أصبح الحديث عن العنوسة جزءا من الشجن الثقافي، والاجتماعي لأمتنا، وأصبحت مأزقا حقيقا نعانيه، وخطرا يهدد مستقبلنان وبالتالي لابد من تضافر كل الجهود من أجل البحث عن حل قبل أن نصل إلى مرحلة اللاعودة. والحقيقة أن مشكلة العنوسة مشكلة مركبة، ومعقدة ومن الصعب جدا إيجاد حل واحد لها، كما أن الحل قد يستغرق عقود من الزمن تماما كما تعقدت حتى وصلت إلى هذا الحد في عقود.ولكن ما سبق لا ينفي أن الحل الفردي هو حل حاسم جدا، وعملي، وفي الوقت نفسه لا يمكن التنازل عنه عندما نبدأ في عملية التغيير الثقافي من أجل خلق وعي جديد بأبعاد المشكلة .ومن الحلول الفردية التي رأيتها ذلك الحل الذي قامت به سيدة لديها خمسة بنات، وهي سيدة فقيرة، ولكنها متدينة وواعية بخطر مشكلة العنوسة، هذه سيدة فقيرة وبناتها لا يتمتعن بأي قدر من الجمالن وعلى الرغم من ذلك تزوجن جميعا في سن مناسبة جدا ..كيف؟هذه السيدة اجتماعية ،وتعرفها الكثير من الأسر، وتعرف أنها متدينة، ولا تريد سوى زوج خلوق، ولديه الرغبة في تحمل نفقات المعيشة، ولا شيء أكثر من ذلك، وهي لا ترفض أبدا الفرصة الأولى بزعم أن ثمة فرص أخرى قد تكون أفضل، وهي لا ترفض التعليم الجامعي، لكنها لا تحتمه، فبعدما حققت ابنتها الكبرى تفوقا دعمتها بشدة - رغم الظروف المادية - للالتحاق بالجامعة، ولكنها قبلت أن تعقد زواجها، وهي في العام الجامعي الثاني وأن يتم البناء وهي لا تزال في السنة النهائية، والحقيقة أن الكثيرات يرفضن الزواج أثناء المرحلة الجامعية، ثم يعانين بعد ذلك من ضياع عروض للزواج كانت شبه مثالية .وبالنسبة لهذه السيدة التي تصلح نموذجا جيدا لإدارة الحل الفردي فإن بناتها الثلاثة الأخريات لم يكن يتمتعن بموهبة دراسية خاصة تؤهلهن للالتحاق بجامعة حكومية مجانية؛ فألحقتهن بمعهد لتحفيظ القرآن ووافقت على أول خاطب خلوق يتقدم لهن حتى لو كانت الابنة ستسكن بعيدان أو في منطقة ريفية، أو ستشارك حماتها المعيشة، وهي تقول في ذلك لن يكون هناك زواج مثالي تتحقق فيه كل الأحلام، وأن من تنتظر حتى تجد لابنتها هذا الزواج فسوف تنتظر طويلا .والحقيقة التي قد ينساها الأهل وهم يرفضون عروض الزواج أن للفتاة ومنذ مرحلة المراهقة مشاعر جياشة نحو الجنس الآخرن وغريزة فطرية قد تنفجر في شكل زواج عرفي، وغيره من صور الانحراف، ولكنها لا تستطيع أن تبوح لأهلها بذلك، فعلى الرغم أن فتاة اليوم قد اختلفت كثيرا عن فتاة الأمس، وأصبحت أكثر جرأة، وربما أقل حياء عما كانت عليه قبل ذلكن ولكنها لا تستطيع أن تتكلم حتى مع أمها في حقيقة رغبتها في الزواج ..والأم لها دور حيوي في قضية الزواج- أو هكذا ينبغي أن يكون- فهي أقرب إنسانة من الفتاة ولابد أن تشعر بابنتها، وبما تحتاجهن ثم إنها تملك قدرة عالية على إقناع ابنتها بالزيجة، والعكس فهي أيضا تملك القدرة عل تضخيم العيوبن وإثارة الهواجس لدى الفتاة، ثم تكون هي أول النادبين الحظ العاثر لابنتها التي جاءها العديد من الخطاب ثم انتهت إلى العنوسة، وكثيرات هن النساء اللاتي يرفضن زواج الفتاة أثناء مرحلة الدراسة رغم توقن واحتياج الفتاة لهذا الزواج، ثم تكون النتيجة الفاجعة قنبلتين ..تفشي حالات الزواج العرفي ذلك الغلاف الرقيق لجريمة الزنا، أو تفشي حالة العنوسة البائسة التي تحياها الفتيات بأسى حقيقي رغم كل الجهود التي تبذل لدعمهن، وجعلهن يعشن حياة طبيعية، إلا أن غريزة الزواج والأمومة تكون أكثر إلحاحا؛ فلا يستطعن التمتع بحالة نفسية مستقرة وهادئة .
مركز طيبة