وقفة مع اللغة
بدأ نقد الشعر في العصر الجاهلي، ومن أقرب ما يدل على ذلك قصة الخنساء مع حسان بن ثابت في سوق عكاظ، حين أنشدها قوله:
لنا الجفناتُ الغرُّ يلمعن بالضحى*** وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني عنقاء وابن محرّق *** فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما
فقالت الخنساء: ضعفت افتخارك وأبرزته في ثمانية مواضع. قال: وكيف؟ قالت:
قلتَ: "لنا الجفنات" والجفنات من دون العشر، فقللت العدد، ولو قلت: "الجفان" لكان أكثر،
وقلتَ: "الغر" والغرة البياض في الجبهة، ولو قلت: "البيض" لكان أكثر اتساعًا،
وقلت: "يلمعن" واللمعة شيء يأتي بعده الشيء، ولو قلت "يشرقن" لكان أكثر، لأن الإشراق أدوم من اللمعان.
وقلت: "بالضحى" ولو قلت "بالعشية" لكان أبلغ في المديح، لأن الضيف بالليل أكثر طروقًا،
وقلت: "أسيافنا" والأسياف دون العشر، ولو قلت "سيوفنا" كان أكثر،
وقلت: "يقطرن" فدللت على قلة القتل، ولو قلت "يجرين" لكان أكثر
وقلت: "دمًا" والدماء أكثر، لانصبابها.
وفخرت بمن ولدت ولم تفتخر بمن ولدوك.!
ملاحظة:
ابنم: الابن والميم زائدة