كيف كان التعليم في مصر القديمة ومن تلقاه؟
تزخر أرض مصر القديمة، التي تعد من الحضارات الإنسانية الأولى، بالغموض والأسرار المثيرة للفضول. ومنذ حوالي 5000 سنة، عاشت أولى المجتمعات في العالم عندما قرر الإنسان أخيرا التوقف عن الترحال والاستقرار في مكان واحد، أو بالأحرى عندما سمحت الظروف التاريخية والثقافية بالاستقرار أخيرا في أرض واحدة.
كيف كان التعليم في مصر القديمة؟
مثلت مصر القديمة مهد الثقافة، لذلك من المثير للاهتمام أن نبحث ونتعمق في تاريخها. فمثلا، هل تعرف كيف كان التعليم في مصر القديمة؟ في هذه المقالة سنسلط الضوء على كل ما تحتاج إلى معرفته حول التعليم في هذا المجتمع القديم.
عندما نتحدث عن مصر القديمة، فإننا نشير إلى مجتمع الألفية الذي تعود بداياته إلى نحو 3100 سنة قبل الميلاد، والذي انتهى قبل عصرنا بنحو 300 سنة، عندما كانت الثقافات اليونانية والرومانية أكثر تطورا بالفعل. إنها ثقافة غنية من وجهات نظر عديدة، حيث شكلت دينها وحضارتها الخاصة من الصفر. شهدت مصر القديمة الثورة الزراعية الأولى التي نسجت على منوالها كل الحضارة البشرية، كما نشأت أولى الأنظمة التعليمية في التاريخ.
باعتباره أحد أقدم أنظمة التعليم في العالم، لم يكن التعليم في مصر القديمة يستهان به، حيث كانت تُعتمد أدوات وأنماط لنقل المعلومات متقدمة جدا في ذلك الوقت. كما هو الحال اليوم، كان لمدارس هذا المجتمع القديم مباني خاصة بها وكانت تعتبر فضاءات مهمة للغاية سواء للثقافة أو ضمان استمرارية حضارتها. وبما أن هذا المجتمع كان صغيرا جدا، كانت أولى الخطوات التي اتخذها المصريون القدامى في مسيرتهم تكمن في تطوير التعليم وازدهار حضارتهم.
كان النظام التعليمي المصري يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة لمجتمعه. ففي مجتمع هرمي مثل مصر، لم يفتح هذا النظام التعليمي أبوابه للجميع، وإنما فقط لأولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليفه. في ذلك الوقت، كان يوجد في مصر نظام تعليمي غير رسمي، وهو نظام الحِرف. هل تريد معرفة الخصائص الرئيسية للتعليم في مصر القديمة؟
خصائص التعليم المصري
لا شك أن النظام التعليمي من إحدى عجائب مصر القديمة التي أبهرت معظم المؤرخين، نظرا لأن المصريين يولون أهمية كبيرة للتعليم. كما هو الحال اليوم، بدأ التعليم في مصر القديمة في سن مبكرة حيث يتعلم الأطفال الكتابة على الأحجار أو على ألواح خشبية مغطاة بالجبس. وإلى جانب تعلم الكتابة والقراءة، تعلّم الطلاب في شبابهم مواضيع مختلفة مثل علم الفلك والحساب والجغرافيا والرياضيات، وكان ذلك بعد تعلم أساسيات المواد الأساسية.
من بين أهم خصائص التعليم في مصر القديمة، أنه لا يسمح سوى للأولاد بالالتحاق بهذه المدارس، حيث كان التعليم محظورا بشكل صارم على الفتيات (ما لم يكنّ من الملوك). كما كانت المدارس دائما تقع بجوار المعابد أو المباني الحكومية، لأنها كانت تعتبر واحدة من أهم المباني في المجتمع. ومن بين الخصائص الأخرى الرئيسية التي تميز التعليم في مصر القديمة هي الجدول الزمني، الذي استمر من الصباح حتى وقت متأخر بعد الظهر، لكنه شمل بالطبع فترات من الراحة خاصة خلال الساعات التي يكون فيها الجو حارا.
