يقال : أرّخَه يؤرّخه تأريخًا ، وتاريخًا [ على قياسِ مذهبِ التخفيف ] ، وورَّخَه يورّخُه توريخًا . قلتُ : أراه أعجميًّا ، لأمرينِ :الأول : أنه ليس له من الاشتقاقِ ما يشهدُ له .
الثاني : أنهم ذكروا أن التاريخ قد أخذه العربُ من العجمِ . والعادةُ أنَّ أدواتِ الحضارةِ يتلقّفها الآخذُ باسمِها من أهلِها .
ولمّا كانَ أعجميًّا ، استعملتْه العربُ بالواو ، والهمز ، لأن العربُ تتصرفُ في الكلمِ الأعجميّ كما لا تتصرفُ في غيرِه ؛ من ذلك أنّ في ( جبريلَ ) ثلاثَ عشرةَ لغةً . ولكونِه أعجميًّا لم يكن مصيبًا من قالَ : إنَّ أحدَهما مبدَلٌ من الآخرِ . ثم إنّ كليهما متصرّفٌ ؛ فكيفَ نعلمُ أن أحدَهما هو الأصلُ ؟
أما الترجيحُ بينَهما ، فإنْ أردتَّ العِلْمَ ، فالأشهرُ تركُ الهمز " التاريخ " ، لأنه غلبَ عليه . ربما لأنّ التاريخَ ذاعَ عن قريشٍ ، وكانوا لا يهمزونَ ، فتلقاه الناسُ عنهم بلسانِهم ، كما ذاع لفظُ ( النبي ) مخفّفًا غيرَ مهموزٍ لهذه العلةِ في ما أرى ؛ إذ الأرجح فيه أن يكون مشتقًّا من ( ن ب أ ) ؛ فيكون ( فعيلاً ) بمعنى ( مُفعِل ) ، أو ( مُفعَل ) .
وإذا أردتَّ بهِ المصدرَ ، فالأشهر الهمزُ : ( التأريخ ) .
وإنما سمّوا العلمَ بالمصدر من بابِ المجاز المرسَلِ ، الذي عَلاقتُه السببيةُ ، لأن العلمَ هذا لا يكونُ إلا بالمصدرِ .