ربما لم يكن التحنيط يهدف للحفاظ على جثث المصريين القدماء بعد الموت. (شترستوك)
تخفي مصر القديمة العديد من الأسرار، وفي عام 2022، توصل علماء الآثار إلى بعض الاكتشافات الرائعة، بما في ذلك قبر ملكة لم تكن معروفة من قبل، وصور لمومياء نابضة بالحياة، ومومياوات بألسنة ذهبية.
وفي تناقض حاد مع الفهم الشائع لهذه الممارسة يقول الخبراء إن التحنيط ربما لم يكن يهدف أبدا إلى الحفاظ على جثث المصريين القدماء بعد الموت، ويقول عدد متزايد من علماء الآثار إن التأثيرات الحافظة للتحنيط كانت على الأرجح عرضية ويلومون علماء المصريات الأوائل لنشر سوء فهم قائم على أدلة قليلة.
يقول الخبراء في تقرير منشور على موقع "إنسايدر" (Insider)، "كان المصريون يعتزمون تحويل ملوكهم وملكاتهم إلى تماثيل وأعمال فنية ذات أهمية دينية"، وفق ما أشار إليه تقرير موقع "ساينس ألرت" (Science Alert).
نظرية بديلة
تقول النظرية إن الهدف من التحنيط كان تغيير الأجساد بطريقة لا تعتمد على النظرية الشائعة القائلة إن الجثث سيعاد إحياؤها في الحياة الآخرة. ويشير هذا النهج إلى أن المصريين اعتقدوا أن الملوك والملكات هم آلهة حية، وأن تحويل أجسادهم إلى تماثيل بعد الموت كان وسيلة لاستعادة شكلهم الصحيح.
ويقول علماء المصريات المؤيدون لهذا النهج من التفكير إن المصريين القدماء توهموا أن الأقنعة الذهبية الموجودة في توابيت أفراد العائلة المالكة ستصبح بعد ذلك نسخا مثالية شبيهة بالإله للمتوفى، وليست صورا نابضة بالحياة.
ويقول كامبل برايس، أمين متحف مانشستر بالمملكة المتحدة في مقابلة مع "إنسايدر"، "إنه تمييز دقيق، لكنه تمييز مهم".
صورة مقربة من مومياء مصرية قديمة (شترستوك)
وأضاف أن "فكرة عودة الروح إلى الجسد، أو بمعنى ما تنشيط الجسد، لم يتم التعبير عنها بوضوح كما قد تتخيل".
وسيتم استكشاف هذا النهج الجديد وعرض دوافعه في معرض "المومياوات الذهبية في مصر"، والذي سيفتتح في متحف مانشستر في فبراير/شباط المقبل، وكتب برايس كتابا يعرض أفكاره سيطرح مصاحبا لهذه الفعالية.
وفي ظل النظرية البديلة، يؤيد برايس أن "إنتاج صورة نابضة بالحياة، وصورة يمكن التعرف عليها، لم يكن في الواقع المراد في المقام الأول".
مبررات النظرية البديلة
إحدى الحجج لدعم هذه النظرية هي أنه يبدو أنه لم يظهر أن هناك اهتماما كبيرا بتحنيط وحفظ بعض مومياوات الطبقات الحاكمة البارزة، وعلى سبيل المثال، تم العثور على جثة الملك توت عنخ آمون عالقة في قاع نعشه.
وقال برايس "يبدو الأمر كما لو أنه، لقراءة الروايات الحديثة، كان التحنيط فاشلا، ولم يعرف المصريون القدماء ما كانوا يفعلونه، وبالتالي لم يتم الحفاظ عليه جيدا".
وشرح نظريته بقوله "يبدو أن هناك عالم الأحياء والأشخاص الذين يمارسون حياتهم اليومية. ثم هناك عالم الصور والتماثيل والنقوش واللوحات. هذه ليست مجرد نسخة مثالية من مصر، إنها صورة الآلهة، نوع من عالم التماثيل".
ويشير السجل الأثري إلى أن تماثيل الآلهة كانت تُمسح بالزيوت والعطور. كما أنها كانت تُلف أحيانًا بالبياضات، لذا فقد يُعتقد أن الضمادات تمنح نوعا من الألوهية.
ومن خلال وضع الأعضاء في الجرار الكانوبية (الجرار المزينة برؤوس الآلهة) أثناء عملية التحنيط، ربما يكون المصريون قد قصدوا إضفاء الروح الإلهية للملك المتوفى، بدلا من إبقائها في متناول اليد في الحياة الآخرة.
ويقول علماء المصريات الذين قدموا هذا الرأي أن الفيكتوريين (العصر الفيكتوري كانت حقبة تاريخية عاصرت الثورة الصناعية الأولى وذروة الإمبراطورية البريطانية) الذين درسوا المومياوات لأول مرة خلصوا إلى أن الحفظ كان الهدف بسبب افتتانهم المروع بالحياة الآخرة، وقد يعود تفسير هذا الأمر إلى الفيكتوريين وأفكارهم عن الحياة بعد الموت.
وخلال الفترة اليونانية الرومانية، لم يكن من غير المألوف أن تُدفن المومياوات بألسنة ذهبية، واعتقد المصريون القدماء أن القيام بذلك من شأنه أن يساعد في تحويل المتوفى إلى كائنات إلهية في الحياة الآخرة.
ووجد فريق من علماء الآثار عدة أمثلة لممارسة الدفن الخاصة في موقع حفر بمقبرة قديمة بالقرب من قويسنا، شمال القاهرة. واحتوت المدافن أيضا على عدد كبير من البضائع الجنائزية، مثل القلائد والفخار.
معارضة للنظرية
ومع ذلك، لا يتفق الجميع على هذه النظرية، وقال ستيفن باكلي، عالم الآثار والكيميائي التحليلي في جامعة يورك (University of York)، "كان الحفاظ المادي على الجسد مهما للغاية. ليس هناك شك في ذلك".
وبالفعل، تبدو بعض المومياوات شبيهة بالتماثيل، مثل توت عنخ آمون وأمنحتب الثالث وإخناتون. وقال باكلي إن آخرين، مثل تحتمس الثالث، وتحتمس الرابع، وأمنحتب الثاني، والملكة تاي تم تحنيطهم ليبدوا "أشبه بحالة النوم"، ما يوحي باهتمام أكبر بالجسم المادي بالداخل.
وقال إن الصور تضمنت بعض العيوب "ربما حتى تتمكن الروح من التعرف على نفسها وبالتالي يكون لها" منزل "تعود إليه بشكل دوري".
واعترف باكلي بأن التحنيط لا يتعلق فقط بالحفاظ على المومياء، لكن استبعاد ذلك بالكامل سيكون إغفالا لنقطة مهمة.