مملكة سبأ اليمنية.. قصة "أرض بلقيس" المُدرجة على قائمة التراث العالمي
الأربعاء 2023/2/1
جانب من آثار مأرب التاريخية
لا تزال مملكة سبأ اليمنية قائمة هنا لم تندثر، وما زالت الملكة بلقيس حية على جدران التاريخ وألسنة الصغار والكبار في مأرب.
من "سورة سبأ" إلى نبأ "هدهد سليمان"، ومن "عرش بلقيس" إلى "سد مأرب"، تنبعث الحضارة السبئية كالعنقاء من صحراء "رملة السبعتين" عصية على الانكسار أمام الحروب وأهوال الزمن.
وأرض سبأ في الأصل هي منطقة مأرب حاليا، وتمتد إلى الجوف شمالاً، ثم ما حاذاها من المرتفعات والهضاب إلى المشرق وكانت دولة سبأ في فترات امتداد حكمها تضم مناطق أخرى وتشمل اليمن بأكمله.
تلك الحضارة وإنجازاتها المعمارية والجمالية والتكنولوجية التي تعود للألفية الأولى قبل الميلاد، باتت مؤخرا مدرجة على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة "اليونسكو".
في هذه التقرير، تقدم "العين الإخبارية" عرضا تاريخيا لأهم المواقع المدرجة، ابتداء من مدينة مأرب القديمة وسدها القديم ومعبد أوام ومعبد بران ومدينة صرواح، وهي مواقع أثرية ارتبطت معها حكايات تاريخية وأساطير لا تنسى.
مدينة مأرب القديمة
تقع مدينة مأرب القديمة في عزلة الأشراف في مدينة لا زالت تحمل ذات الاسم، شرقي اليمن، ويحيط بها سور ذو شكل شبه منحرف يبلغ طوله 5.4 كيلومتر، وبنيت عليه أبراج ضخمة وقد اكتشف مؤخراً 7 بوابات للمدينة موزعة على مختلف الاتجاهات.
وتتألف مدينة مأرب القديمة من عدد من المعابد وقصر الحكم المعروف باسم "سلحين"، الذي ورد ذكره في أحد النقوش عام 685 قبل الميلاد، واستمر ذكره حتى القرن الـ3 ميلادية، عندما انتقل مركز الحكم إلى مملكة "حِميَر"، أحد حضارات اليمن القديمة.
ومؤخرا تم التعرف على 4 معابد، 3 منها تقع في الجزء الجنوبي الغربي لمدينة مأرب القديمة، فيما يقع أقدم المعابد في أحد المرتفعات الجبلية القريبة من المدينة.
سد مأرب القديم
لآلاف السنين، ظلت بقايا سد مأرب القديم، وبعض جدرانه صامدة في صحراء مأرب، وأُعيد بناؤه قبل 3 عقود وتحديدًا عام 1967 بمبادرة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، كأحد أبرز مأثره في اليمن.
وبات سد مأرب اليوم بحيرة مائية عملاقة طولها 30 كيلومتر مربع، ويستوعب السد 400 مليون متر مكعب، وبني السد الحديث في موقع السد القديم وبمواصفات مشابه للسد القديم ويقع جنوب غرب مدينة مأرب على بعد 12 كيلومترا.
ويرجع تاريخ بناء سد مأرب القديم إلى القرن الـ6 قبل الميلاد وعده الباحثون معجزة تؤرخ لشبه الجزيرة العربية، وواحد من أهم السدود اليمنية القديمة التاريخية وقد تم تشييده في الصحراء حول مأرب.
وحسب المصادر التاريخية، فإن سد مأرب القديم كان يروي قرابة 98 ألف مربع من الأراضي والحقول الزراعية، وكان يبلغ ارتفاع جدار السد قرابة 15 مترا، على زاوية منفرجة من الجنوب للشمال بعرض يقدر بـ650 مترا.
وظل سد مأرب العظيم صامداً لقرون وبحلول القرن الـ9 قبل الميلاد، كان هذا السد الذي يشكل أكبر نظام للري الهائل، قد حول أجزاء كبيرة من مأرب إلى حدائق وأراض خصبة وُصفت على مر التاريخ بأنها "جنة" قبل قدوم سيل العرم المذكور بالقرآن الكريم.
معبد بران.. عرش بلقيس
شيد معبد المقه برآن أو عرش بلقيس كأحد المعالم المعمارية الأجمل ويرجع تاريخ البقايا المعمارية الحالية إلى القرنين الـ6 والـ5 قبل الميلاد.
ويعد بران هو الأشهر بين آثار اليمن ويقع على بعد 1400 متر إلى الشمال الغربي من محرم بلقيس، حيث يقع عرش بلقيس الفعلي بداية صحراء الربع الخالي من الجهة الغربية، ويعرف حاليا بالعمائد.
تقول المصادر التاريخية إنه بُني في عهد الملكة بلقيس التي حكمت مملكة سبأ في القرن العاشر قبل الميلاد، وظل المعبد حتى عام 1988م تغطيه كثبان رملية محيطة به إلى أن كُشِف عن تفاصيله المدفونة تحت الرمال إثر التنقيب الأثري.
