مارس/ آذار، إلا أنها رفضت في الوقت نفسه توظيف العقوبات الاقتصادية ضد موسكو، ودعت إلى حل سريع عبر الحوار والطرق السلمية.
أما قطر، فأيدت القرار الأممي في مارس/ آذار 2022، ودعت إلى انتهاج الحوار والطرق الدبلوماسية وضبط النفس وتجنب التصعيد وسط مباحثات مع أطراف الأزمة.
وبالنسبة للإمارات، فقد امتنعت عن التصويت لصالح قرار لمجلس الأمن يدين الاجتياح الروسي. وأعلنت حرصها، مع ترأسها له في مارس/ آذار الماضي، على إجراء اتصالات مع طرفي الأزمة ومواصلة جهودها لإيجاد حل لها.
من جهتها أيدت السعودية القرار الأممي، لكن ولي العهد محمد بن سلمان أكد استعداد بلاده للعب دور الوساطة بين طرفي الأزمة في اتصالين هاتفين مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
أما المغرب، فاختار الامتناع عن التصويت على القرار الأممي. وأعلن تشبثه بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة وتعزيز مبادرات التسوية سلميا للنزاعات. فيما أيدت تونس القرار الأممي، إلا أنها أكدت في ذات الوقت أن الوسائل السلمية تبقى السبيل الوحيد والأمثل لوضع حد للتصعيد.
واختارت ثلاث دول عربية النأي بنفسها عن النزاع. أولها السلطة الفلسطينية. ثانيها الجزائر التي امتنعت عن التصويت على القرار الأممي ولم تصدر بيانا حول النزاع فأعلن الناطق باسم وزارة الخارجية محمد عبودي أن بلاده ترفض أن تكون طرفا. وهو الموقف نفسه الذي اتخذه العراق.
هل تغيرت مواقف الدول العربية بعد عام على النزاع؟
هذه المواقف التي عبرت عنها الدول العربية بقيت نفسها رغم مرور عام على النزاع. ويبدو أن العواصم العربية تفكر في هذه الحرب بمنطق الربح والخسارة. "هناك دول عربية لها علاقات استراتيجية لا تريد أن تخسر الطرف الروسي، كما تحاول في الوقت ذاته عدم إغضاب الجانب الأمريكي"، حسب الدكتور محمد اليمني الخبير المصري في العلاقات الدولية.
ويستعرض اليمني العلاقات المصرية الروسية كمثال، "فمصر التي توجد على رأس قائمة الدول المستوردة للقمح، تحصل على 85 بالمئة لتغطية احتياجاتها من هذه المادة من روسيا وأوكرانيا مجتمعتين". والنزاع أثر بشكل كبير على توريد هذا البلد بهذه المادة الحيوية وأحدث ارتفاعا حادا في أسعار الخبز، وهو وضع "يهدد الأمن الغذائي في البلاد".
"وأقامت مصر خلال السنوات الأخيرة علاقات وطيدة مع روسيا، ترجمت عبر استيراد السلاح من موسكو والتعاون لبناء مصنع لإنتاج الطاقة النووية في شمال غرب البلاد وتعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية".
فعلى غرار بقية الدول العربية، تملك الحكومة المصرية علاقات متشابكة مع روسيا والولايات المتحدة. وللإشارة، فالقاهرة "أيدت بصمت التدخل العسكري الروسي في سوريا، وقبلت بالهدف الرئيسي لموسكو بالإبقاء على بشار الأسد على رأس البلاد. ودعمت القاهرة وموسكو أيضا خليفة حفتر في ليبيا"، يشير الخبير المصري.
ووفق اليمني، "فالعلاقات المتنامية بين مصر وروسيا والتقاء سياسة البلدين في مناطق من النزاع لم يقوضا الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد أرغمت الحرب في أوكرانيا القاهرة على السير على خيط رفيع بين روسيا والغرب. ورغم تأييدها للقرار الأممي الذي أدان التدخل الروسي في أوكرانيا، إلا أنها أصدرت بيانا سلطت فيه الضوء على الحاجة الملحة لمعالجة هواجس الأمن القومي لروسيا فيما يتعلق بأوكرانيا، وانتقدت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على موسكو، معتبرة أنها غير قانونية من منظور القانون الدولي".
الأمر نفسه بالنسبة للسعودية، "فهي تملك علاقات واسعة ووطيدة مع الجانب الروسي"، يضيف اليمني، "وتحاول الرياض تنويع رهاناتها السياسية، وهي تدرك ثمن الانحياز لأحد جانبي النزاع رغم أن المملكة اتخذت قرارها في تنويع الشراكات في مرحلة التشنجات مع الولايات المتحدة بعد غزو العراق. وتحول هذا القرار إلى سياسة راسخة لها تجاه الغرب وروسيا على السواء. ولا ننسى أن الرياض وموسكو وقعتا في 2021 اتفاقية للتعاون العسكري. إلا أن تقدم العلاقات بينهما بقي دائما في الظل، تحجبه علاقات المملكة مع الولايات المتحدة".
وفي نفس الوقت، "تتشارك السعودية والولايات المتحدة مصالح حيوية فريدة، لكن منظومة القيم السياسية السعودية أقرب إلى المنظومة الروسية على الرغم من أن العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين أقل كثافة وأبطأ وتيرة بكثير من نظيرتها السعودية الأمريكية. فردود الفعل الأمريكية على السياسات السعودية خلال العامين الماضيين إضافة إلى التأطير الحالي لهوية النزاع على أنه معركة بين القوى الديمقراطية والسلطوية تضع السعودية نظريا في المعسكر الروسي"، وفق ما يشرح اليمني.
وعلى غرار مصر والسعودية، تربط الدول العربية عموما علاقات متداخلة مع روسيا والولايات المتحدة، ما يضعها في موقف صعب للغاية، يعقد أكثر أي محاولة لها في توضيح مواقفها. ولربما تموقعها الحالي من الحرب في محاولة لخلق توازن في علاقاتها مع الغرب من جانب وروسيا من جانب آخر يبدو لها الحل الأمثل.
لكن "استمرار التصعيد بين الطرفين، سيحتم عليها يوما الاختيار بينهما ويصعب عليها حينها المناورة بين الطرفين"، حسب تفسير محمد اليمني. وبرأيه "الدول العربية بلا استثناء من مصلحتها أن تبقى على حياد في هذا التوقيت. فهذه الدول عموما لها علاقات مع الطرفين. ولا تريد أن تخسر أي منهما. وهي علاقات متنوعة تشمل مجالات مختلفة بما فيه المجالين الاقتصادي والعسكري".