الزفرة الأندلسية الأخيرة!
الملك أبو عبد الله الصغير يودع غرناطة - الفنان ألفريد ديودنك
في مثل هذا اليوم من عام 1490، رفض أبو عبد الله الصغير، في رسالة جوابية للملكين الكاثوليكيين فرناندو الثاني وإيزابيلا الأولى تسليم غرناطة، وبعد عامين تماما سلّم المفاتيح ورحل.
يعد أبو عبد الله الثاني عشر والمعروف في التاريخ الإسباني بابي عبد الله الصغير، من الشخصيات التاريخية المفصلية، فهو آخر ملوك بني الأحمر أو بني نصر، وحاكم آخر معقل إسلامي في شبه جزيرة أيبيريا وهي منطقة تشمل القسم الأكبر من إسبانيا إضافة إلى البرتغال.
ضيقت قوات الملك فرناندو الثاني والملكة إيزابيلا الأولى الخناق على مدينة غرناطة، واستولت عليها بعد أشهر من الحصار، وانتهت بذلك 780 عاما من الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية.
في ذلك اليوم المشهود، الأحد 2 يناير 1492، سلّم أبو عبد الله الصغير، آخر ملوك بني نصر، مفاتيح قلعة قصر الحمراء، ركب حصانه وغادر غرناطة ليدخل التاريخ مثلا للضعف والضياع.
توجه أبو عبد الله ومن معه إلى جبال البوجاراس، وعلى تلة تطل على غرناطة، تقول أسطورة شائعة، إنه أوقف حصانه ودار ببصره ملقيا نظرة الوداع على مدينته ثم تنهد بحسرة وبكى. هذا المكان، بحسب الشائع، يسمى "زفرة العربي الأخيرة".
التفتت إليه، حسب هذه الرواية، والدته عائشة الحرة، وكانت صاحبة شخصية قوية ولها دور كبير في توطيد عرشه، وقالت له: "إبك كالنساء ملكا لم تدافع عنه كالرجال".
مكث أبو عبد الله الصغير في إقطاعية منحت له في بلدة أندرش بجنوب شرق إسبانيا فترة وجيزة، ثم قطع المضيق إلى ضفة المتوسط الجنوبية قاصدا فاس التي كانت تحت حكم أحد أقاربه.
في مملكة فاس قضى أبو عبد الله الصغير بقية حياته، وهناك توفى بعد أن أصيب بجرح أثناء مشاركته في إحدى المعارك في عام 1527.
وتعكس رواية هذا المصير، مشيرة إلى أن زوجة أبي عبد الله الصغير وتدعى مريمة أو مريم بنت علي العطار استدعت ذات يوم إلى البلاط في قصر الحمراء، منجما كانت له مكانة بين بني نصر، وطلبت منه سرا أن يكشف لها ما تخبئه أبراج زوجها الملك.
المنجم الشهير رد قائلا: "مولاتي، علامات النجوم في سماء برجكم تشير إلى أن آخر ملك لبني نصر سيعيش طويلا ليعاني كثيرا!".
ومع ذلك يحاول بعض المؤرخين الدفاع عن أبي عبد الله الصغير ورد الاعتبار إليه، وتقديمه على أنه ضحية، نسجت الأساطير للتقليل من شأنه وربط تلك الهزيمة الكبرى به.
بالمقابل، يوصف أبو عبد الله الصغير بأنه كان رجلا ضعيفا وأنه لم يفعل ما يستحق الذكر للاحتفاظ بعرشه والدفاع عنه، وانه سقط في سلسلة طويلة من التنازلات المذلة أمام فرناندو الثاني ملك أراغون، وإيزابيلا الأولى، ملكة قشتالة بما في ذلك تسليم ابنه رهينة لملكي الكاثوليك، ووقوعه في الأسر عدة مرات، وانصياعه لمطالبهم بدفع فدى لإطلاق سراحه.
أبو عبد الله الصغير مهما اختلفت الروايات حوله، هو ابن عصره، تشبث بقوة بالعرش ومن ورائه والدته التي دفعته إلى التمرد على والده في سياق مؤامرات وعداوات بينها وضرتها ثريا الرومية!
أوصلته والدته عائشة الحرة إلى عرش غرناطة، وكانت معه حين تحالف مع الملكين الكاثوليكيين وحين ناصب عمه أبو عبد الله محمد الزغال، العداء، فيما كانت ممالك الكاثوليك على نقيض العرب المسلمين المتناحرين والمنقسمين، تدخل في تحالفات وتقوي أواصرها بروابط الزواج كما حدث بين قشتالة وأراغون.