قضية اللفظ والمعنى :
لم تنل قضية من قضايا النقد العربى ما نالته قضية "اللفظ والمعنى" من إتمام وشدة جدل، فقد فرغ لها جهابذة النقد العربى وأوسعوها تحليلاً وتقنيناً، منذ الجاحظ حتى عبد القاهر الجرجانى، مروراً بابن قتيبة وابن طبابا العلوي وقدامة بن جعفر وابن المعتز والآمدى والجرجاني وسواهم.
وارتبط تحليل هذه القضية وكذلك نتائج هذا التحليل بعدد من القضايا الأخرى مثل قضية الصدق والكذب وقضية البديع وعمود الشعر وقضية التخييل الشعرى وقضية الإعجاز فى القرآن الكريم.
ويعود السبب فى هذا الإهتمام وذلك التنوع إلى عدة أسباب بعض هذه الأسباب تاريخي وبعضها ثقافي حضاري:
1/الصراع الذى كان يدور بين المتعصبين للعروبة وبين أنصار الشعوبية (إحدى حركات الفرس وهدفها الحط من لغة العرب وشأنهم ومجدهم ) إلى صراع بين اللفظ والمعنى فقد سادت فكرة مؤداها أن الألفاظ للعرب - فالعرب تمهروا فى ذلك ولهم قصب السبق فى اختراع الألفاظ - والمعانى فمن نصيب العجم.
مما دفع بعض الباحثين عن الإعجاز فى القرآن الكريم إلى العناية بالجانب اللغوى فى القرآن بإعتباره المظهر الوحيد للتحدى فى القرآن الكريم .
2/ اختلاف العلماء حول قدم القرآن وخلقه وتعود جذور القضية حول "هل القرآن نزل بلفظه أم بمعناه دون لفظه"
3/اتصال البلاغيين والنقاد العرب بالثقافات النقدية والوافدة وبخاصة (كتابات اليونانيين فى الشعر) .
ولعل أول من أثار قضية اللفظ والمعنى بطريقة مكثفة هو الجاحظ فى كتابيه الحيوان والبيان والتبيين فهو يتحدث عن هذه القضية فى إطار نظريته عن البيان إذ يرى فى مقدمة كتابه البيان والتبيين أن هناك عيبان يلحقان بالكلام :
الأول : سماه "السلاطة والهذر"
والثانى: أطلق عليه "العي والحصر"
ويقصد بالسلاطة والهذر :كثرة الكلام بلا فائدة، ويقصد بالعي والحصر: عجز الكلام عن أداء المعنى.
فالأول زيادة فى الألفاظ والثاني عجز في الألفاظ عن أداء المراد، والحد المتوسط الذى تؤدي فيه الألفاظ المعاني المرادة تأدية كاملة فقد أطلق عليها الجاحظ اسم " البيان"
والجاحظ يفرق بين عنصرين :
1-عنصر الألفاظ :وهى أصوات يجري بها اللسان .
2- وعنصر المعاني : تصور وتخيل فى الخواطر والأذهان.
ويقسم الجاحظ درجة قيام الألفاظ بالمعاني إلى ثلاثة أقسام:أ- هذر : وهو سلاطة وزيادة وتشدق ومحاولة تأثير بالألفاظ.
ب- بيان : قيام الألفاظ بأداء المعانى تامة دون نقص.
ج- حصر فينشأ عن نقصان آلة الكلام أو عدم التمييز أو انعدام الترتيب.
فالمعاني كما يقول الجاحظ : محدودة مبسوطة إلى غير غاية , ويعرفها كلاً من العربي والعجمي والحضري والبدوي.
والمفاضلة عند الجاحظ تكون فى الألفاظ لأنها محدودة محصورة.
ويوضح الجاحظ بأن أحسن الكلام "ما كان قليله يغنيك عن كثيره ومعناه فى ظاهر لفظه"
- ويذهب الجاحظ إلى تقسيم اللفظ والمعنى تقسيماً جديداً فيقول :
اللفظ : منه الحقير ومنه الشريف.
والمعنى: منه الساقط ومنه الكريم.
وهنا يظهر لنا أربعة أنواع من الكلام عند الجاحظ وهي :
1-فاسد اللفظ ساقط المعنى .
2- شريف اللفظ كريم المعنى .
3-شريف اللفظ ساقط المعنى.
4- ساقط اللفظ كريم المعنى.
وفى نهاية الحديث عن الجاحظ أورد لكم مثالاً اورده هو عن فساد اللفظ إذ يقول :
"فهذا رجل نحوي يروي عنه الجاحظ أنه ذهب يشكو رجلاً للأمير فى دين ٍ كان عليه :
فقال نحوي :أصلح الله الأمير لي عليه درهمان ، فقال خصمه لا والله أيها الأمير إن هى ثلاثة دراهم لكنه أراد أن يتشدق بالإعراب فجعلها مثنى وترك حقه"
ومثال أورده عن فساد المعنى :
"يحكى أن رجلاً يقال يسمى أبا السرايا ذهب إلى الغداء على مائدة سليمان بن عبد الملك الأمير الأموي المعروف فقبيل له وهو جالس يأكل بجوار سليمان :
كل من كلية الهذا الجدى فإنه يزيد الدماغ ، فقال أبو السرايا: لوكان هذا هكذا لكان رأس الأمير مثل رأس البغل"
أما ابن قتيبه ففي حديثه عن اللفظ والمعنى تأثر بالجاحظ فى تقسمه الرباعي للفظ والمعنى فيقسم اللفظ والمعنى على معياري الجودة والرداءة والحسن فيقسم اللفظ والمعنى إلى :
1-ضرب منه حسن لفظه وجاد معناه.
2- ضرب منه حسن لفظه وحلا فإذا أنت فتشته لم تجد هناك فائدة فى المعنى .
3-وضرب منه جاد معناه وقصرت ألفاظه.
4- وضرب منه تأخر معناه وتأخر لفظه.
ويمثل لكل نوع عنده بمثال شعري فى معرض حديثه عن القضية.
ويقال أن الجاحظ كا نيفهم الجودة فى الشعر فهم الخبير ، أما ابن قتيبة فكان يفهمه فهم العالم المحلل.
ويطلع علينا قدامة بن جعفر ولكنه لم يضف جديداً فقسم الشعر إلى أربعة أضرب كابن قتيبة وفهم اللفظ والمعنى كما فهمه ابن قتيبة ولكنه أدخل عنصراً جديداً إلى الألفاظ والمصطلحات وهو عنصر " التخيل -معاني الشعر-"
والآمدى يطلق مصطلح المعنى على :
1* المضمون.
2* المحتوى الفكري.
3* الصورة الخيالية.