الاستعارة ونظرية الملاءمة.
السؤال:(أ تُعدّ الاستعارةُ خرقًا لقاعدةِ الملاءمة؟.)

يمكن اختصار المسألة بهاتين القاعدتين:
١_كلّما ازداد جهد المخاطَب لإدراك الملفوظ أو تفسيره،قلّتِ الملاءمة(حدوث خرق).
٢_كلّما قلّ جهد المخاطَب لإدراك الملفوظ أو تفسيره،زادتِ الملاءمة(عدم حدوث خرق)

هاتان القاعدتان قد تختصران نظرية المواءمة في المقاربة التدوالية الإدراكية عند سبيربر_ ويلسون_و مبدأ التعاون عند غرايس،بالأخص فيما يتعلق بقاعدة الصدق أو الكيف عند هذا الأخير.

حين يتحدّث عبد القاهر الجرجاني عن الاستعارة،يميّز في غير مكان من دلائله بين نوعين من الاستعارات:((١_العاميّ المبتذل كقولنا: رأيت أسدًا،و وردت بحرًا،ولقيت بدرًا. ٢_الخاصيّ النادر الذي لا تجده إلّا في كلام الفحول،ولا يقوى عليه إلّا أفراد الرجال،كقوله:وسالت بأعناق المطي الأباطح))[الدلائل،تحقيق أبي فهر:٧٤]

فالعاميّ المبتذل من الاستعارات يدخل تحت القاعدة (٢)إذ لا يُحدث خرقًا،والخاصيّ النادر من الاستعارات يدخل تحت القاعدة(١)لأنّه يُحدث خرقًا ويتسدعي شحذًا للهمة بغية تفسيره.

وفضلًا عن ذلك،هناك استعارات واقعة في أصل اللغة فهي جارية مجرى الحقيقة وليست في حاجة إلى جهدٍ أو إعمال فكرٍ لتعرقل التواصل أو تُحدِثَ فجوة أو خرقًا.

والأمر كذلك في الاستعارة التمثيلية،فالذي يستشهد بالأمثال أو يعيد صياغتها أو يقوم بتذويبها يحاول بذلك التأسيس لقاعدة والبرهنة لصحّتها بطريقة ينعدم فيها التجريد والتعمّق، لأن المثل صورة فنية ضعيفة قائمة على إمكانات مشتركة وخبرات اجتماعية بين أهل الثقافة،وهي صورة سهلة قريبة من عالم الحياة و خبرات البشر اليومية[راجع والتر أونج:الشفاهية والكتابية:٩٤]فالمثل يُضرب ويقاس في كلّ مناسبة،ولا عليك بقول الناس((الأمثال تضرب ولا تقاس))فهذا عزاء سخيف جدا من صاحب المثل ! .لأنّ المثل دأبًا يساق للقياس،وإلّا فطمعًا من المتكلم في أن تكون مرسلته من المسلّمات التي لا يرقى إليها شك.

والحقّ إنّ النظرية التداولية قاصرة بمفردها على الإحاطة باللغة الأدبية التي تعوّل كثيرًا على الاستعارة،فنظرية الملاءمة حين تطبق على لغة"رجل الشارع"شيء،وحين تطبّق على لغة الأدب شيء آخر،فما يشغل التدلوليين هو اللغة الطبيعية كما يتداولها الناس في كل المواقف عموما والحيلولة دون وقوع خرق فيها من شأنه أنْ يُحدثَ إخفاقًا في التواصل.

أمّا إذا اتَّجهَ البحث التداولي صوب اللغة الأدبية أو اللغة العالية،فلا بدّ من رفد التداولية بمفاهيم جماليات التلقي مع مفاهيم نظرية نحو النص،فكلتا النظريتين حين تتعاملان مع النصوص الأدبية أو النصوص ذات اللغة العالية تستندان إلى مفهومي(الإمكان والتوقّع)[انظر ديبوجراند: النص والخطاب والإجراء:٢٤٩]،فهذه اللغة تعتمد بصورة كبيرة على خبرة مستعمليها،و من ثمّ يتوقف استيعاب الاستعارة فيها على نسبة احتمال ورودها سابقًا وإمكان توقعها، فالاستعارة المتوقعة هي من قبيل العاميّ المبتذل،وإذا كانت خارج التوقع فهي من الخاصي النادر بتعبير إمامنا الكُبّار الجرجاني.

ملحوظة:ما قيل عن الاستعارة يقال عن التشبيه والتمثيل والكناية.