الفضاء والكوكب.. ريادة إماراتية في سباق "خارج الأرض"
الإثنين 2023/2/13
ريادة إماراتية في قطاع الفضاء
في خضم الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقًا، بدأ السباق إلى الفضاء بين القوتين العظميين واستمر على مدار نصف قرن.
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، دخلت قوى جديدة إلى سباق الفضاء، مثل جمهورية الصين الشعبية ودول الاتحاد الأوروبي والهند التي قطعت شوطًا كبيرًا في صناعة الفضاء.
ومؤخرًا، أصبح قطاع الفضاء واحدا من القطاعات الاستراتيجية التي تطمح دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تطويرها، خصوصا في مجالات البحث والمهام العلمية والتصنيع وبناء الكفاءات والقدرات التخصصية.
وتسعى دولة الإمارات إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في هذا المجال، عبر تشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي في صناعة الفضاء، وجذب الشركات الفضائية العالمية.
قانون الفضاء الإماراتي
في أواخر 2019، صدر القانون الخاص بتنظيم قطاع الفضاء في دولة الإمارات، وبموجبه تختص وكالة الإمارات للفضاء بتنظيم قطاع الفضاء في الدولة، وألغى القانون المرسوم بقانون اتحادي رقم (1) لسنة 2014 بشأن إنشاء وكالة الإمارات للفضاء.
وبحسب وكالة الفضاء الإماراتية، يعتبر هذا القانون الأول من نوعه في العالم العربي والإسلامي، ويهدف إلى خلق بيئة تشريعية وتنظيمية في القطاع الفضائي الإماراتي تنسجم مع القوانين والأنظمة الأخرى في الدولة، وتحترم المعاهدات الدولية، وتمتاز بالوضوح والشفافية والمرونة.
ويهدف القانون إلى حماية مصالح دولة الإمارات، والتوفيق بين المتطلبات الاقتصادية والتجارية، وتشجيع الابتكار من ناحية ومتطلبات الأمن والسلامة والمحافظة على البيئة من ناحية الأخرى.
ويتميز القانون بتناول المسائل القانونية التقليدية المتناولة في تشريعات الفضاء، إضافة إلى عدد من المسائل الجديدة في هذا المجال، كالإطلاق من الفضاء، واستخدام الموارد الفضائية، والأنشطة الفضائية التجارية المأهولة "السياحة الفضائية".
كما يتناول قانون الفضاء الإماراتي بناء واستخدام منشآت من صنع الإنسان في الفضاء وعلى الأجرام السماوية الأخرى وتقديم خدمات لوجستية في الفضاء والرحلات التدريبية والعلمية الداعمة للفضاء والأنشطة على الارتفاعات العالية والحطام الفضائي وإدارة المخاطر الفضائية والأحجار النيزكية الساقطة من الفضاء.
ويثمن الدكتور أشرف شاكر، رئيس قسم الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية في جمهورية مصر العربية، إصدار قانون الفضاء الإماراتي، مؤكدًا لـ"العين الإخبارية" أن دولة الإمارات سبقت بهذه الخطوة جميع الدول العربية، وأن مصر تسعى خلال الفترة المقبلة لإصدار قانون مماثل بعد إعداد مسودته بمعرفة وكالة الفضاء المصرية.
فوائد استكشاف الفضاء
ويعدد الدكتور أشرف شاكر فوائد استكشاف الفضاء، ومنها مراقبة المناخ والطقس، وإدارة المياه، والكفاءة في النقل والزراعة، فضلًا عن تطوير صناعة التكنولوجيا والاتصالات عبر الأقمار الصناعية.
ويقول لـ"العين الإخبارية" إن بداية السباق العالمي إلى الفضاء في فترة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي اقترنت باستخدام هذه الميزة والطفرة العلمية في أغراض غير سلمية، ولكن الآن وبفضل الجهود الأممية لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية أصبح بإمكان استكشاف الفضاء ومراقبة الأرض عن بُعد إحداث التغيير لكوكبنا، بقياس تغير المناخ وتحديد التلوث في البر والبحر ودعم وتطوير أساليب الزراعة.
ويشير شاكر إلى الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه استكشاف الفضاء في استدامة موارد الأرض وتقليل الانبعاثات والملوثات، عن طريق مجال الاندماج النووي الذي يعد مصدر طاقة الشمس، إذ يأمل العلماء في أن يصبح مجال اندماج الطاقة جزءا من مصادر الطاقة المستدامة في المستقبل، مؤكدًا أن هذا الحلم من شأنه أن ينهي حاجة البشر إلى مصادر الطاقة الملوثة.
الإمارات واستكشاف الفضاء.. محطات تاريخية
بدأت أولى المحطات التاريخية لدولة الإمارات في مجال استكشاف الفضاء في أبريل/ نيسان 1997، حين انتقلت الدولة من مستخدم إلى مشغل لبيانات الأقمار الاصطناعية مع تأسيس شركة "الثريا" للاتصالات، وهي أول شركة مزودة لخدمات الاتصالات المتنقلة عبر الأقمار الاصطناعية وحلول الاتصالات المبتكرة.
