-
قُلت: أيَّما فتاة طُلِّقت بمحضِ إرادتها أو رغمًا عنها.. فلا عيب فيها؛ لعلها لم تستطع مُجاراة زوجها أو جواره، أو أنها لم تكن قادرةً على التأقلم معه بشكل أو بآخر.. تعددت الأسباب الظاهرة للمُطلقات، وما خفي في صدورهنَّ من وجعٍ، لهو أشدُّ قسوة.
فـالصبرُ طبعُ النساء.. لا سيما المُتزوجات منهن، ولا يوجد امرأة على ظهر الأرض إلا والستر أحبُّ إليها مما سواه.. فما الذي يدفعها إلى النفور؟! وما الذي أوصلها إلى أن تغضب وتثور؟! إِنْ هو إلا شيءٌ قد فاق صبرها، وتجاوز في الجَلَد حملها..!
تلك المُطلَّقة ليست إنسانًا آليًّا يُؤمَر فيُجيب، أو يُستدعَى فيُلبي؛ هي إنسان مثلي ومثلك لحمًا ودما، لديها من المشاعر ما يكفي أهل الأرض؛ كونها امرأة.. فلِمَ نغضُّ الطرف عن فضائلها، وننسى إن طَلبت الفراقَ أو أُجبِرَت عليه معروفها؟ أليس من باب العدل إنصافها، والاعتراف بحقها؟
يا سادة، إن المرأة المُطلقة في مجتمعاتنا العقيمة فكريًا.. تواجه تجارب عنيفة قاسية، ومِحَنًا أشدَّ من محنة طلاقها؛ فأطماع بعض الذكور فيها تُشبه أنياب الذئاب إن تعثرت بفريستها، يرونها بنظراتٍ عَفِنة ماكرة، تُشعِرها بالعار والنار، يتربصون بها كالأعداء، ويقذفونها بباطلٍ -ليس فيها- بُهتانًا وزورا بكلماتٍ كالسُّم القاتل يفتت روحها؛ فيوقِعها صريعةً مُحبَطة تلفظ آخرَ أنفاسها، والتي هي آخر ما تبقى من عزتها وشرفها وسُمعتها وكرامتها.. فأيٌّكم يرتضي ذلك لنفسه؟ وأيٌّكم يقوَى على تحمُّل ذلك؟
لماذا تحكمون عليها بسوء العشرة، والفشل في انسجامها؟ لماذا لا تنظرون في أمرها بعين الإنصاف؟ فربما تكون قد تعرضت للظلم، أو كان طلاقها نتيجة عدم تفاهم، أو ظروف مادية، أو جسدية، أوغيرها من الأسباب الكثيرة..
"المُطلَّقة" ليست وصمة عار.. بل امرأة عفيفة، حُكِمَ عليها بأن تعيش نهاية بدايتها، وقدَّر الله لها ما كتبه لها؛ فرفقًا بخرساء لا تستطيع الزَّود أو الدفاع عن نفسها؛ لعجزها وقلة حيلتها التي جُبِلَت عليها!
وأنتِ.. يا كل امرأةٍ فاضلةٍ لم تُوَفَّق.. فطُلِّقت، لا تبتئسي أبدا ولا تحزني، أَجِلِّي نفسكِ ولا تهتمي، وعيشي وامضي، ولا تلتفتي.. فكما أن الزواج نصيب، فالطلاق أيضًا نصيب، وهناك مِن صحابيات رسول الله ص مَن طُلِّقن: منهنَّ مَن رجعت، ومنهنَّ مَن فارقت للأبد.
أنتِ طاهرةٌ وعفيفة -ولو طُلِّقتِ ألف مرة- ما دام زواجك كان حلالا، وطلاقكِ أيضا، ما دمتِ قد أعطيتِ وأطعتِ، ما بخلتِ ولا عصيتِ، أنتِ تاجٌ على الرَّأس.. شاءَ مَن شاء، وأبَىٰ مَن أبَىٰ، وهذا حقكِ، لا فضلًا ولا مِنَّة منَّا..
أرضاكِ ربي، ورَضِيَ عنكِ أينما كنتِ، وأينما حللتِ ونزلتِ.. أمس، واليوم، وغدا.
أحمد عبداللطيف
حُبي وحُزني وكبريائي