يشتق مصطلح " الموضوعاتي" (thématique) في الحقل المعجمي الفرنسي من كلمة (thème)، وهي "التيمة"، وترد هذه الكلمة بعدة معان مترادفة كالموضوع، والغرض، والمحور، والفكرة الأساسية ،والعنوان، والحافز، والبؤرة، والمركز، والنواة الدلالية...الخ.
ويقابل كلمة (thème) عند اللسانيين الوظيفيين الجدد مصطلح التعليق (Rhème)؛ لأن التعليق عبارة عن موضوعات جديدة أو أخبار تسند إلى المسند إليه أو تضاف إلى الفكرة الرئيسية المحورية أو النواة البؤرية.
ولقد استعمل المصطلح " الموضوعاتي" أو "التيمي" بشكل انطباعي وعفوي من قبل جان بول ويبر Jean Paul Weber)) ، إذ أطلقه على الصورة المتفردة والملحة في تكرارها واطرادها والمتواجدة بشكل مهيمن في عمل أدبي عند كاتب معين .
ومن الصعوبة بمكان، تحديد المفهوم اللغوي للنقد الموضوعاتي بكل دقة ونجاعة نظرا لتعدد مدلولاته الاشتقاقية والاصطلاحية. ومن ثم، فـليس" هناك ما هو أكثر إبهاما من الموضوعاتي، حتى ونحن نعود إلى جذر الكلمة في استقصاء لدلالاتها وقراباتها الضمنية والخفية، واكتشافاتها للبنيات الفكرية للأعمال
وقد أثار المصطلح الأجنبي للموضوعاتية (thème/thématique/thématiser ) تذبذبا في الترجمة رافقه تعدد المصطلحات المقابلة له في الحقل الثقافي العربي، فنجد الموضوعاتي، والموضوعاتية، والموضوعية، والموضوعاتيات عند كل من سعيد علوش، وحميد لحمداني، وعبد الكريم حسن، وجوزيف شريم، وكيتي سالم، وعبد الفتاح كيليطو.
ب- الدلالــــة الاصطلاحيـــة:
تنبني المقاربة الموضوعاتية على استخلاص الفكرة العامة أو الرسالة المهيمنة أو الرهان المقصدي أو الدلالة المهيمنة أو البنية الدالة التي تتمظهر في النص أو العمل الأدبي عبر النسق البنيوي وشبكاته التعبيرية تمطيطا وتوسيعا أو اختصارا وتكثيفا، والبحث أيضا عما يجسد وحدة النص العضوية والموضوعية اتساقا وانسجاما وتنظيما.
ولايمكن للمقاربة الموضوعاتية أن تبرز الفكرة المهيمنة والتيمة المحورية إلا بعد الانطلاق من القراءة الصغرى نحو القراءة الكبرى، وتعرف الجنس الأدبي وحيثياته المناصية والمرجعية، وتفكيك النص إلى حقول معجمية وجداول دلالية إحصائية لمعرفة الكلمات والعبارات والصور المتكررة في النص أو العمل الإبداعي اطرادا وتواترا.
وترصد المقاربة الموضوعاتية كل الكلمات- المفاتيح والصور الملحة والعلامات اللغوية البارزة والرموز الموحية و قراءتها إحصائيا وتأويليا.
ولن تكون القراءة الموضوعاتية ناجعة وسليمة إلا بقراءة السياق النصي والذهني للكلمات والمفردات المعجمية المتكررة. ويمكن التسلح في هذا السياق القرائي بمجموعة من الآليات المنهجية كالتشاكل والتوازي والتعادل والترادف والتطابق والتقابل والتكرار والتواتر لتحديد البنيات الدالة المهيمنة والمتكررة في النص.
مهام النقد الموضوعاتي : ويقوم هذا النقد الموضوعاتي على تحويل ماهو روحاني وزئبقي وجواني وشاعري إلى وحدة دلالية حسية مبنينة موضوعيا وعضويا .
ويستلزم النقد الموضوعاتي قراءة نص واحد أو مجموعة من النصوص والأعمال الإبداعية التي كتبها الأديب المبدع، والبحث عن بنياتها الداخلية ومرتكزها البنيوي المهيمن، وجمع كل الاستنتاجات في بوتقة تركيبية متجانسة ومتضامة، واستقراء اللاشعور النصي عند المبدع، وربط صورة اللاوعي بصورة المبدع على المستوى البيوغرافي والشخصي
فالمقاربة الموضوعاتية هي التي تبحث في أغوار النص لاستكناه بؤرة الرسالة مع التنقيب عن الجذور الدلالية المولدة لأفكار النص قصد الوصول إلى الفكرة المهيمنة في النص، وتحديد نسبة التوارد لتحديد العنصر المكرر فكريا سواء في الشعر أم في النثر. وتهدف هذه المقاربة أيضا إلى استخلاص البؤرة المعنوية والخلية العنوانية والجذر الجوهري والفعل المولد والنواة الأساسية التي يتمحور حولها النص إسنادا وتكملة عبر عمليات نحوية إبداعية كالحذف والزيادة والتحويل والاستبدال.
ومن الصعوبة بمكان، تحديد مفهوم النقد الموضوعاتي بكل دقة ونجاعة نظرا لتعدد مدلولاته الاشتقاقية والاصطلاحية، وتذبذب مفاهيمه من دارس إلى آخر، وكثرة آلياته الاصطلاحية وأدواته الإجرائية بسبب تعدد المناهج التي تحويها المقاربة الموضوعاتية.
ويعني هذا أن المقاربة الموضوعاتية تطرح عدة أسئلة وصعوبات وإشكاليات وعوائق مفاهيمية ومنهجية وتطبيقية ، وتختلط بالنقد المضموني كما تلتبس بالمناهج النقدية والفلسفية الأخرى.
الموضوعاتية تنطلق من مداخل حرة وتصل إلى مخارج حرة كذلك. ويعني هذا أن الناقد الموضوعي يقتحم العمل الأدبي وفضاءه التخييلي من أية نافذة شاء ولو كانت ضيقة. وتعتبر هذه الحرية سحرا مثيرا وميزة إيجابية لهذا النقد الزئبقي الذي يستهين بالضوابط الأكاديمية الدوغماطية المقننة . حتى إن شبكة العلاقات غير مستقرة ولا ثابتة نهائيا عند ريشار (Richard)، بل هي متغيرة. على عكس الموضوعاتية البنيوية التي تلتزم بالضوابط المعيارية والتقنين المنهجي وثبات العلاقات في نسق بنيوي سانكروني.