قنديل البحر قادر على تجديد نفسه والعودة إلى مرحلة الشباب بفضل جيناته المميزة

جينات قنديل البحر قد تكشف سر قدرته على العيش إلى الأبد

تنطلق جحافل من قناديل البحر الصغيرة الشفافة التي تشبه المظلات، كل منها بحجم حبة العدس، عبر مياه البحر الأبيض المتوسط. وتتحرك قناديل البحر القزمية هذه، المعروفة باسم "Turritopsis dohrnii"، في البحر بواسطة مجساتها الشفافة، التي تستخدمها للإمساك بالعوالق وسحبها إلى أفواهها، مثلها كمثل العديد من أنواع قنديل البحر الأخرى التي تسبح على غير هدى في المياه المتوهجة.
لكن لدى هذه القناديل سراً يميزها عن الكائنات البحرية العادية، إذ عندما تتضرر أجسادها، بإمكان القناديل المسنة، المعروفة باسم "medusas"، إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لتعود يافعة من جديد، إذ تتخلص من أطرافها فتمسي فقاعات منجرفة تتحول إلى سلائل، أي إلى زوائد مخاطية غُصينية تلتصق بالصخور أو النباتات، ثم تظهر تدريجياً براعم مرة أخرى، وتجدد شبابها، لذا فالشيخوخة لا تقتل هذه القناديل، وهذا يجعلها حيوانات خالدة، خلا إن افترستها حيوانات أخرى أو تعرضت لإصابة مميتة.
وفي ورقة بحثية نُشرت الاثنين الماضي في مجلة "The Proceedings of the National Academy of Sciences"، ألقى العلماء نظرة مفصلة على جينوم قنديل البحر، بحثاً عن الجينات التي تتحكم في هذه العملية الرائعة. ومن خلال فحص الجينات النشطة في مراحل مختلفة من دورة الحياة، حصل الباحثون على لمحة عن التنسيق الدقيق لتجدُّد قنديل البحر.
قد يكون من الصعب جمع ما يكفي من هذه القناديل لدراسة جيناتها، لكن نجح العالم شين كوبوتا في جامعة كيوتو في اليابان في إنشاء مستعمرة منها في المختبر بنجاح على المدى الطويل.
قالت ماريا باسكوال تورنر، وهي عالمة تعمل في جامعة أوفييدو في إسبانيا وتدرس قنديل البحر: عندما يتعلق الأمر بالعيش في حوض مائي "يصعب جداً إرضاؤها [القناديل]، وهي من الصغر ما يجعل كشفها وأخذ عينات منها أمراً صعباً أيضاً".
وبغية الحصول على مواد كافية للورقة الجديدة، قادت الباحثة باسكوال تورنر وزميلها عربة نقل مجهزة خصيصاً إلى ساحل في إيطاليا، وغاصا لجمع قناديل البحر البرية. ثم سارعا بها إلى المختبر.
وعندما سلسلا مع زملائهما جينومات هذه المخلوقات، لاحظوا أن لدى قناديل البحر نسخ إضافية من جينات معينة، وهي علامة على أن هذه الجينات قد تكون مهمة لبقاء المخلوقات على قيد الحياة. ووجد الباحثون العديد من الجينات المضاعفة فيما بينها، بما في ذلك بعض الجينات التي تحمي وتصلح الحمض النووي، إذ يتآكل الحمض النووي في أحيان كثيرة مع تقدم عمر الحيوان.