كان قدماء المصريين رائدين في أكثر من عنصر مهم عندما يتعلق الأمر بالتعليم. وقد استخدم اليونانيون العديد من هذه الأساليب في وقت لاحق ونقلوها إلى الرومان، ليجري استيعابها من قبل بقية المجتمعات اللاحقة. وعلى الرغم من أننا ننسبها عادة إلى المجتمعات اليونانية والرومانية، إلا أن أساليب التعليم لن تكون نفسها اليوم لو لم يطورها المصريون قبل وقت طويل. والآن، بعد أن تطرقنا بالفعل إلى الخصائص الرئيسية للتعليم في هذا المجتمع، هل يوجد نظام تعليمي في مصر القديمة؟
هل كان هناك نظام تعليمي في مصر؟
بناء على ما سبق ذكره، فإن الإجابة عن هذا السؤال هي نعم. لم يكن هناك نظام تعليمي فحسب، بل كان يشتمل على تدريب أفضل الفئات في المجتمع المصري القديم. لقد تضمن هذا النظام بشكل أساسي خطة دراسة محددة إلى حد ما، وقع من خلالها تطوير مختلف مهارات الشباب بالاعتماد دائما على ما سيكون عليه مستقبلهم. بالطبع، كرّسوا أنفسهم لتعلم الأساسيات، وبعد ذلك تطرقوا إلى معالجة مواضيع أكثر تعقيدا. ورغم وجود نظام تعليمي في مصر القديمة، إلا أنه نظام جرى تطويره بمرور الوقت وخضع لتغييرات وتعديلات جدّية طيلة العصور المختلفة لهذه الحضارة.
حسب هذا النظام التعليمي، يدرس الطلبة أولا معادلات رياضية بسيطة أو يتعلمون تحديد الرموز، ثم ينتقلون إلى مواضيع أكثر عمقا حيث يتوقفون عن السرد ويبدأون في تعلم الأسباب الكامنة لما تعلموه سابقا. تتطور مهارات الطلبة على نحو متزايد لتصل إلى أعماق المعرفة البشرية، أو على الأقل، إلى أعماق المعرفة التي كانت متوفرة آنذاك، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مصر القديمة كانت من أولى الحضارات البشرية وبحلول ذلك الوقت لم يكن الفكر متطورا كما أصبح في وقت لاحق.
هكذا كان الشباب يطورون من قدراتهم المهنية من أجل تولي وظيفة معينة في وقت لاحق. لقد تعلم بعضهم ليكونوا كهنة أو كتبة، أو لأداء بعض الوظائف الملكية أو ليكونوا مسؤولين في مملكة فرعون. بعد أن يمروا بمرحلة معينة وباتباع الخطوات الأولى في طريقة تعليمهم، يبدأ هؤلاء الشباب المتكونين أكاديميا بالعمل مع مدرس أو يحضرون دورات دراسية أكثر تخصصا، والتي كانت تعتبر واحدة من الخطوات الأخيرة في منهج التعليم في مصر القديمة. في مجتمع مقسم مثل المجتمع المصري القديم، لم يكن التعليم شيئًا يتمتع به جميع الشباب. ولكن من الذي يُسمح له بالتعلّم في مصر القديمة؟
من يتلقى التعليم؟
لقد تطرقنا إلى الخصائص الرئيسية للتعليم في مصر القديمة، وأشرنا أيضا إلى نظامها التعليمي، ولكن حان الوقت الآن لمعرفة من يمكنه التعلم بطريقة رسمية في مدن مصر المختلفة. من العوامل المشتركة بين أوائل المجتمعات البشرية انعدام المساواة مقارنة بالمجتمعات الحالية، حيث لم يكن يحق للجميع التمتع بنفس الامتيازات أو الحصول على أي شكل من أشكال التعليم. وهذا بالطبع كان الحال في مدارس مصر القديمة.
