هناك حيث دنا المساء ...و ابتعدت الشمسُ بأشعتها نحو افق لا نلمسه ....فاصطبغ كل شيءٍ بلون البرتقال ...
هناك ... حامت تلك الطيور قرب امواج النهر ...تحاول اختطاف وجبة اخيرة قبل ان يجبرها الليل على الاعتكاف ... فتغزّل اللاهون بمنظرها الرقيق ..فيما هي اقرب ما تكون للأفتراس...
هناك ....حيث لملم باعةُ الذرة و الحبوب بقايا يومهم المحمّص منهكين ....و تفيأ العشاق ظلال الاشجار في همس ٍمعهود ...
هناك ....
التقيا .........
بعد غيابه الطويل ...وصمته الذي داسَ الوعود ....
هو ....بكل ّما يمكن ان يحمل َ تلميذ من عجلة ٍلأنهاء فرض ٍو الالتحاق بلهو ...
و هي ...بكل ما يمكن ان تنوءَ به القلوب من شوق ...و الارواحُ من قلق ...و العقول من تساؤلاتٍ....و النساء من عشق .
--كيف حالكِ؟ تساءل و عيناه في مكان آخر
-- بخير ....ردت و عيناها تلتهم قسماته
بخير ما دمت رأيتكَ اخيراً....
ابتلع خيبته و استعجاله ....
و جفل من كفها الدافيء الذي تناول كفه البارد
-- لن اسألك اين كنتَ ..ولا لمَ اختفيت بصمت ...ولن اعاتبك على شهور القلق التي عشتها في غيابك ...ولن اروي لك َكيف كان كل شيء بلا لون ...انا فقط اريد ان اقول لك انني الان سعيدة ....
منذ الامس سعيدة ....منذ رن صوتك في هاتفي سعيدة ...حتى في احلامي كنت سعيدة ....هل تتخيل كم من خطوات السعادة قطعته لأنتهي الى منبعها ؟...
كانت تقول ذلك بأخلاص ...لكنها كانت تشعر و هي تتلفظ (سعادة ) بمغص في معدتها ...و صوت ٍ يصرخ في اعماقها ينبعث من بركان قلق....
كل ُّما فيه كان يُعدي بالقلق ...تعابير وجهه ...صمتُه الثقيل ....و نظراته التي لا تحمل اي معنى حين تلتقي نظراتها .....
صمتتْ ...اطبق الخوف على كل كلماتها ...فماتت الحروف
ولم ينطق هو ...
صمتا دقائق مرت كشهور غيبته على قلبها ..كانا يرقُبان الشمس المودّعة بسكون ...احست بحركةٍ منه ...فالتفتت ...كان ينظر الى ساعة معصمه .
احست بروحها تزفر بالبكاء ....ما آلم ان ينتظر الرحيل من نتشبث بوجوده ...
اشاحت بوجهها عنه ....ارادت ان تنفصل للحظات عن سحابة الغم التي جمعتهما ...علها تفكر بصحو ...
تذكرت اختها و هي تكرر لها ( لا داعي للبحث عمن يختار الهروب ) ....
لم عاد اذاً....ماذا يريد مني ؟....
رن هاتفه ....فانشغل ...
.نظرت اليه ...وتخيلت ما يمكن ان يقوله بعد هذا الهاتف ...
غطت اذنيها لا اراديا ...كطفلة اجفلت من رعد ...
نهضت و بدأت بالجري مذعورة ....و كلمات وداع ٍ لم يقلها تنقر رأسها ...لم تلتفت اليه ...لم تسمع صوت ذهوله ....صرخت الطيور من حولها بالنهر و صرخ بها ....و تعالت الضجة من حولها ....ما زالت تغطي اذنيها ....ما زالت تجري ....و تتقدم الى الامام راكضة ....
نحو الغد ....
اما هو.... فعاد من حيث اتى ...من الامس ....من هاتف رن ....و موعد لم تكن الخطوات اليه تسير في طريق السعادة.