ولتحفيز عملية التجدد، جوّع الباحثون قنديل البحر، وعندما تقلصت القناديل البالغة إلى كرات صغيرة، نبتت السلائل وبدأت تعيد تشكيل أجسامها، وأخذ العلماء لقطات للجينات التي كانت القناديل تستخدمها في كل مرحلة من مراحل تطورها. وأخذوا بعض قناديل البحر في كل مرحلة، وجمدوها وحولوها إلى عصيدة لاستخراج الرنا المرسال، ما أعطى سجلاً للجينات التي كانت تُستخدم بنشاط في صنع البروتينات.
ومع تحول قنديل البحر، اهتم العلماء برؤية تغيير ملحوظ في استخدام الجينات المرتبطة بتخزين الحمض النووي. وكانت هذه الجينات نشطة لدى البالغين أو أنها كانت تُستخدم بشكل متكرر لصنع البروتينات. ولكن عندما بدأت الحيوانات في التحول إلى سلائل، أصبحت الجينات أكثر هدوءاً، ووصلت بروتيناتها إلى أدنى مستوياتها في طور الكرة الطافية.
أما الجينات المرتبطة بتعدد القدرات، أو قدرة الخلية على النمو إلى مجموعة متنوعة من الأشكال المطورة بالكامل، ففعلت العكس، إذ كانت هادئة في طور البلوغ ولكنها نشطت عندما حلل قنديل البحر جسمه وبدأ في بنائه مرة أخرى. ثم عادت جينات تعدد القدرات إلى مرحلة الهدوء عند اكتمال العملية.
وقالت الباحثة باسكوال تورنر إن هذا يشير إلى أن الحمض النووي الذي يُخزّن بشكل طبيعي ينشط أثناء التحول، والجينات التي تعيد ضبط الخلايا تتضاعف.
وأكدت ماريا ميغليتا، وهي أستاذة في علم الأحياء البحرية في جامعة تكساس إيه آند إم في غالفستون، والتي تدرس أيضاً قناديل البحر هذه أن نتائج الورقة تؤكد ما رصده فريقها من الباحثين في دراسة مماثلة العام الماضي، ورأى فريقها أن الجينات المتعلقة بإصلاح الحمض النووي وحمايته كانت تساهم في تجديد قنديل البحر.
وتشير كلا الدراستين إلى وقت نشاط جينات قنديل البحر وقدر أهميتها في إعطاء الجسم القديم حياة جديدة. بمعنى آخر، لا يوجد جين للخلود، لكن هناك بالتأكيد إجراء متبع لتحقيق ذلك.
ويأمل الباحثون في فهم المزيد عن هذه العملية، فإذا عُدّلت بروتينات التخزين لتبقى نشطة، فهل سيكون بإمكان قنديل البحر التجدّد، أم أنه لن يستطيع إيقاف التقدم في العمر؟
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن نكون قادرين على الاستفادة من عملية التجدد لدى فنديل البحر هذا.
قالت باسكوال تورنر: "ليس هدفنا إيجاد صيغة خلود البشر، فقناديل البحر مختلفة تماماً عن البشر. الأمر لا يتعلق بجين واحد أو مركب فحسب، بل بالآلية الكاملة التي اكتشفناها".
ويبقى السؤال مفتوحاً إن كان من الممكن إيجاد عملية مماثلة لدى البشر، لكن في المستقبل المنظور، ينبوع الشباب هذا مخصص لقنديل البحر وحده.

قنديل البحر قادر على تجديد نفسه والعودة إلى مرحلة الشباب بفضل جيناته المميزة


عالم الحيوان
جينات قنديل البحر قد تكشف سر قدرته على العيش إلى الأبد
7 أيلول 2022 14:45
تنطلق جحافل من قناديل البحر الصغيرة الشفافة التي تشبه المظلات، كل منها بحجم حبة العدس، عبر مياه البحر الأبيض المتوسط. وتتحرك قناديل البحر القزمية هذه، المعروفة باسم "Turritopsis dohrnii"، في البحر بواسطة مجساتها الشفافة، التي تستخدمها للإمساك بالعوالق وسحبها إلى أفواهها، مثلها كمثل العديد من أنواع قنديل البحر الأخرى التي تسبح على غير هدى في المياه المتوهجة.
لكن لدى هذه القناديل سراً يميزها عن الكائنات البحرية العادية، إذ عندما تتضرر أجسادها، بإمكان القناديل المسنة، المعروفة باسم "medusas"، إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لتعود يافعة من جديد، إذ تتخلص من أطرافها فتمسي فقاعات منجرفة تتحول إلى سلائل، أي إلى زوائد مخاطية غُصينية تلتصق بالصخور أو النباتات، ثم تظهر تدريجياً براعم مرة أخرى، وتجدد شبابها، لذا فالشيخوخة لا تقتل هذه القناديل، وهذا يجعلها حيوانات خالدة، خلا إن افترستها حيوانات أخرى أو تعرضت لإصابة مميتة.
وفي ورقة بحثية نُشرت الاثنين الماضي في مجلة "The Proceedings of the National Academy of Sciences"، ألقى العلماء نظرة مفصلة على جينوم قنديل البحر، بحثاً عن الجينات التي تتحكم في هذه العملية الرائعة. ومن خلال فحص الجينات النشطة في مراحل مختلفة من دورة الحياة، حصل الباحثون على لمحة عن التنسيق الدقيق لتجدُّد قنديل البحر.
قد يكون من الصعب جمع ما يكفي من هذه القناديل لدراسة جيناتها، لكن نجح العالم شين كوبوتا في جامعة كيوتو في اليابان في إنشاء مستعمرة منها في المختبر بنجاح على المدى الطويل.
قالت ماريا باسكوال تورنر، وهي عالمة تعمل في جامعة أوفييدو في إسبانيا وتدرس قنديل البحر: عندما يتعلق الأمر بالعيش في حوض مائي "يصعب جداً إرضاؤها [القناديل]، وهي من الصغر ما يجعل كشفها وأخذ عينات منها أمراً صعباً أيضاً".
وبغية الحصول على مواد كافية للورقة الجديدة، قادت الباحثة باسكوال تورنر وزميلها عربة نقل مجهزة خصيصاً إلى ساحل في إيطاليا، وغاصا لجمع قناديل البحر البرية. ثم سارعا بها إلى المختبر.
وعندما سلسلا مع زملائهما جينومات هذه المخلوقات، لاحظوا أن لدى قناديل البحر نسخ إضافية من جينات معينة، وهي علامة على أن هذه الجينات قد تكون مهمة لبقاء المخلوقات على قيد الحياة. ووجد الباحثون العديد من الجينات المضاعفة فيما بينها، بما في ذلك بعض الجينات التي تحمي وتصلح الحمض النووي، إذ يتآكل الحمض النووي في أحيان كثيرة مع تقدم عمر الحيوان.

