عالم روسي شاب يحل لغز جينوم البشر
ماكسيم نيكيتين
حقّق العالم الروسي، مكسيم نيكيتين اختراقة ، في دراسة الحمض النووي البشري. ويسلط هذا الاكتشاف الضوء على عملية تقدمنا في العمر ويكشف عن أسرار ذاكرتنا.
وقد كشفت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية عن تفاصيل وأهمية الاكتشاف الذي حققه العالم الروسي الشاب ماكسيم نيكيتين في مجال علم الوراثة.
ونحن نعلم جميعا أن الحمض النووي يُخزن كمية هائلة من المعلومات. ومن بينها معلومات مهمة للغاية: ما هو جوهرنا وما هي الأمراض التي تصيبنا، وما الذي ننجح فيه وما الذي نفشل فيه. كل هذا مكتوب في جيناتنا. لكن كيف بالضبط؟
قام العالم الروسي، مكسيم نيكيتي، باكتشاف مذهل ووضع كل شيء في مكانه أخيرا. وقد خُضع بحثه العلمي لمراجعة دولية صارمة من قبل الأقران لأكثر من عام، وتم نشره الآن في مجلة Nature Chemistry الدولية العلمية.
ويمكن مقارنة اكتشاف نيكيتين، رئيس الطب النانوي في جامعة "سيريوس" الروسية، باكتشاف كوبرنيكوس، الذي "جعل" الأرض تدور حول الشمس، وبالتالي غيّر العلم إلى الأبد. وسوف يسلّط بحثه العلمي الضوء على العمليات التي تحدث في ذاكرتنا، ويُجيب على سؤال لماذا نتقدم في العمر، ويكشف عن أسرار صنع عقاقير لا تُخمد الأعراض وحسب، بل تؤثر على مسببات كل الأمراض، وهي جيناتنا.
لقد اعتقد العلماء على مدى آلاف السنين أن الإنسان هو كيان يمكن تغييره بسهولة، ويمكن تشكيل أي شيء من أي شخص. ومن المهم أن تكون التربية جيدة، والباقي هو مسألة تقنية.
واستندت الماركسية الكلاسيكية إلى هذه الرسالة. وكان المنظّرون الماركسيون مقتنعين بأن العمال والفلاحين يعيشون في فقر، ولا يرون الضوء الأبيض، ويعملون من الصباح إلى الليل، ولا يتلقون التعليم، وبالتالي هم متوحشون. لكن! يجب إعطاؤهم شققا نظيفة وإرسال أطفالهم إلى مدارس جيدة. ثم سيظهر عضو في المجتمع يختلف تماما عما كان. وسادت العالم عبارة لينين الشهيرة القائلة بأن "بإمكان طباخة أن تحكم الدولة".
ويجب القول إن ذلك كان أمرا متقدما وقتئذ. ولأول مرة في تاريخ البشرية على الأقل، كان الإجماع على أن كل شخص يستحق حياة طبيعية. وقد تم طرح مفهوم "المصعد الاجتماعي" الذي تبنته البرجوازية على الفور، وخاصة في بلدان مثل السويد.
لكن في نفس الوقت تقريبا، بدأ العلم يدرك أن التعليم ليس كلي القدرة. وهناك برنامج معيّن في الشخص يحدّد الكثير من حياته إن لم يكن كل شيء فيها. ووصف الماركسيون الكلاسيكيون هذه الأفكار بأنها عدائية. فهذا يعني أن الشخص ليس حرا تماما، لكن شيئا ما يهيمن علينا؟ - وهو الحمض النووي.
وفي الوقت نفسه، لم يستطع العلماء الماركسيون أن يفسّروا لماذا "في ظل النظام القديم" حقّق بعض الممثلين الموهوبين من الطبقات الدنيا نجاحا وأصبحوا سادة. وبنفس الطريقة، لم يكن جميع ممثلي الطبقة الحاكمة، من الأذكياء على الرغم من تعليمهم.
بشكل عام، كانت تلك الفكرة جديدة، ولم تكن هناك أجهزة كمبيوتر لرسم التشابه بين الحمض النووي وبرنامج الكمبيوتر، كما تم وصف علم الوراثة في الاتحاد السوفيتي في يوم من الأيام بأنه علم زائف.
في منتصف القرن العشرين، تحول علم الوراثة إلى علم متكامل حقيقي، وتم وصف الحمض النووي بأنه حلزوني يشفّر كل شيء فينا تماما، من الميول إلى الأمراض، ومن المواهب إلى الرغبة في الطلاق والفساد أو أي أسلوب أخلاقي في الحياة. لكن السؤال هو كيف بالضبط يقوم الحمض النووي بتخزين هذه المعلومات، وأين هي؟ بعد كل شيء، هي مجرد سلسلة من بعض البروتينات والمواد، والسلسلة ليست منظّمة بشكل معقّد للغاية.
بينما ظهرت مشكلة أخرى على الفور حيث اتضح أن هناك أقساما عملاقة في الحمض النووي لا يتم تخزين أي شيء فيها على ما يبدو. وإنها نوع من "القمامة". لماذا تحتفظ الطبيعة بهذا التكرار؟
ولمدة 70 عاما كان يُعتقد أن الحلزون المزدوج للحمض النووي هو المستودع. ويشبه حلزون الحمض النووي الجميل والمتماثل أجهزة صنعها الإنسان بشكل مثالي مثل البطاقات المثقوبة والأقراص الصلبة. وكان يُنظر إلى الجزيئات الأقل جمالا والقصيرة والمرتبطة بشكل فضفاض على أنها قمامة.
وأثبت، مكسيم نيكيتين أن "القمامة" هي أهم شيء. والطبيعة ليست زائدة عن الحاجة. وما بدا أولا غير ضروري بالنسبة لنا تبيّن أنه مفتاح لكل شيء.
قضى مكسيم نيكيتين 9 أعوام في البحث عن وظيفة هذه "القمامة"، وسلاسل الحمض النووي القصيرة، باستخدام أجهزة فريدة، صنعها بنفسه. تمكّن من الإثبات أن سلاسل الحمض النووي القصيرة تخزن وتنقل كميات هائلة من المعلومات. وأطلق نيكيتين على اكتشافه اسم "التبديل الجزيئي".
إذا قمنا بتبسيط نظريته، فقد اتضح أن المعلومات لا يتم تخزينها في الجزيء نفسه ، ولكن في طريقة تحديد موقعها بعضها بالنسبة لبعض.
وخيارات التفاعل بين سلاسل الحمض النووي القصيرة التي درسها مكسيم نيكيتين لا حصر لها. وهذا حل محتمل للعديد من الألغاز في بنية أجسامنا، وهو اختراق محتمل في فهم طبيعة الحياة البيولوجية على الأرض، وربما أصلها.