كانت مدارس مصر القديمة، كما هي اليوم، الفضاء الذي يستمتع فيه الأطفال بالمراحل الأولى من تعليمهم ولكن لا يمكن لجميع الأطفال الالتحاق بهذه المدارس. في مجتمع مقسم إلى طبقات اجتماعية مختلفة مثل المجتمع المصري، كان عدد قليل جدا يمكنهم الاستمتاع بهذا الامتياز. من حيث الجوهر، كان الأطفال الذين يلتحقون بالمدرسة وبإمكانهم الوصول إلى كتب مصر القديمة ينحدرون بشكل حصري من عائلات ثرية. بعبارة أخرى كان أبناء النخبة في المجتمع المصري هم من يحق لهم الالتحاق بالمدارس، لأن تكاليف التعليم في ذلك المجتمع كانت مكلفة للغاية. لذلك، كان من المستحيل أن يذهب أبناء العبيد إلى المدرسة وكذلك أطفال الطبقة الفقيرة.
كان هناك قيود إضافية أخرى تفرض على من يريدون الوصول إلى التعليم في مصر القديمة، وهو أن النظام التعليمي في المجتمع كان حكرا على الذكور. لقد وقع استبعاد الفتيات من هذا النظام التعليمي وكان عليهن في معظم الأحيان البقاء في المنزل لأداء الأعمال المنزلية، أما إذا كنّ جزءًا من النخبة فكان يسمح لعدد قليل من المدارس باستقبالهن.
لكن ماذا عن جميع الأشخاص الذين لم يقع قبولهم في مدارس مصر القديمة؟ بينما كان من غير المتوقع أن يذهب أبناء العبيد أو الطبقة الفقيرة من المجتمع إلى المدرسة، لم يكن هؤلاء الأشخاص يبقون دون تعليم. فقد أشار النظام التعليمي المصري أيضًا إلى أن أولئك الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة يجب أن يدرسوا في المنزل. بالطبع لم يكن هناك معلم مخصص لهم، ولكن كان الآباء هم من يقومون بتعليم أطفالهم مهارات معينة حتى يتمكنوا من تطويرها.
كيف كانت المدارس في مصر القديمة؟
يمكن اليوم ترجمة الكلمة المصرية القديمة، التي كانت تستخدم للإشارة إلى المدرسة، على أنها "مكان التعليم". كانت المدرسة ذات أهمية كبيرة داخل مصر القديمة وكما أشرنا سابقًا، كان لها مبنى خاص بها وكانت تقع بين أهم مؤسسات المجتمع على غرار المعابد أو المباني الحكومية.
كانت هناك أنواع مختلفة من المؤسسات التعليمية في مصر القديمة اعتمادًا على وظائفها. فعلى سبيل المثال، كانت هناك دور تعليمية مخصصة فقط للكتبة وأخرى للكهنة (التي تعد واحدة من أهم الطبقات الاجتماعية في المجتمع المصري) وأخرى لأهم أعضاء المجتمع، على غرار أطفال العائلات التي حكمت المجتمع المصري. وبين مختلف المؤسسات التعليمية التي كانت موجودة في ذلك الوقت، كان الكهنة يهيمنون عليها كمعلمين في معظم الحالات، لأنه قبل كل شيء كان لديهم مفاتيح الوصول إلى المعرفة الأكثر تقدمًا، لذلك كان بإمكانهم تقديم الدروس.
في إطار التعليم المعقد بأكمله في مصر القديمة، كانت الطبقة الكهنوتية هي الأكثر تساويا مع الكتبة في مجال التعليم، حيث عملوا كمدرسين وأعطوا تعليمات للطلاب ليس فقط في عالم المعرفة وإنما أيضًا في العالم الديني. مما لا شك فيه أنها كانت أيضًا وسيلة لأولئك الذين تلقوا تعليمًا جيدًا ليس فقط للتعلم في مجال العلوم، وإنما في الثقافة السائدة في ذلك الوقت التي أعطت أهمية أساسية للدين.