مقدمة: لقد أفاق النقد العربي الحديث على وقع ضجة قوية زحزحت قاعدة الشعر العربي ودكت حصونه المنيعة، وذلك عن طريق زمرة من النقاد توجهوا بطموحهم إلى بعث الشعر العربي والرقي به، وتجديد دمائه بما يتلاءم وروح العصر، آخذين في ذلك أفكار أهم التيارات النقدية، والفنية، والفلسفية و الأدبية الحديثة في العالم.
1-مفهوم النقد الأدبي: النقد الأدبي هو الكشف عن مواطن الجمال أو القبح في الأعمال الأدبية و يعتبر النقد دراسة للأعمال الأدبية والفنون وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها والكشف عن مواطن القوة والضعف والجمال والقبح وبيان قيمتها.
2-مفهوم النقد الأدبي الحديث:
أخذ النقد الأدبي الحديث يتجه نحو المنهجية العلمية فأصبح علمًا قائمًا بذاته مستقلًا في اصطلاحاته وتصنيفاته العلمية عن سائر العلوم التي تسعى لتفسير الأدب وشرحه وتتبّع ترجمة أصحابه. فالنقد الأدبي الحديث إذًا هو تعبير عن موقف كلي متكامل في النظرة إلى الفنون عامة أو إلى الشعر خاصة ويقصد به القدرة على التمييز والقدرة على التفسير والتعليل والتحليل والتقييم.
3- السياق الزمني للنقد الأدبي الحديث:
للسياق الزمني علاقة مباشرة بدلالة مصطلح " الحديث "، إذ اتفق معظم الدارسين على أن مصطلح " حديث"، يستعمل للدلالة على كل الكتابات النقدية التي أنتجت في الفترة الممتدة من بداية النهضة العربية و التي يؤرخ لها بحملة نابليون على مصر (1798 ) .
4-عوامل نشأة النقد الأدبي الحديث:
استمد النقد الأدبي العربي الحديث حياته من واقع الحياة العربية الجديدة، والبعث الذي بدأ يدب في أوصال الفكر والأدب منذ القرن19م. وقد اتجهت النهضة الفكرية وجهات ثلاث: الدعوة العربية والدعوة الإسلامية والدعوة الأوروبية، واتخذت كل دعوة من هذه الدعوات الثلاث سبيلها إلى الفكر العربي عن طريق ما ألف وكتب المؤمنون بها من كتب ومقالات .وكان نصيب الأدب من هذه الدعوات الثلاث نصيب غيره من جوانب الفكر والفن، فهو الأخر قد تنازعته أيضا هذه الاتجاهات:
اتجاه دعا إلى بعث الأدب العربي القديم والاستعانة بروائعه لبناء النهضة الأدبية الحديثة، فاستعان الشعراء بما نظم أبو نواس وأبو تمام والبحتري وابن الرومي والشريف الرضي والمتنبي وغيرهم من فحول الشعر العربي القديم، وحاولوا تقليدهم أولا ثم محازاتهم(انحاز مال) ثم معارضتهم ومحاولة التفوق عليهم بما اكتسبوه من إمكانيات لم تكن لسابقيهم. وحاول النقد الجديد أن يلحق بهذه الحركة الجديدة في الشعر فيرعاها ويؤيدها ويدعو لها، من شعراء هذا الاتجاه البارودي ومن نقاده حسين المرصفي.
واتخذ الاتجاه الاسلامي سبيله إلى النقد عن طريق توجيه الشعر نحو المبادئ الاسلامية ومطالبة الكتاب والشعراء بإحياء تلك المبادئ والسير على هداها، وعدم الخروج على ما توارثناه من القيم الدينية. وكان الاتجاه الاسلامي ينحو أحيانا ناحية المحافظة والجمود ويخرج أحيانا من عقال الجمود منطلقا مجددا مستعينا بالفكر الحديث متطورا بين مقتضيات العصر موفقا بين الدين والحضارة قدر الإمكان. لكن هناك بعض الكتاب الغربيين تهجموا على الإسلام باعتباره منبعا للجمود والرجعية وعدم مسايرة الفكر والأخذ بأساليب العقل ومثال ذلك ما ظهر بين هنوتو(وزير الخارجية الفرنسي) الفرنسي ومحمد عبده.
أما الاتجاه الثالث فهو الاتجاه الأوروبي فقد بدت دلائله واضحة على الأدب والنقد، في كتابات كثير من الكتاب الذين ثقفوا ثفافة غربية، وقد تحمس لهذه الدعوة رهط من الأدباء الشاميين فدعوا إلى الأخذ بأسباب التطور التي توجد في أدب الغرب والتنازل عن بعض السمات والملامح التي تطبع أدبنا وتعوقه عن السير في طريق التطور.