تتوافق غالبية النتائج التي توصل إليها مجموعة من العلماء مع أفضل نظرية موجودة ومقبولة خاصة بالتصور الحالي للكون في الوقت الحاضر. ولكن هناك بعض الاختلافات البسيطة التي قد تشير إلى فقدان شيء ما في هذا التصور.


المادة المظلمة غير المرئية تمثل 75% من المادة في الكون (شترستوك)

توصل فريق دولي ضخم من العلماء إلى الخريطة الأكثر دقة على الإطلاق لكيفية توزيع المادة كلها عبر الكون، وذلك على مدار يبلغ عمره 13.8 مليار سنة، وستكون الخريطة الناتجة مرجعا قيّما للعلماء الذين يتطلعون إلى فهم كيفية تطور الكون منذ الانفجار العظيم وحتى الآن.
كيف رسم الباحثون خريطة الكون؟
لرسم هذه الخريطة الدقيقة، قارن الباحثون بين البيانات التي جمعوها من مسحَين تلسكوبيَّين رئيسيين، وهما "مسح الطاقة المظلمة" Dark Energy Survey في تشيلي، و"تلسكوب القطب الجنوبي" (South Pole Telescope)، الذي يجمع البيانات عن الخلفية الكونية الميكروية، وهي آثار باهتة للإشعاع المتبقي مما يعرف بـ"الانفجار العظيم".



لرسم خريطة المادة في الكون قارن الباحثون بين البيانات من مسحَين تلسكوبيّين رئيسيين (بيكسلز)

الاعتماد على نتائج التلسكوبيَن الكونيين يمنح نتائج الدراسة التي أجراها العلماء مصداقية كبيرة في جودتها ومدى دقتها، وهذا ما يقوله عالم الفيزياء الفلكية تشيهواي تشانغ من جامعة "شيكاغو"، وهو المؤلف الرئيسي لإحدى الأوراق البحثية الثلاث التي تصف العمل.
ويقول عالم الفيزياء إنه "من خلال المقارنة التبادلية بين مجموعتي البيانات المأخوذة بواسطة أداتين مختلفتين، يمكن للباحثين أن يثقوا أكثر في نتائجهم"، في إشارة إلى الدراسة التي شارك فيها أكثر من 150 باحثا من جامعة شيكاغو ومختبر "فيرمي ناشونال أكسليريتور" (Fermi National Accelerator Laboratory).
ووفقا لصحيفة "إندبندنت" (Independent) البريطانية، فقد كشفت هذه الدراسة أين يحتفظ الكون بكل مادته، ليس فقط المادة العادية التي تتكون منها الكواكب والنجوم والغبار والثقوب السوداء والمجرات، ولكن أيضا المادة المظلمة غير المرئية، والتي تمثل 75% من المادة في الكون، وهي الكتلة الغامضة غير المرئية التي تولد جاذبية أكثر من المادة العادية.
ووفقا لسلسلة الأوراق البحثية التي تصف العمل، والمنشورة في دورية "فيزيكال ريفيو دي" (Physical Review D)، فقد وجد الباحثون أن خريطتهم تتطابق في الغالب مع النماذج الحالية، لكن مع بعض الاختلافات الطفيفة، حيث تشير القراءات الجديدة إلى أن الكون أقل تكتلا، وأنه يتجمع في مناطق معينة بدلا من أن ينتشر انتشارا متساويا.
ويقول الباحثون إنه إذا استمرت الدراسات الأخرى في التوصل إلى نتائج مماثلة فقد يعني ذلك أن هناك شيئا مفقودا في تصورنا الحالي للكون.



