فحص الحمض النووي يوفر بيانات مهمة عن تدفق وتدوير وعمل أنظمة المياه الجوفية المعقدة (غيتي إيميجز)
في سياق استخدام الحمض النووي في الدراسات البيئية وفي الكشف عن الموارد الطبيعية تتبع فريق بحثي من جامعة بازل السويسرية تدفق المياه على جبل فوجي في اليابان، وذلك من خلال فحص الحمض النووي للمجتمعات الميكروبية للمياه.
وبحسب الدراسة التي نشرت نتائجها في دورية "نيتشر ووتر" (Nature Water)، فإن من المتوقع أن تساعد هذه الدراسة على فهم كيفية عمل دورة المياه في منطقة معينة ومعرفة من أين تأتي المياه التي توفر مياه الشرب للناس، وما الذي يغذي هذه المصادر، وكم من الوقت تستغرقه المياه الجوفية لتشق طريقها مرة أخرى إلى السطح، وما هي مصادر تلوث المياه إن وجدت، كما يتوقع الباحثون تطبيق هذه النتائج في كل بلدان العالم لتنفيذ وتحسين سياسات وممارسات إدارة المياه المستدامة.
الفريق طبق منهجيته في تتبع المياه الجوفية على جبل فوجي الياباني ذي النظام المعقد (جامعة بازل)
فحص الحمض النووي البيئي
الحمض النووي البيئي "إي دي إن إيه" (eDNA) هو الحمض النووي الذي يتركه الكائن الحي وراءه أثناء تحركه في البيئة بشكل عام، وهو الذي يتم تجميعه من مجموعة متنوعة من العينات البيئية مثل التربة أو مياه البحر أو الجليد أو حتى الهواء بدلا من أخذ عينات مباشرة من كائن فردي.
وبحسب البيان الصحفي الصادر عن جامعة بازل، فإن فحص هذا الحمض النووي يمكن أن يوفر بعض البيانات المهمة عن تدفق وتدوير وعمل أنظمة المياه الجوفية المعقدة.
يقول البروفيسور أوليفر شيلينغ أستاذ الجيولوجيا المائية في جامعة بازل والمعهد الفدرالي السويسري لعلوم وتكنولوجيا الأحياء المائية إن "استخدام الحمض النووي البيئي في أبحاثنا يمكن وصفه بأنه أداة ضخمة جديدة في مجال الأبحاث التي تعرف بالجيولوجيا المائية، والتي يمكن أن تحدد كمية المياه وكيفية تراكم المياه الجوفية الجديدة".
نظام المياه الجوفية على جبل فوجي شديد التعقيد وهو غير مناسب للفحص باستخدام الطرق التقليدية (بيكسابي)
لماذا البحث في جبل فوجي؟
ابتداء من عام 2018 أجرى شيلينغ قياسات مختلفة على جبل فوجي في اليابان من أجل تحديد مصدر مياه الينابيع، أي من أين تتدفق المياه قبل أن تشكل مئات الينابيع الطبيعية النقية المنتشرة حول الجبل.
يقول شيلينغ "لم يكن اختيار هذا الجبل بالذات مصادفة، لأن جيولوجيته فريدة من نوعها على الأرض، كما أنه هو المكان الوحيد الذي تلتقي فيه 3 صفائح تكتونية بهذا الشكل، وهذا يجعل نظام المياه الجوفية شديد التعقيد، وبالتالي غير مناسب للبحث باستخدام الطرق القياسية التقليدية".
وبفضل باحث ياباني توصل الفريق إلى فكرة فحص الحمض النووي البيئي الميكروبي في هذه المنطقة، لأن الحمض النووي الموجود في الماء يظهر وجود كائنات حية لا يمكن أن تنمو إلا على عمق 500 إلى ألف متر.
وكما يقول شيلينغ فإن هذا مؤشر على أن بعض مصادر المياه تأتي من المياه الجوفية العميقة، وكان هذا هو أول مؤشر على أن الحمض النووي البيئي الميكروبي قد يوفر بعض الأدلة على مسار تدفق المياه الجوفية، خاصة عندما يقترن بأدوات تتبع مستقلة أخرى مثل الغازات النبيلة.
والغازات النبيلة هي مجموعة من العناصر الكيميائية ذات خصائص متماثلة تكون في الظروف القاسية عديمة الرائحة واللون وذات ذرات وحيدة، بالإضافة إلى أن فعاليتها الكيميائية منخفضة جدا، وتشمل تلك الغازات الهيليوم والنيون والأرغون والكريبتون والزينون والرادون المشع.
يمكن استخدام التقنية الجديدة لفحص أنظمة المياه الجوفية في جميع أنحاء العالم (بيكسابي)
نتائج وأبعاد الدراسة
وبحسب بيان الجامعة، فقد سافر شيلينغ إلى اليابان وأجرى تحليلات وقياسات مختلفة مع زميله الياباني وزملاء آخرين.
وكان من أبرز نتائج التحليلات والقياسات -كما يقول شيلينغ- اكتشاف أن هناك دورانا منظما وعميقا للمياه داخل جبل فوجي، كما أن نسبة كبيرة من الحمض النووي البيئي المأخوذة من الميكروبات المحبة للبرد في المياه الجوفية تشير إلى أن المياه الذائبة من الجليد والأنهار الجليدية تشكل نسبة كبيرة من مصادر تلك المياه.
وبالنظر إلى المستقبل فإن هذه التحليلات هي المفتاح لفهم هذا النظام من جانب، ومن الجانب الآخر ستعرفنا بأهمية احتياطيات المياه الطبيعية، لكي نتمكن من البحث عن بدائل في وقت مبكر من أجل حماية المناطق المتضررة من نقص المياه الموسمي قدر الإمكان، إذ إنه نتيجة لتغير المناخ وذوبان الأنهار الجليدية وتناقص الجليد فإن هذه المصادر المهمة لمياه الأنهار والمياه الجوفية تختفي ببطء، وهو ما يؤثر سلبا على توافر المياه، خاصة في أشهر الصيف الحارة والجافة.
ويضيف شيلينغ أن أحد احتمالات منع النقص الحاد في المياه أثناء الصيف يتمثل في جمع المزيد من مياه الأمطار في الخزانات خلال فصل الشتاء عن طريق تعزيز خزانات المياه الجوفية أو تحسين إدارة الخزانات الموجودة فوق الأرض.
ويعتبر أن "تحليل الحمض النووي الميكروبيولوجي يوفر أداة جديدة لتحسين معايرة النماذج الهيدرولوجية المستخدمة في إدارة المياه الجوفية، وهذا بدوره جزء مهم من وضع توقعات واقعية لنوعية المياه وتوافرها، ويسمح بتخطيط مستدام وطويل الأجل لإدارة المياه الجوفية مصدر مياه الشرب الأكثر قيمة ووفرة لدينا".
ويقول البيان الصحفي إنه "يمكن استخدام هذا التطبيق الجديد لفحص أنظمة المياه الجوفية في جميع أنحاء العالم، وعلى سبيل المثال في سويسرا، إذ يمكن تطبيقه لتحديد مصدر المياه التي يتم ضخها من الأرض لمياه الشرب".