الكتابة المسمارية هي نظام الكتابة الوحيد الذي يمكن إرجاعه إلى أصله الأول في عصور ما قبل التاريخ قبل حوالي 10 آلاف عام. لكن نظام الكتابة البدائية المكتشف حديثا أقدم من ذلك بكثير.


الإنسان البدائي استخدم كتابة بدائية عثر عليها العلماء على رسوم جدران الكهوف (ورلد هيستوري)

أظهرت نتائج دراسة علمية جديدة أن الإنسان البدائي استخدم شكلا من أشكال الكتابة البدائية المبكرة خلال العصر الجليدي الأخير، وقبل أقدم كتابة بدائية معروفة اليوم بأكثر من 10 آلاف عام.
وأظهرت الدراسة المنشورة مؤخرا في دورية "كامبريدج أركيولوجكال جورنال" (Cambridge Archaeological Journal) أن الرسوم التي نحتها الإنسان البدائي على جدران عدد من الكهوف المنتشرة غرب أوروبا وجنوبها قبل حوالي 20 ألف عام تحتوي على علامات استخدمها لتوثيق معلومات مهمة حول محيطه.
الدراسة قادها الباحث المستقل بن بيكون، وشارك فيها باحثون من جامعة دورهام (Durham University) وكلية لندن الجامعية (UCL) التي نشرت بيانا صحفيا حول الدراسة في 6 يناير/كانون الثاني الجاري.

العلماء عثروا على رموز داخل الرسوم أدركوا أنها تخزن نوعا من المعلومات (كامبريدج أركيولوجكال جورنال)
كتابة بدائية على جدران الكهوف
تنتشر في عدد من المناطق بالقارة الأوروبية كهوف تاريخية استخدمها الإنسان البدائي خلال العصر الجليدي للاحتماء من الصقيع. وعلى جدرانها رسم الصيادون وجامعو الثمار القدماء رسوما للحيوانات، بما في ذلك الخيول البرية والغزلان والماشية والماموث.
إلى جانب تلك الرسوم، عثر العلماء على علامات هي عبارة عن تسلسل من الخطوط والنقاط والأشكال الأخرى، ورغم إدراكهم أنها تخزن نوعا من المعلومات، فإنهم لم يفهموا كنهها ولا الغاية التي دونت من أجلها.
الدراسة الجديدة كشفت، وفق بيان نشر على موقع الكلية في الخامس من يناير/كانون الثاني، أن تلك العلامات هي عبارة عن نظام "كتابة بدائية" لتسجيل دورات التكاثر الحيواني وغيرها من المعلومات حول الحيوانات البرية.
ويسبق هذا النظام أنظمة الكتابة البدائية المعروفة القائمة على الرموز، والتي ظهرت خلال العصر الحجري الحديث في الشرق الأدنى قبل 10 آلاف سنة.

موضع علامة "Y" يرتبط بأشهر التزاوج والولادة لعدد من الحيوانات (كامبريدج أركيولوجكال جورنال)
الكشف عن نظام تقويم قمري بدائي
للوصول لهذه النتائج، قام الباحثون بدراسة علامات ورموز موجودة في أكثر من 600 رسم من العصر الجليدي على جدران الكهوف والأشياء المحمولة في جميع أنحاء أوروبا، والبحث عن الأنماط المتكررة فيها.




وعندما أحصى الباحثون عدد النقاط والخطوط ونمط تسلسها في هذه الرسوم، وجدوا أن الحد الأقصى لعدد العلامات في السلسلة الواحدة هو 13. مما يشير إلى التقويم القمري التقليدي القديم الذي يتكون من 13 شهرا.
ووجد الباحثون علاقة بين عدد العلامات والأشهر القمرية التي من المعروف أن هذه الحيوانات تتزاوج خلالها. وأظهر عملهم أن هذه التسلسلات تسجل مواسم التزاوج والولادة، ووجدت ارتباطا ذا دلالة إحصائية بين عدد العلامات موضع علامة "Y" وأشهر التزاوج والولادة لعدد من الحيوانات.
ويشير هذا، وفق البيان، إلى أن الصيادين وجامعي الثمار كانوا يتتبعون مواسم التزاوج للحيوانات المختلفة، ربما لتنسيق حركاتهم بشكل أفضل وزيادة فرصهم في اصطياد الفريسة.

الكتابة البدائية المكتشفة أقدم من المسمارية التي تعود أصولها لأكثر من 10 آلاف عام (فليكر)
أقدم من الكتابة المسمارية
ويؤكد الباحثون أن "نظام الكتابة البدائية" هذا هو نظام كتابة رمزية يسبق النظام المتطور الذي يعتمد على الأبجدية، وأن الصيادين وجامعي الثمار في العصر الجليدي كانوا أول من استخدم تقويما وعلامات منهجية لتسجيل المعلومات حول الأحداث البيئية الرئيسية في ذلك التقويم.
ويُذكر أن الدراسات السابقة أكدت أن الكتابة ظهرت بشكل مستقل في الشرق الأدنى والصين وأميركا الوسطى. لكن أقدمها هو الخط المسماري الذي تم اختراعه في بلاد ما بين النهرين حوالي 3200 قبل الميلاد.
وهو كذلك نظام الكتابة الوحيد الذي يمكن إرجاعه إلى أصله الأول في عصور ما قبل التاريخ قبل حوالي 10 آلاف عام، مما يعني أن نظام الكتابة البدائية المكتشف حديثا على الرسوم -التي نحتها الإنسان على جدران الكهوف خلال العصر الجليدي- هو أقدم من ذلك بكثير.




ويأمل الفريق أن يؤدي فك رموز المزيد من جوانب نظام الكتابة الأولية المكتشف إلى تمكينهم من فهم جميع المعلومات التي دونها الإنسان القديم خلال العصر الجليدي الأخير.