ولتحفيز عملية التجدد، جوّع الباحثون قنديل البحر، وعندما تقلصت القناديل البالغة إلى كرات صغيرة، نبتت السلائل وبدأت تعيد تشكيل أجسامها، وأخذ العلماء لقطات للجينات التي كانت القناديل تستخدمها في كل مرحلة من مراحل تطورها. وأخذوا بعض قناديل البحر في كل مرحلة، وجمدوها وحولوها إلى عصيدة لاستخراج الرنا المرسال، ما أعطى سجلاً للجينات التي كانت تُستخدم بنشاط في صنع البروتينات.
ومع تحول قنديل البحر، اهتم العلماء برؤية تغيير ملحوظ في استخدام الجينات المرتبطة بتخزين الحمض النووي. وكانت هذه الجينات نشطة لدى البالغين أو أنها كانت تُستخدم بشكل متكرر لصنع البروتينات. ولكن عندما بدأت الحيوانات في التحول إلى سلائل، أصبحت الجينات أكثر هدوءاً، ووصلت بروتيناتها إلى أدنى مستوياتها في طور الكرة الطافية.
أما الجينات المرتبطة بتعدد القدرات، أو قدرة الخلية على النمو إلى مجموعة متنوعة من الأشكال المطورة بالكامل، ففعلت العكس، إذ كانت هادئة في طور البلوغ ولكنها نشطت عندما حلل قنديل البحر جسمه وبدأ في بنائه مرة أخرى. ثم عادت جينات تعدد القدرات إلى مرحلة الهدوء عند اكتمال العملية.
وقالت الباحثة باسكوال تورنر إن هذا يشير إلى أن الحمض النووي الذي يُخزّن بشكل طبيعي ينشط أثناء التحول، والجينات التي تعيد ضبط الخلايا تتضاعف.
وأكدت ماريا ميغليتا، وهي أستاذة في علم الأحياء البحرية في جامعة تكساس إيه آند إم في غالفستون، والتي تدرس أيضاً قناديل البحر هذه أن نتائج الورقة تؤكد ما رصده فريقها من الباحثين في دراسة مماثلة العام الماضي، ورأى فريقها أن الجينات المتعلقة بإصلاح الحمض النووي وحمايته كانت تساهم في تجديد قنديل البحر.
وتشير كلا الدراستين إلى وقت نشاط جينات قنديل البحر وقدر أهميتها في إعطاء الجسم القديم حياة جديدة. بمعنى آخر، لا يوجد جين للخلود، لكن هناك بالتأكيد إجراء متبع لتحقيق ذلك.
ويأمل الباحثون في فهم المزيد عن هذه العملية، فإذا عُدّلت بروتينات التخزين لتبقى نشطة، فهل سيكون بإمكان قنديل البحر التجدّد، أم أنه لن يستطيع إيقاف التقدم في العمر؟
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن نكون قادرين على الاستفادة من عملية التجدد لدى فنديل البحر هذا.
قالت باسكوال تورنر: "ليس هدفنا إيجاد صيغة خلود البشر، فقناديل البحر مختلفة تماماً عن البشر. الأمر لا يتعلق بجين واحد أو مركب فحسب، بل بالآلية الكاملة التي اكتشفناها".
ويبقى السؤال مفتوحاً إن كان من الممكن إيجاد عملية مماثلة لدى البشر، لكن في المستقبل المنظور، ينبوع الشباب هذا مخصص لقنديل البحر وحده.



المصدر
صحيفة نيويورك تايمز