النقد الأدبي فن من الفنون التي تعتمد على العلم والمنطق والذوق بعد الجمال ، وقد تميز النقد الأدبي بخصائص هامة ، أبرز خصائص النقد في هذا العهد ما يلي
1- هذه الأخبار النقدية كثيرة ولكن محصولها النقدي قليل
2- إن موقف رجال الأدب من هذه الأخبار يختلف عن موقف رجال الدين وقد تتباعد وجهات نظر كل فئة منهما في تفسير هذه الظواهر
3- هذا النقد كان يتناول الجاهلي كما يتناول الشعر المعاصر لهذه الدعوة والشعر المخضرم والشعر الذي عاصر الدعوة الإسلامية في إبان نشوئها وترسيخ دعائمها
4- كان النقد منصبا على الشاعر أكثر من انصبابه على الشعر منصبا على سلوك الشاعر وانعكاس هذا السلوك على شعره
5- صحيح أن النقاد في هذه الفترة كان أكثرهم شعراء باستثناء الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنهم كانوا من ضعاف الشعراء وهم دون مرتبة الشعراء الذين كانوا ينصبون أنفسهم للنقد في العصر الجاهلي كالنابغة مثلاً .
6- كان أكثر النقد منصباً على المعنى وقربه أو بعده من الدين والأخلاق ولم يكن منصبا على الصياغة
7- وبتأثير الدين الجديد كان يرضي هؤلاء النقاد من معاني الشعر ما :
أ- اتسق مع تعاليم الدين الجديد كالدعوة إلى فكرة الإله الواحد والشعر المتأله النابذ للوثنية
ب- تمشيه مع مكارم الأخلاق التي نادت بها العقيدة الإسلامية وحضت عليها
ج- تمشيه مع ما دعا إلى السلوك القويم
د- تمشيه مع ما نمّ عن حكمة إنسانية خالدة وموعظة رشيدة
8- ولما كان الشعر قد سار في طريق الخير ووظف لهذه الطريق فإنه لان وضعف والنقاد يقولون: (إن الشعر نكد فإذا سار في طريق الخير لان ) ،ولأمر ما قالوا عن لبيد بن ربيعة إنه رجل صالح كأنهم ينفون عنه وخاصة في الفترة الإسلامية جودة الشعر ويترتب على ذلك أنه إذا لان الشعر في حقبة وضعف فإن النقد سيتبعه في هذا اللين وسيضعف أيضا
9- حارب الإسلام الهجاء وأهدر دم الهجّائين لأنهم يثيرون كوامن الأحقاد وحارب الغزل لأنه مثار وضغائن وحارب بعض المدح لأنه تكأة العاجز فلذا ضمرت هذه الأغراض في الحقبة الإسلامية وخاصة في القسم الأول منها
10- انحسر النقد وأصيب بالتوقف في هذه الفترة تبعاً لانحسار الشعر نفسه لعدة أسباب :
آ- لدهشة العرب لهذا اللون الجديد من الأدب الذي هو (النشر القرآني ) وما فيه من إعجاز
ب- إن تحدي القرآن للعرب أن يأتوا بمثله جعلهم ينصرفون عن الشعر بعض الانصراف والالتفات إلى هذا اللون فنشأ قرآن مسيلمة وسجاح وغيرهما
ج- إن انشغال العرب بالفتوح الجديدة وأخبارها التي راحوا يتناولونها في نثرياتهم وأسمارهم صرفهم عن الاعتكاف على النظر في قصيدة ينتقدونها .
د- بعض رجال هذه الفترة كانوا أصحاب نقد في الشعر وبصر به كعمر بن الخطاب وكان ينتظر منهم أن يجودوا بأحكام نقدية أكثر مما جادوا بها ولكن اشتغالهم بالسياسة والفتوح حجبهم عن نقد الشعر إلا في بعض ساعات فراغهم وأمسك نقاد هذه الفترة عن نقد لشعر الوثني و أعرضوا عنه وكان ذلك سبباً لاضمحلاله وتلاشيه وتناقل الناس فكرة الورع والخوف من نقل أخبار الشعر الوثني رواية شفوية أو كتابة فكان ذلك مدعاة لنسيانه وبالتالي لضياعه وفقدانه
11- الأحكام النقدية غير دقيقة كقولهم : (فلان أشعر الشعراء ) و(فلان أشعر الجن والإنس) ولكن بعض النقاد كانوا يذكرون هذه العمومية ثم يتبعونها بالتخصيص فيقولون (فلان أشعر الشعراء لقوله كذا) و(فلان أشعر العرب لقوله في هذا المعنى كذا)
12- إلى جانب هذه الأحكام غير المعللة نجد بعضها معللاً مستنداً إلى بعض المقاييس من لفظ وتركيب ومعنى كقول عمر بن الخطاب عن زهير (كان لا يعاظل- ولا يتبع حوشي اللفظ- ولا يمدح الرجل إلا بما فيه) .
13- لا يزال النقد قائماً على التأثر الانفعالي للأثر الفني في الشعر وهذا ما يفسر تناقص الأحكام التي يصدرها النقاد كعمر بن الخطاب الذي يجعل زهيرا أشعر الشعراء تارة والنابغة تارة أخرى وهذا يعطي الحكم النقدي صفة الذاتية التي يلتقي بها مع النقد الجاهلي
14- كنا نتوقع في العصر الإسلامي نقداً للشعر أكثر لتعدد بيئات النقد ووفرة منتدياته فبعد أن كانت سوق عكاظ هي المنتدى الوحيد ومرة في كل عام هي المنتدى الوحيد أصبحت بيئات الأدب والشعر في الإسلام كثيرة ومتعددة وغير مقصودة على زمن بعينه فمن حيث المكان غدت مكة والمدينة والطائف والبصرة والكوفة وغيرها أمكنة للقاء الشعراء كما غدت أشهر كثيرة ومواسم متعددة بالإضافة إلى موسم الحج مواقيت لاجتماع الناس وتذاكرهم في شؤون دنياهم ومنها الشعر والفكر .