"سر الصنعة".. كيف استعاد أرسنال الأمجاد مع أرتيتا؟

السبت 2022/12/31


مايكل ارتيتا وعهد جديد في أرسنال
يقترب الدوري الإنجليزي الممتاز من الانتصاف في موسمه الحالي، ويحتل أرسنال صدارة الترتيب وتبني جماهيره آمالًا عريضة للتتويج باللقب.
مع نهاية الجولة 16، يتصدر أرسنال ترتيب الدوري الإنجليزي برصيد 40 نقطة من 15 مباراة، في ظل وجود مؤجلات، وبفارق 5 نقاط عن حامل اللقب مانشستر سيتي، الذي خاض نفس العدد.
13 فوزا لم تعكر صفوها سوى تعادل وحيد، وهزيمة كانت أمام مانشستر يونايتد الذي لا يقدم مستويات مستقرة هذا الموسم.
ويصل أرسنال لهذه المرحلة المستقرة من ثبات المستوى، وتناغم الفريق وتفاهمه، وثبات التشكيل بدرجة كبيرة، وتنوع مستويات اللاعبين بالشكل الذي يسمح بإجراء مداورة حسب أهمية المباراة أو البطولة، بعد العديد من خطوات البناء على مدار مواسم متتالية.


وعلى مدار 22 مباراة بمختلف البطولات التي لعبها أرسنال هذا الموسم، بين 15 جولة من الدوري الإنجليزي الممتاز، و6 مباريات من الدوري الأوروبي، ومباراة واحدة في كأس الرابطة، اعتمد المدير الفني الإسباني ميكايل أرتيتا على 25 لاعبًا مختلفًا.
ويبلغ متوسط أعمار فريق أرسنال هذا الموسم 24.7 عامًا، ومع استمرار غالبية المجموعة الحالية من اللاعبين لمواسم متتالية، ومع اكتساب ثقة المباريات في الدوري الممتاز، يمكن القول إن الفريق أصبح يمتلك خبرات جيدة بالنظر لمعدل الأعمار المتواجد.


قرارات حازمة
لعب ميكايل أرتيتا 110 مباريات لأرسنال تحت قيادة المدرب الفرنسي أرسين فينجر بين عامي 2011 و2016، وهو يدّعي أنه يعرف ما يعنيه حقًا أن تكون لاعبًا لهذا الفريق، وأصر على نقل هذا المفهوم في منصبه القيادي كمدير فني.
عدة قرارات حازمة كانت بمثابة نقطة فاصلة في وضع نظام عام للفريق انضباطيًا تحت قيادة المدرب الإسباني، وكان للأمر أثره الإيجابي على روح المجموعة ككل.
قبل موسمين، كان الجابوني ببير إيمريك أوباميانج هو القائد الأول للفريق وقد جدد تعاقده للتو، وكان العنصر التهديفي الأهم للفريق.
لم يختر أرتيتا الصرامة بين يوم وليلة، بل منح نجم تشيلسي الحالي العديد من الفرص، ومع توالي انعدام الانضباط ومخالفة القواعد، جاء القرار من أرتيتا بسحب شارة القيادة منه، قبل أن يرحل نهائيًا في يناير/ كانون أول 2022 إلى برشلونة الإسباني ومنه لـ "البلوز".


في مسلسل وثائقي يوثق موسم أرسنال السابق، قال أرتيتا إنه أثبت كل لحظة خالف فيها أوباميانج القواعد. كل نقاش دار وكل مناسبة لم يلتزم فيها الجابوني بروح الفريق، وثقها الإسباني ظنًا أنه سيحتاج لإظهارها يومًا ما، مؤكدًا: "هذا النادي لديه تقاليد يتوجب على الجميع الالتزام بها".
ولم يهضم أوباميانج الأمر، فبعد انتقاله إلى برشلونة، صرح عن علاقته بأرتيتا قائلًا: "إنه لا يستطيع التعامل مع الأسماء الكبيرة. يريد فقط لاعبين من صغار السن ينصتون له دائمًا دون أن يبدوا رأيهم".
في النهاية، اتخذ أرتيتا القرار الأصوب للفريق من وجهة نظره، ورحل أوباميانج.
مستويات تصاعدية
مع إدراك تقاليد النادي، يعي أرتيتا جيدًا أن الجماهير لم تعد تتحمل أن تشاهد فريقها يلعب كرة قدم دون المستوى.
فكما يُقال على سبيل المزاح، ورّط الفرنسي أرسين فينجر الكثيرين في حب النادي خلال العقدين الأخيرين بسبب الفريق الذي صنعه، وأن يغيب لقب الدوري لقرابة الـ20 عامًا فهو أمر لا يمكن قبوله لـ "كبير لندن" كما تحب جماهيره أن تسميه.


