العم سلامة لا يعرف غير بيع الفاكهة، يجلس في السوق في وقت مبكر ينتظر المشترين ويغني للشمس فكلما ازداد نورها ازدادت معه الزبائن، يوزع البسمات علي الناس بالعدل ويزن البرتقال علي الميزان بالعدل، وعندما يقل المشترون يفتح كراسته التي احضرها معه ويمسك بالقلم ويكتب والناس في عجب من أمره، ماذا يكتب العم سلامة .
فإن العم سلامة لا يعرف القراءة والكتابة، ولكنه يبدو منهمك في الكتابة لأقصي درجة، فمثلما يوزع الابتسامات باخلاص ويزن باخلاص يكتب ايضاً باخلاص واهتمام، اقترب منه احد المشترين وسأله : ماذا تكتب يا عم سلامة ؟ اجابه في بساطة : اكتب مثل المثقفين ! قال الرجل : ولكنك لا تعرف القراءة والكتابة، رد العم سلامة مبتسماً في هدوء : اجل ولكنني احب القراءة والكتابة، سأله الرجل من جديد : ولكنك كبرت في السن يا عم سلامة، كيف يمكنك الآن ان تتعلم ؟ قال العم سلامة في اهتمام : الانسان يمكنه أن يستمر في التعلم حتي يموت، سأله الرجل : هل تعتقد أنك ستستطيع الكتابة يوماً ما ؟ قال العم سلامة : نعم بالتأكيد مادمت احبها، وعندما يحب الانسان شيئاً فإنه يفعل لاجله المستحيل .
وهكذا استمر العم سلامة في الكتابة من جديد دون أن يعرف الكتابة ويخط خطوطاً تتوازي احياناً وتتقاطع او تتصل ببعضها في احيان اخري، بل يرسم ايضاً فهو يرسم القفص ويرسم البرتقال ويرسم الميزان وكلما جاء اليه شاب متعلم قال العم سلامة : علمني كيف اكتب حرف الالف، فيعلمه الشاب وفي يوم آخر يطلب من شاب آخر ان يعلمه كتابة حرف الباء وهكذا يعلمه الشاب، فيملأ العم سلامة الاوراق بالحروف التي يتعلمها، ثم يعطي من علمه حرفاً برتقالة زائدة فوق الميزان وهكذا يأخذ عم سلامة حرفاً كل يوم ويعطي كل يوم برتقالة زائدة حتي تعلم كل الحروف .
وبعد ذلك بدأ العم سلامة في تعلم الكلمات بنفس الطريقة،فيعطي كل شاب يعلمه كلمة برتقالة زائدة، حتي تمكن من الكتابة بمفردة تماماً .. كتب كلمة واراها لشاب متعلم وقال : انظر ما هذه، فقال الشاب : قفص ، قال العم سلامة : وما هذه ؟ قال الشاب : برتقاله، انت رائع يا عم سلامة، لقد تعلمت الكتابة .. وكان كلما ذهب إليه الناس يشترون منه البرتقال وجدوا العم سلامة قد كتب كلمة جديدة فيبتسمون فرحين بما يصنع، وبدأ العم سلامة يكتب العبارات والأرقام، بل كتب على لافتة علقها فوق القفص سعر البرتقال وأسماء الناس الذين يشترون منه، وكتب في الكراسية (أحب البرتقال إنه فاكهة جميلة فهي غذاء للانسان. نقطفه من شجر جميل ، يتغذی بماء النهر أو مطر الشتاء، وبثمر بقدرة الله) وبجوار الكلمات رسم شجرة البرتقال وأصر أن يشتري الألوان.. وراح يلون الأوراق والثمار .
كان العم سلامة لا يحب الغش ومرة رأى رجلا يغش الناس وينقص الميزان نصحه العم سلامة بأن يكون أمينا، لكن الرجل أصر على الغش فأحضر العم سلامة ورقة بيضاء وأمسك بالقلم وبدأ في كتابة بلاغاً لحاكم المدينة يحذره من هذا البائع الذي يقوم بغش الناس، واستمر العم سلامه في عمله باخلاص يبيع البرتقال ويملأ الكراسات بالكتابة، ويزداد توافد الناس عليه يوماً بعد يوم، وفي احد الايام رأي الناس ان البائعين الجالسين بجوار العم سلامة يمسكون بالكراسات هم ايضاً ويقومون بخط خطوطاً تتوازي وتتقاطع وتتصل ببعضها البعض، لأن العم سلامة لم ينس أن يعلم من يجاوره من التجار، وكيف يكتب كلمة الامانة كنز لا يفني .