وفي العام 2000، جرى إطلاق أول قمر اصطناعي للاتصالات المتنقلة "ثريا 1"، وتبعه إطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية الأخرى، مع تأسيس شركة الياه للاتصالات الفضائية "ياه سات" عام 2007، ثم إطلاق أول قمر اصطناعي إماراتي للاستشعار عن بعد "دبي سات 1" في العام 2009.
وفي العام 2014، وبهدف تنظيم وتطوير القطاع الفضائي الوطني، تم تأسيس وكالة الإمارات للفضاء؛ للمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني المستدام، وتنمية الكوادر البشرية ودعم مشروعات البحث والتطوير في قطاع الفضاء، وتعزيز وإبراز دور الإمارات على الخريطة الفضائية إقليميا وعالميا.
ومنذ تأسيس الوكالة، شهد قطاع الفضاء في دولة الإمارات تطورات متلاحقة، بدءا من الإعلان عن إرسال أول مسبار عربي إلى المريخ عام 2014، وإطلاق السياسة الوطنية للفضاء عام 2016، التي رسمت التوجهات والغايات المراد تحقيقها في مجال الفضاء.
وأعلنت الإمارات عن برنامج رواد الفضاء عام 2017، وهو الأول من نوعه عربيا لاختيار وتدريب وإعداد رواد فضاء إماراتيين وإرسالهم في مهمات مختلفة إلى محطة الفضاء الدولية، وفي العام التالي جرى الإعلان عن اختيار أول رائدي فضاء إماراتيين هما هزاع المنصوري وسلطان النيادي، وبعدها بعام يصل "المنصوري" - كأول رائد فضاء عربي- إلى محطة الفضاء الدولية.
"مسبار الأمل"
أطلقت دولة الإمارات "مسبار الأمل" في 20 يونيو/حزيران 2020، وهي أول مهمة عربية تاريخية لاستكشاف كوكب المريخ، وتهدف المهمة إلى فهم التغيرات المناخية على الكوكب الأحمر، واكتشاف أسباب تآكل غلافه الجوي، وعدم وجود بيئة مناسبة للحياة على سطحه.
ونجح "مسبار الأمل" في 9 فبراير/ شباط 2021 في الدخول إلى مدار الالتقاط حول المريخ، لتصبح الإمارات خامس دولة في العالم تصل بنجاح إلى مدار المريخ ومن المرة الأولى. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، كشف "مسبار الأمل" عن نحو 1.2 تيرابايت من البيانات حول الغلاف الجوي للكوكب الأحمر.
وتركز المهمة العلمية لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل" على جمع البيانات ورصد الملاحظات التي تساعد على دراسة العلاقة بين الطبقتين العليا والسفلى من الغلاف الجوي للمريخ، مما يتيح للمجتمع العلمي تكوين صورة شاملة عن مناخ المريخ وغلافه الجوي في أوقات مختلفة من اليوم وعبر فصول السنة المريخية.
ويحمل "مسبار الأمل" 3 أجهزة علمية مبتكرة هي كاميرا الاستكشاف الرقمية "EXI" التي تلتقط صورا ملونة عالية الدقة لكوكب المريخ، وتستخدم أيضاً لقياس الجليد والأوزون في الطبقة السفلى للغلاف الجوي، والمقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء "EMIRS"، الذي يقيس درجات الحرارة وتوزيع الغبار وبخار الماء والغيوم الجليدية في الطبقة السفلى للغلاف الجوي، والمقياس الطيفي بالأشعة ما فوق البنفسجية "EMUS"، ويقيس الأكسجين وأول أكسيد الكربون في الطبقة الحرارية للمريخ والهيدروجين والأكسجين في الغلاف الخارجي للمريخ.
"المستكشف راشد"
وفي 29 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت الإمارات عن أول مهمة عربية علمية لاستكشاف القمر ضمن الاستراتيجية التي أطلقها مركز محمد بن راشد للفضاء "2021-2031"، وشمل المشروع تطوير وإطلاق أول مستكشف إماراتي للقمر تحت اسم "راشد"، بتصميم وبناء إماراتي 100%، لتكون الإمارات أول دولة عربية تقوم بمهمة فضائية لاستكشاف سطح القمر، ورابع دولة في العالم تشارك في مهام استكشاف القمر لأغراض علمية.
ونجح إطلاق "المستكشف راشد" في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2022 من المجمع رقم 40 في قاعدة كيب كانافيرال الفضائية في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي 13 يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء أن "المستكشف راشد" أكمل بنجاح شهرا واحدا في الفضاء، ضمن أول مهمة عربية لاستكشاف القمر.
وأوضح المركز أن المستكشف قطع مسافة بلغت 1.34 مليون كيلومتر منذ إطلاقه، وأكد فريق مشروع الإمارات لاستكشاف القمر أنه قام بالتواصل مع "المستكشف راشد" لنحو 220 دقيقة منذ الإطلاق، لافتا إلى أنه بعد الإطلاق مباشرة تم تشغيل المستكشف بمعدل 10 دقائق يوميا على مدار أسبوعين، فيما يتم حاليا التواصل مع المستكشف بمعدل مرة واحدة كل أسبوع.