الشق الفني اكتسبه أرتيتا خلال فترته كلاعب مع فينجر، ثم بشكل عملي أكبر كمساعد لمواطنه بيب جوارديولا في مانشستر سيتي.
عرف أرتيتا "سر الصنعة" من مواطنه، ليبدأ مشروعه في أرسنال، ولم تمتلك الجماهير خيارًا سوى أن تثق في عملية التطور التدريجي.
ظهرت ملامح لعب أرتيتا الهجومية شيئًا فشيئًا، وكانت الأولوية هي أن يصنع هوية لعب ثابتة للفريق، وأن يكون الفريق هو المبادر في أغلب المباريات، ومع توالي المباريات والخبرات، يمكن التعامل مع السيناريوهات المختلفة والحفاظ على الانتصارات.
في نصف موسم أول، رفع أرتيتا من مستوى توقعات الجماهير، واقتنص كأس الاتحاد الإنجليزي لموسم 2019-2020، ثم افتتح الموسم التالي بلقب الدرع الخيرية، متفوقًا خلال ذلك كله على أندية مانشستر سيتي وتشيلسي وليفربول تباعًا.


أنهى أرسنال مع أرتيتا موسمه الأول، الذي تسلم عمله في منتصفه في المركز الثامن بالدوري الإنجليزي، وتكررت نفس النهاية في الموسم التالي، ولكن غالبية الجماهير كانت تعلم أن الإسباني يصنع فريقًا على الطريق الصحيح، وأنه أكثر من أي وقت مضى، يمكنها أن تنتظر نتاج هذا العمل حتى لو لم تكن النتائج فورية.
في موسمه الثالث، كان أرسنال قريبًا من الإنهاء ضمن رباعي المقدمة، ولكن على تفاصيل بسيطة، انتهى موسم الفريق في المركز الخامس، وتحقق أمر مهم، وهو عودة الفريق إلى منافسات كرة القدم الأوروبية.
رفع جودة الفريق
المعادلة بسيطة. لا يمكن أن تحصل على صفقات قوية تمنحك القدرة على منافسة عمالقة مثل مانشستر سيتي وليفربول دون أن تقدم دلالات وضمانات تمنحك استحقاقية الاختيار والتلاعب بأقدار الفريق.
هذا ما اكتسبه أرتيتا على مدار 3 سنوات، حيث نجح في تحقيق أفضل النتائج الممكنة، وبشكل تصاعدي، ووضع يديه على مشاكل الفريق تدريجيًا، وتخلص من الأعباء وهبط بمعدل الأعمار وصنع جيلًا جديدًا يقدم متعة حقيقية في الموسم الجاري، وينجح في تصدر جدول الترتيب.


منذ ديسمبر/ كانون أول 2019، تعاقد أرتيتا مع لاعبين مثل توماس بارتي وآرون رامسديل وويليام ساليبا وتاكهيرو تومياسو ومارتين أوديجارد، ومؤخرًا حصل على خدمات جابريال خيسوس وأوليكساندر زيتشينكو وفابيو فييرا، كأبرز الأسماء التي أضافت للفريق فنيًا.
النرويجي أوديجارد يُعد أحد أبرز نجوم الفريق، ولا يزال في الـ24 من عمره، ولكن المدير الفني الإسباني قرر منحه شارة القيادة على حساب بعض اللاعبين الأكبر سنًا، والأمر في النهاية كان بقرار من اللاعبين أنفسهم في عملية تصويت.
في المقابل، تخلص الإسباني من عدة أسماء لم تتماشى مع طموحات الفريق فنيًا، مثل ماتيو جندوزي ولوكاس توريرا وأليكساندر لاكازيت وبيرند لينو وجو ويلوك ونيكولاس بيبي.
يمكن أن تلاحظ الفارق بين جودة الفريق حين استلمه أرتيتا، وجودة الفريق الذي يتصدر المسابقة الآن.


الأمر المشترك هو أن هوية الفريق في محاولة بناء اللعب والوصول للمرمى ومحاولات الضغط على المنافس تبدو واحدة، ولكن العناصر التي تمثل الهوية أصبحت أفضل كثيرًا، أو من تواجد مسبقًا أصبح أكثر تمرسًا خلال سنوات عمل أرتيتا.
في النهاية، أرسنال فرس حقيقي للرهان هذا الموسم، ومع كل مباراة هامة يقتنص فيها الفريق النقاط الثلاثة، تزداد آمال الجماهير في ملعب "الإمارات" بعودة اللقب الغائب منذ موسم 2003/2004.