في حالة وصول تقنيات إنتاج أشعة السحب لمستوى يجعلها صالحة عمليا، فإنها تبشر بتطبيقات عديدة في مجال الطب والبعثات الفضائية وغيرها من التطبيقات.
لطالما كانت الأشعة الساحبة مكونا أساسيا في روايات وأفلام الخيال العلمي التي تدور في الفضاء (مواقع إلكترونية)
إذا كنت من عشاق أفلام ومسلسلات "ستار تريك" و"حرب النجوم"، فلا شك في أنك تعرف الأشعة الساحبة أو الجاذبة (tractor beams)، التي تطلقها السفن الفضائية العابرة للمجرات لإمساك السفن المعادية في الفضاء وسحبها نحوها. وإذا أردت صورة تقريبية أوضح، تماثل الأشعة الساحبة شباك أو رماح الحبال التي يطلقها الصياد نحو الفريسة لشل حركتها قبل سحبها والسيطرة عليها.
لطالما كانت الأشعة الساحبة مكونا أساسيا في روايات وأفلام الخيال العلمي التي تدور في الفضاء، لكنها لم تعد كذلك، وقد اقتربنا خطوة من تحقيق هذا الخيال العلمي ليصبح واقعا.
ففي إنجاز علمي يفتح آفاقا واسعة أمام تسخير واستغلال القوة الميكانيكية للضوء كقوة جاذبة، نجح فريق من العلماء الصينيين للمرة الأولى في إجراء تجربة مخبرية تمكنوا فيها من إنتاج أشعة ليزر قادرة على جذب أجسام أكبر مرئية بالعين بالمجردة.
قدرة الليزر على سحب الأجسام المرئية تختلف باختلاف طوله الموجي (أوبتيكا)
الأجسام المرئية بالعين المجردة
وقد نشر العلماء الورقة البحثية التي تتضمن تفاصيل التجربة في دورية "أوبتيكس إكسبريس" (Optics Express)، بحسب البيان الصحفي المنشور في موقع "أوبتيكا" (Optica) يوم 11 يناير/كانون الثاني الماضي.
يقول لي وانغ، من جامعة "تشينغداو للعلوم والتكنولوجيا" (QingDao University of Science and Technology) في الصين وقائد الفريق البحثي، إنه بهذه الوسيلة الجديدة أصبحت قوة السحب الضوئي أكبر بكثير، ويمكن القول إنها أكبر 3 أضعاف من ضغط الضوء.
وأضاف أن الطريقة التي استخدمها الباحثون للجذب الضوئي من مسافة بعيدة وبلا أي تلامس، تخدم العديد من التجارب العلمية المختلفة، وقال إن "البيئة الغازية المخلخلة التي استخدمناها في التجربة تشبه الغلاف الجوي في المريخ، لهذا فإن تجربتنا تبشر بإمكانية استخدامها يوما ما في جذب المركبات أو الطائرات على المريخ".
وتتضح قيمة هذه التجربة بالمقارنة مع التجارب والأبحاث العلمية السابقة التي تمكّن فيها العلماء من إنتاج أشعة ليزر بقوة ضئيلة قادرة فقط على سحب الأجسام المجهرية التي لا ترى بالعين المجردة. فهذه هي المرة الأولى التي يتوصل فيها العلماء إلى طريقة لإنتاج أشعة ساحبة تجذب الأجسام المرئية بالعين المجردة.
وخلال التجربة قام العلماء في المرة الأولى بتسليط شعاع من الليزر على جسم مركب من "الغرافين" وثاني أكسيد السيليكون في بيئة غازية يفوق فيها الضغط كثيرا الضغط الجوي، الأمر الذي يؤدي إلى تسخينها ومن ثم إبعاد المادة عن الضوء.
وفي المرة الثانية، كرر العلماء الخطوة نفسها، ولكن بعد طلاء الجسم المركب بمادة شفافة ذات توصيل حراري منخفض، وفي هذه الحالة نشأت قوة سحب أدت إلى جذب المادة نحو مصدر شعاع الليزر.
تطويع الضوء عبر استغلال فوتوناته وزخم حركتها موضوع يشد انتباه العوام والعلماء على السواء (غيتي)
القوة الحركية للضوء
لطالما كان تطويع الضوء عبر استغلال فوتوناته وزخم حركتها موضوعا يخلب لب العوام والعلماء على السواء. وقد بدأ الأمر قبل 400 عام، وتحديدا في عام 1619 عندما قال الفيزيائي الألماني يوهانس كبلر إن لقوة الضوء تأثيرا محتملا على اتجاه ذيل المذنب. وبعد أكثر من 200 عام، فسرت نظرية الفيزيائي البريطاني جيمس كليرك ماكسويل ضغط الإشعاع.
وفي العقود الماضية، نجح العلماء في تطويع الضوء كقوة ميكانيكية للرفع والدفع والتدوير، وذلك في الفراغ والسوائل والوسط الغازي. ومن أمثلة ذلك الملاقط الضوئية التي ابتكرها العالم الأميركي آرثر أشكين، وفاز عنها بجائزة نوبل في 2018، وهي من الأدوات العلمية الشائعة التي تستخدم أشعة الليزر في احتجاز الجسيمات متناهية الصغر مثل الذرات أو الخلايا.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، عكف العلماء على طريقة جديدة لاستغلال الضوء من خلال استخدام أشعة الليزر في إنشاء شعاع بصري ساحب أو ناقل قادر على جذب الأشياء والأجسام، لكن قوة الجذب الضوئي كانت ضئيلة للغاية حتى إنها بالكاد كانت تستخدم في جذب أشياء مجهرية لا ترى بالعين المجردة.
وتأتي قيمة الدراسة الصينية من أنها أثبتت إمكانية صناعة أشعة ليزر قادرة على سحب الأجسام المرئية بالعين المجردة. ويؤكد العلماء أن الدراسة ما هي إلا تجربة لإثبات المفهوم، وليست تطبيقا عمليا حتى الآن.
تبشر التقنية الجديدة بتطبيقات عديدة في مجال الطب والبعثات الفضائية وغيرها من المجالات (أوبتيكا)
تطبيقات قدرة الضوء على السحب
في حالة وصول تقنيات إنتاج أشعة السحب لمستوى يجعلها صالحة عمليا، فإنها تبشر بتطبيقات عديدة في مجال الطب والبعثات الفضائية، منها مثلا سحب عينات التراب والبلازما من الكواكب والأقمار والمذنبات وغيرها، بل سحب جزيئات من السحب في الغلاف الجوي للأرض أو الغلاف الجوي للكواكب الأخرى.
كما يمكن استخدامها في نقل كميات أو مقادير ضئيلة للغاية من العقاقير لعلاج الخلايا المستهدفة فقط دون تضرر بقية الخلايا.