النقد في الشعر الشعبي
بين القبول والرفض
مرّت عملية النقد الأدبي بمراحلَ اختلفت باختلاف العصور المتلاحقة وطبيعة أهلها الفكرية من جهة، وباختلاف النتاج الأدبي الذي قدمه أدباء كل عصر من عصور الأدب ففي عصر ماقبل الاسلام بدا نقد الأدب انطباعيًّا عفويًّا يخضع للذوق العام للمتلقّي ولم يكنِ النّقد ليختلف عن هذا الحال في ، صدر الإسلام وكذلك العصر الأموي، إلّا أنه في العصر العباسي ومع ظهور المصنفات العلمية واللغوية بدا النقد ينحى منحى علميا فظهرت الاصطلاحات النقدية وكتب النقد لمفكرين ولغويين متخصصين في النقد والأدب، ولكن النقد في هذا العصر كان لا يزال نقدًا جزئياً يبحث في الكلمة أو العبارة ولا ينظر إلى النص الأدبي كقطعة فنية متكاملة ،
وفي ظهور منهاج النقد الحديث واختلافه عن النقد القديم
تعدّدت الآراء النقدية الحديثة واختلفت نظراً لاتّساع توجهها وعالمية الأدب وامتزاج الثقافات، إذ ظهر إِثرها الكثير من المناهج والمدارس النقدية الحديثة التي تعمل هدف واحد رغم اختلاف نظمها وأنساقها الفكرية ، وتصنف النقد وفق مناهج متعددة ، منها المنهج البنيوي والمنهج التفكيكي والمنهج النفسي ولو توسعنا في مناهج النقد الادبي وتعدد المدارس اللغوية والادبية والشعرية يحتاج كتب ومراجع لكي تفي حق هذا الفن الادبي الرائع وعودة لعنوان المقال وتخصيصه للشعر الشعبي والارهاصات الحاصلة بين الرفض والقبول نجد ان المحاولات النقدية يكاد انها لا تتعدى اصابع اليد من حيث عدد النقاد او طرحهم النقدي مع العلم اننا نعلم جيداً ان هناك ادباء شعبيين وشعراء يمتلكون القدرة اللغوية والفكرية ولديهم اطلاع واسع في فن النقد وادواته الفنية وانا شخصياً اعيل شحة النقاد وطرحهم النقدي في الشعر الشعبي العراقي لكبر الهجمة التي يلاقونها لكل ورقة نقدية تطرح من قبلهم سواء من الشعراء انفسهم او اتباعهم من الذائقة والمحبين لهذا الشاعر ولو قورن بين النقد في الادب العربي والادب الشعبي لوجدنا الفارق شاسع وكبير ففي الادب العربي نجد امام كل شاعر نجد هناك عدد من النقاد ولكن في الادب الشعبي نجد امام كل ناقد مئات الشعراء ، هذا من جانب ، اما من جانب اخر نجد ان الكثير ممن يطرح ورقة نقدية او ينتناول نصاً شعرياً في تحليل نقدي لا يعتمد الاطر العلمية في الاغلب الاعم ويعتمد على الانطباع الشخصي الخاص به وهذا ايضاً يعتمد على كمية اطلاع الناقد ووعية في فن النقد ، ناهيك ان المنتج الشعري الشعبي يختلف اختلاف كبير عن المنتج الشعري الفصيح فلو طبقنا مناهج النقد المتبعة في الشعر الفصيح فنجدها لا تنطبق على الشعر الشعبي وذلك لخضوع كل منتج لعوامل مختلفة فكرياً ولغوياً وزمكانياً ، فنحتاج لبروز مدارس مختصة في الادب الشعبي معتمدة على المدارس الشعرية الشعبية بوجه الخصوص مختلفة عن مدارس الشعر الفصيح كالمدرسة الرومانسية ومدرسة الديوان ومدرسة المهجر ومدرسة ابولو ومدرسة الشعر الحر ، وايضاً ان الواقع الشعري في الادب الشعبي يحتاج لصفة القبول والخروج من ثقافة الانا التي يملكها السواد الاعظم من الشعراء الشعبيين ولكي يخرجوا من دائرة الانانية والنرجسية ليكون لهم شأن مهم في الادب الشعبي عليهم تقبل الاوراق النقدية المطروحة وان كانت شحيحة وقليلة لكنها محاولات جيدة لتفعيل الحركة الادبية الشعبية وعلى من يطرح الاوراق النقدية معتكزاً على مناهج النقد الادبي السابقة مراعاة اختلاف البيئة والادوات الفنية لكتابة الفنّين من الشعر الشعبي والفصيح كما عليه مرعاة ان يخرج من اطار الرأي الشخصي والذائقة الشخصية في الطرح علما اننا نشهد في الفترة الاخيرة بروز اسماء تبشر بخير في فن النقد وايضاً تقبل البعض لهم مما ساهم بتنشيط الحراك الادبي والثقافي في الشعر الشعبي ،
النقد في الادب الشعبي بحاجة كبيرة واشواط طويلة ليصل لمصاف القبول التام ويكون له الشأن كما هو الحال في فن النقد في الشعر والادب الفصيح .
علي جويد