آنذاك وُجد أن المعبد يتكون من وحدات معمارية مختلفة ومتناسقة، يتقابل فيها المدخل الرئيسي والساحة مع الدرج العالي، وأهم هذه الوحدات هو قدس الأقداس، والفناء الأمامي وملحقاتهما، مثل السور الكبير المبني من الطوب والمنشآت التابعة له.
والمعبد مربع الشكل له مساحة مكشوفة، تتوسطها بئر مقدسة وحوض مائي حجري، يصل إليه الماء بواسطة مصب من فم الثور المقدس, والقاعة محاطة بعدد من الجدران من الشمال والغرب والجنوب, وأمام الجدار الغربي ينتصب العديد من المقاعد المرمرية, وتوجد 12 درجة تؤدي إلى قدس الأقداس حيث الـ6 الأعمدة.
ويوجد حاليا 5 أعمدة والسادس مكسور ذات التيجان المزخرفة بالمكعبات، ويزن العمود حوالي (17) طنا و(350) كيلوغراما ويبلغ طول العمود (12) مترا وسمكه (80×60) سنتيمترا.
معبد أوام
يقع معبد أوام في إطار مدينة مأرب القديمة التي تقع على الضفة اليسرى لوادي "أذنه" ويبعد 10 كيلومترات عن مدينة مأرب العاصمة السبئية التي كانت تتحكم بطرق التجارة القديمة.
وظل معبد أوام الذي يعد الأقدم والأكبر من نوعه في الجزيرة العربية مكاناً مقدسا تمارس فيه العبادات إلى بداية النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي, ويبدو أن المعبد هُجِر بعد ذلك، وهو ما يتوقع بسبب ظهور العبادات الأخرى.
ويعود المعبد إلى زمن المكرب السبئي (يدعى آل ذرح بن سمه علي)، الذي قام بتسوير المعبد, وتدل المعلومات أن تاريخ بناء هذا المعبد قد شُيّد لأول مرة في القرن الـ10 قبل الميلاد ويستبعِد الباحثون تاريخاً أقدمَ من ذلك لإنشائه.
ويتألف من سور مبني بالأحجار المهندمة والمزخرفة بنقوش وخطوط المسند، وهذه الأحجار من الصخور الكلسية التي يبلغ طولها حوالي (752) مترا وسمك يتراوح من (3ــ5) متر يتوسطه فناء بطول (52) مترا وعرض(24) مترا التي وُضِعت فيه الأعمدة الثمانية.
كمل يتصل بالمعبد في الجهة الجنوبية بمقبرة كبيرة, وهي موقوفة على الملوك السبئيين، وقد بنيت على شكل مباني بعدة طوابق, يمكن الوصول إليها عبر ممرات ملتوية, وتضم بقايا لآلاف الأموات.
مدينة صرواح.. متنزه بلقيس
تعد مدينة صرواح من أقدم المراكز السبئية المتقدمة وتبعد عن مدينة مأرب نحو 40 كيلومترا وتضم مدينة صرواح قصر الملكة بلقيس ونقش النصر "لكرب آل وتر بن ذمر على مكرب سبأ" الموجود بباحة القصر وهو من أهم مصادر التاريخ اليمني القديم.
ويتألف نقش النصر من 20 سطراً كتبت بطريقة سن الممرات تحدث فيه الملك السبئي عن إنجازاته بتوحيد كل اليمن ومد نفوذ الدولة السبئية إلى الساحل الشرقي لأفريقيا.
وحسب المؤرخين، فإن صرواح لم تكن يوماً مركزاً للحكم في دولة سبأ؛ بل كانت عبارة عن استراحة صيد ذلك إن صغر حجمها لا يؤهلها لأن تكون عاصمة ثانية لسبأ، كما أنها تشتمل فقط على 8 مبان أيضاً بالمقارنة مع باقي المدن السبئية القديمة.
وعن إدراج آثار مملكة سبأ على قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي المعرض للخطر، قال خبير الآثار اليمني رفيق العكوري، إنها أصبحت ذات قيمة مميزة ونادرة عابرة للحدود الوطنية وقيمة ثقافية مشتركة للبشرية، وأصبحت بعد إدراجها بحسب اتفاقية اليونسكو تمثل إحدى روائع العقل البشري المبدع.
وأشار العكوري إلى أن آثار مملكة سبأ في مأرب بحسب اتفاقية اليونسكو أصبحت معنية بحماية وصون آثار مأرب ودعمها ماديا ولوجستيا وحشد الدعم الوطني والدولي للحفاظ على هذه الآثار كونها معرضة لخطر جسيم بسبب الصراع.
ويأتي إدراج منظمة اليونسكو لمعالم وآثار مملكة سبأ التاريخية في محافظة مأرب على قائمة التراث العالمي، لتكون بذلك خامس موقع يمني يتم إدراجه على هذه اللائحة بعد مدينة شبام حضرموت في عام (1983) ومدينة صنعاء القديمة عام (1986) ومدينة زبيد التاريخية عام (1993) وأرخبيل سقطرى عام (2008).