- صَرخَةُ مَكْنُون .
فِي لحظَةٍ مِن اللحظَات أشعُرُ بِالرّغبَةِ فِي الإختبَاء تحتَ اغطِيتُي، تحتَ سَرِيرِي المُرتَفِع، أتَمدّدُ بِالظَلامِ فِي مسَاحاتٍ ضَيّقَةٍ فَصَوت ذَلِك السجِين الذّي بِداخِلي بَدَأ ينتفِض مُجَدّدًا ويصرُخ مِن جَدِيد، فالكَوابِيس بَدأت، والاوهَامُ إمتَدّت، والمشَاعِرُ دُفِنت، تدخِينٌ بِشَراهَه، الشعُور بِالغَرابةِ، غَرقٌ فِي أفكَارٍ لَا نِهَاية لهَا، كُلهَا أتَت فِي آنٍ وَاحِد بِدُون سَابِق إنذَار، ورُغمَ كُل هَذَا تعتَقِدُون أنّنِي طِوالَ هَذهِ المُدّه بخِير، ولكِن أحَدُهُم شكّل كُل هَذِه التسَاؤلَات وأملأهَا فِي جيبِي المَشقُوق ودِمَاغِي المُهتَرِئ، مَاذَا يظُنّ نَفسُه عِندَمَا فَعل هَذا بِي؟
هَل يحِقّ لِي أن اسأل عَن حقِّي !!
هَا أنَا بِذاتِي أسخَرُ مِن هَذِه الفِكرَةِ، مِن كَثرةِ صَمتِي أصبَحتُ مهووس فِي خَلق أشيَاء أرمِي عليهَا كُل اللومِ بِإستِمرَار ورُبّما أيضًا بَارِع فِي صُنعِ ذَلِك، لأنّ الذِي قَد تَركنِي خَلفَهُ لآ أظنّ أنّه بِعِلمٍ عَلى الحِملِ الذّي ورّطنِي بِه، ورُبّمَا يعلَمُ ذَلِك جَيّدًا ولَكِن لِسَببٍ مَا أجهَلُه أنَا ونفسِي ويَعرِفُه هُوا تمَام المَعرِفةِ يُبقِينِي كَالجُثّةِ المَغضُوب عَليهَا التّي ورَدت عَنهَا الخُرافه بِعُفُونَةِ قَلبِهَا رَائحَه الصَدِيد مِن أطرَاف مشَاعِرهَا، مِثلُهَا بَل وأشدّ، ورُغمَ كُل ذَلِك أتَنَفسُ بِإرَادةٍ أو بِعَجزٍ تَام، إمتَلئتُ بإلنَزواتِ، والامرَاضِ النّفسِية، الافكَار الموقُوته، عَبِستُ وقَوّستُ شَفتَاي للأسفَل دائِمًا، إنحنى ظَهرِي، إرتَعشَت يَدَاي، الأشيَاء والاشخَاص ينفَلِتُون مِنّي شيئًا فشيء، أنكسِر، أتَبعثَرُ، أتَطايرُ، وبِكُل مَا أوتِيتُ مِن عَجزٍ أسبَحُ خَلف نَفسِي التّي غَرِقَت، بِبَجَاحتِي المُعتَاده أتشَبّتُ بِهَذا الإعتيِادِ، أدلِي بِحِبالِي بَحثًا عَن جحِيمٍ أخَرٍ، ثُم اخَاف واتَراجَعُ مِن اللأشيء، قَد لاحضتُ كَثِيرًا بإنّنِي نَسيتُ ذَلك المسؤول عَن كُل هَذا نسِيت ذَاك الذّي تَركنِي خَلفهُ ولَا يزَالُ يشِيحُ بِوجهِه عنّي، وفِي لَحظَةٍ مَا رأيتُه أو رُبّمَا تهيأ لِي ذَلِك لَا أذكُر بِالتّحدِيد، ولَكِنّه كَان يُغلِق عَينَيهِ عَمدًا امَام صُراخِي المَكنُون فِي عَينَاي، وهُنا تَوقّفت مَشاعِري مِن كُل شيء، تَوقّف لِسانِي عَن الكَلام، وتحولتُ لكَائن فَارِغ يصدُر مِنه أصواتُ عُلبٍ تُدحرِجُهَا الرّياح العَاتِيه فِي حيّ مهجُورٍ، فالقَلبُ أصبَح سِيجَارة عِملَاقه فِي عَالم كَمِنفَضة السَجائِر وتِلك اليَد التِي كَانت تقبُض عَلى قلِبي أقلعَت عَن التّدخِين وبَعد سَنةٍ مِن الإخفَاق، وثَلاثِ مِن الانكِسَراتِ، وخَيبتَان، وتلِيهَا خمسُ طعنَاتٍ، وإحدَى عَشر هزِيمةٍ مُتَتَالِيه، وبِالرُغمِ مِن كُل هَذا لَازِلتُ أقَاوِم .
- كُتِبَ بِتَارِيخ : ١٣ / حزيرَان / ٢٠٢٢
- إسلَام الشّرقَاوِي .