حتى كتابة هذه السطور، لا يمتلك العلماء سوى القدرة على إعطاء تقديرات احتمالية بحدوث الزلازل بالنسبة لكل منطقة في العالم بدون تحقيق معايير التنبؤ الأساسية المتعلقة بالمكان والموعد والقوة.
رغم تطور العلم فإن العلماء عجزوا عن التوصل إلى معايير تساعدهم في التنبؤ بالزلازل بدقة (رويترز)
مع كل حادثة كبرى متعلقة بالزلازل، يتساءل الناس عن إمكانية التنبؤ بها. فعلى سبيل المثال، تطور العلم لدرجة أتاحت له التنبؤ بالطقس بدقة، ويمكن كذلك أن ندرس مدارات أبعد المذنبات ونفحص مقدار خطورتها على كوكب الأرض، فلماذا إذن نفتقد القدرة على التنبؤ بالزلازل؟
ويُقصد بالقدرة على التنبؤ بالزلازل أن يتمكن شخص أو جهاز ما من التنبؤ بموضع انطلاق الزلزال، وموعد حدوثه، ودرجة قوته، وعلى مدى التاريخ خرج الكثير من العلماء والدجالين للقول إنهم امتلكوا طريقة للتنبؤ بالزلازل، بدون أن تثبت صحة ذلك حتى الآن.
تتكون القشرة الأرضية من حوالي 20 قطعة تتداخل فيما بينها كما تتداخل قطع الأحجيات الورقية (شترستوك)
قشرة الأرض
ولفهم الأمر يجب أن نبدأ بكيفية حدوث الزلازل؛ حيث يرتبط الأمر بالقشرة الأرضية، وهي أعلى طبقات كوكب الأرض. فإذا كانت الأرض بحجم تفاحة، فإن القشرة الأرضية ستكون بسمك قشرة التفاحة تقريبا.
لكن القشرة التي تغلف الأرض ليست كتلة واحدة ممتدة كقشرة التفاحة، بل تتكون من حوالي 20 قطعة تتداخل فيما بينها كما تتداخل قطع الأحجيات الورقية لصنع صورة كاملة لحيوان ما أو شخصية تاريخية. وتسمى هذه القطع "الصفائح التكتونية"، وهي تتحرك ببطء شديد بالنسبة لبعضها البعض، بمعدلات من 1 إلى 20 سنتيمترا كل عام.
وتحدث الزلازل حينما تتداخل اثنتان من تلك الصفائح بشكل عنيف يمكن أن يؤدي لحدوث تصدعات وتحطم الصخور في إحداها، وهو السبب في حدوث الهزات الزلزالية. ويتناسب حجم الزلزال مع طول التصدع الناتج من هذا التداخل.
أسباب متنوعة
لكن حدوث تلك التصدعات يرتبط بعدد كبير من العوامل التي لا يمكن للعلماء حصرها في نظام تنبؤ دقيق، فمثلا قد تتداخل بعض الصخور بعنف لكنها تكون لينة كفاية لتَحمّل الصدمات، أو قد تكون جافة كفاية لتتحطم فور اصطدامها وتتسبب في زلزال كبير، ولا يمتلك العلماء أية طريقة للتنبؤ بحال تلك الصخور التي تمتد على مدى آلاف الكيلومترات.
أضف لذلك أن تلك التصدعات لا تتحرك داخل الصخور باتجاه واحد، بل تتشعب مثل فروع الشجرة. وحدوث تلك التشعبات يتعلق بطبيعة كل قطعة صخرية داخل القشرة الأرضية ودرجة حرارتها، وهو أمر من الضخامة والتعقيد بحيث لا يمكن دراسته بشكل كامل.
وفي الحقيقة، إن سمك القشرة الأرضية هو بين 30 إلى 70 كيلومترا في القارات، بينما يبلغ 6 إلى 12 كيلومترا في أعماق المحيطات، ولا يمكن للعلماء الوصول لهذا العمق في كل مكان من أجل دراسته، فأعمق حفرة تمكن البشر من حفرها بلغت 12 كيلومترا فقط، وهي بئر كولا العميق، وكان مشروعا علميا لاستكشاف قشرة الأرض أجراه علماء الاتحاد السوفياتي وبدأ في عام 1970.
كل هذا ولم نتحدث بعد عن أثر الجاذبية الأرضية الذي يختلف من مكان لآخر، وحركة طبقة الوشاح أسفل طبقة القشرة، وهي الطبقة التي تقع بين نواة الأرض الكثيفة شديدة الحرارة وقشرتها الخارجية الرقيقة، ويبلغ سمك طبقة الوشاح حوالي 2900 كيلومتر، وهي تتنوع في درجات الحرارة والرطوبة واللزوجة بشكل يؤثر تأثيرا متنوعا على القشرة السابحة فوقها بالأعلى.
إلى جانب ذلك، فإن طبيعة تحركات الصفائح التكتونية غير مفهومة بالكامل، فهي كما أسلفنا بطيئة جدا وتتحرك بشكل يبدو للعلماء عشوائيا تماما، وبالتالي فإن تداخل أي منطقة بين الصفائح التكتونية هو أمر ممكن نظريا في أي وقت.
لكننا نحاول
وعلى مدى عقود عدة، تمت دراسة مجموعة واسعة من الإشارات المحتملة التي يُتوقع أن لها علاقة ببدء الزلازل، مثل الزيادات في تركيزات غاز الرادون وبعض الغازات الأخرى على سبيل المثال والتي تخرج لسطح الأرض بسبب شقوق صغيرة في القشرة الأرضية قبل حدوث الزلزال.أضف لذلك أن العلماء بحثوا خلف علاقة الزلازل بالتغيرات في النشاط الكهرومغناطيسي، والتغيرات الجيوكيميائية في المياه الجوفية، وحتى السلوك الحيواني غير المعتاد في اللحظات التي تسبق وقوع زلزال كبير.
لكن إلى الآن لم يتمكن العلماء في هذا النطاق من تكرار تلك النتائج، بمعنى أنه قد تكون هناك بالفعل علاقة بين أي من هذه المعايير وحدوث الزلازل، لكن حينما يجري العلماء تجارب على الأمر فإن النتائج لا تتكرر بالنمط نفسه في كل مرة.
على سبيل المثال، قد تتصرف الحيوانات بشكل غريب قبل أحد الزلازل، ولكنها لا تتصرف بشكل غريب في زلازل أخرى، وقد تتصرف بشكل غريب في وقت لا تكون فيه زلازل أصلا.
وبسبب العدد الكبير جدا للمعايير التي يجب وضعها في الحسبان للتنبؤ بالزلازل، فإن العلماء حاليا يأملون في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكن لها قراءة أنماط لا يمكن للبشر قراءتها من أجل تحسين التنبؤ بالزلازل.
وحتى كتابة هذه السطور، لا يمتلك العلماء سوى القدرة على إعطاء تقديرات احتمالية بالنسبة لكل منطقة في العالم بدون تحقيق معايير التنبؤ الأساسية (المكان والموعد والشدة)، فمثلا يحتمل أن تواجه بعض المناطق في العالم زلازل كبيرة بمتوسط محدد كل عدة عقود.