التصور العلمي الحالي يقول إنه عند حدوث الانفجار العظيم تم تكثيف كل المادة في الكون في نقطة واحدة (شترستوك)

المادة المظلمة في الكون

ويذكر موقع "ساينس ألرت" (Science Alert)، أنه وفقا للنماذج الحالية الخاصة بتشكل الكون، فإنه عند حدوث الانفجار العظيم، تم تكثيف كل المادة في الكون في نقطة واحدة من الكثافة اللانهائية والحرارة الشديدة التي انفجرت فجأة، ومن ثم اندفعت المادة إلى الخارج مشكلة تدريجيا الكواكب والنجوم والمجرات. ومن خلال وضع خريطة دقيقة لهذه المسألة اليوم يمكن للعلماء محاولة فهم القوى التي شكلت تطور الكون.
كما أنه ومن خلال تتبع مسار هذه المادة البدائية أثناء انتشارها إلى الخارج والنظر في كيفية توزيعها اليوم، يمكن للعلماء العودة في الزمن لمعرفة كيف وصلت المادة إلى مكانها في الكون حاليا.




وإن معرفة العلماء لكيفية انتشار هذه الذرات المبكرة وتبريدها وتجمعها معا وتشكيل النجوم والصخور والغبار يعد عملا استقصائيا يتطلب قدرا هائلا من البيانات الفلكية.
إحدى الصعوبات التي واجهها العلماء هي عدم تمكنهم من رؤية كل المادة في الكون، حيث إن معظمها أو حوالي 75% منها هي مادة غير مرئية تماما، ولا يمكن الكشف عنها وفقا لطرق الكشف المتاحة حاليا.
وقد اكتشف العلماء وجود المادة المظلمة بشكل غير مباشر نظرا لأنها تخلق مجالات جاذبية أقوى مما ينبغي مقارنة بكمية المادة العادية. ويتجلى ذلك في ظواهر مثل دوران المجرات أسرع مما ينبغي، وما يطلق عليه "عدسة الجاذبية".


نتائج الدراسة الجديدة تشير إلى أن التصور العلمي الحالي للكون قد يكون ناقصا (شترستوك)

عدسة الجاذبية

ويمكن شرح ما تقوم به "عدسة الجاذبية"، عندما يكون لشيء ما في الكون كتلة كافية يصبح مجال الجاذبية من حوله قويا بما يكفي للتأثير على انحناء ما يعرف بـ"الزمكان" نفسه.
هذا يعني أن أي ضوء ينتقل عبر تلك المنطقة من الفضاء يفعل ذلك عبر مسار منحن، مما ينتج عنه ضوء مشوه ومضخم. هذه العدسات أيضا أقوى مما ينبغي إذا تم إنشاؤها فقط من خلال مادة عادية.
ووفقا لموقع "سبيس" (Space)، فإن كلا المسحين اللذين تمت الاستعانة بهما في الدراسة يستخدمان تقنية "عدسة الجاذبية" هذه للكشف عن المادة المظلمة في الكون، ففي حين أن عدسات الجاذبية جيدة لتتبع المادة العادية اليومية التي تتكون منها النجوم والكواكب، فإن هذه التقنية جيدة كذلك في تتبع المادة المظلمة، حيث يمكن الاستدلال على وجودها من خلال عدسة الجاذبية لأنها تتفاعل مع الجاذبية بينما لا يمكن رؤيتها لأنها لا تتفاعل مع الضوء.




ومن خلال تحليل مجموعتي البيانات من المسحين يمكن للعلماء أن يستنتجوا أين انتهى الأمر بكل المادة في الكون. وتتوافق غالبية النتائج التي توصل إليها العلماء في هذه الدراسة مع أفضل نظرية موجودة ومقبولة خاصة بنموذج الكون في الوقت الحالي. ولكن هناك بعض الاختلافات البسيطة التي قد تشير إلى فقدان شيء ما في التصور الحالي للكون.
وعلى الرغم من أن نتائج هذه الدراسة لم تصل بعد إلى المستوى الإحصائي الذي يعتبره العلماء مؤكدا، إلا أنها أسفرت عن معلومات مفيدة وبارزة من مسحين تلسكوبيَّين مختلفين تماما.