اعتادا على اللعب سويا منذ أن كانا صغارا، وبكل يوم يجتمعان سويا وبالكاد يفترقان عن بعضهما البعض، باليوم الأول الذي أحضر فيه والدها دراجة وردية اللون، أخذ بيدها وشرع في تعليمها كيفية التحكم بها على الرغم من كونه مازال صغيرا مثلها، كانت ضحكاتهما تدوي على الدوام في كل الأركان.
وذات يوم رأت بائع المثلجات فأشار بإصبعها أنها تريد شرائها، وعلى الفور ذهب ليشتري لهما اثنتين ولكن الأموال التي كانت بحوزته لم تكفي لشراء اثنتين، فاشترى واحدة بنفس النكهة والمذاق التي كانت تعشقها، لقد كانت بالشكولاتة؛ نظرت إليه ومن نظرتها علمت أنه لم يكن معه إلا ثمن واحدة، ومن شدة تلهفها تذوقتها، ومن بعدها مدت يدها لتعطيه منها، وما إن اقترب حتى يتذوقها، صدمتها بأنفه لتصنع علامة صغيرة بها، كان والدها حينها واقفا فالتقط لكليهما صورة تذكارية والابتسامة على وجههما الملائكي.
ويفترقان عن بعضهما البعض نظرا لرحيل أهلهما من المكان نفسه، فأصبح كل منهما بمكان مختلف عن الآخر، وتمر الكثير من السنوات؛ كبر الطفل وأصبح شابا قوي البنيان مفتول العضلات وجميل الشكل والهيئة وحاد الوسامة، وذات يوم كان بمكتبه بشركته الخاصة حيث أصبح رجل أعمال يتميز بمكانة خاصة بين أقرانه جميعا، وإذا به ينظر على الرشفة المواجهة له فإذا بفتاة في غاية الروعة والجمال تقف بنافذتها تستنشق الهواء العليل وتستمع به.
لم يستطع إبعاد نظره عنها كليا، بل وشرع في التقاط أكثر من صورة لها، وبكل مرة كان يتعجب من أمره، لماذا هذه الفتاة تحديدا يتصرف معها بهذه الغرابة على الرغم من عدم انجذابه طوال عمره لفتاة غير التي أحبها منذ أن كان صغيرا بالعمر.
لم يستطع الإجابة عن سؤاله الذي حيره كثيرا، وذات مرة لاحظته الفتاة حيث أنه كان دائم التركيز معها لدرجة أنه كان يشعر بفرحها وضيقها وحزنها بمجرد النظر إليها؛ لقد كانت هي أيضا تعمل ومقر عملها تحديدا الحجرة التي بها نافذة تطل عليه، كانت مصممة أزياء، ومحبة للغاية للبهجة والفرح، وعندما لاحظت نظراته المتكررة لها في البداية صدمت وبنفس اللحظة ابتسمت في وجهه ولم تقنط.
كان كلما رآها يشير إليه وهي أيضا تبادله نفس تحيته، وإذا وجدها عبوسة ونادرا ما يحدث ذلك يجعلها تبتسم بحركات يفعلها عن قصد ليمرر السعادة التي تكون بقلبه عند رؤيتها إليها؛ وبيوم كان منسجم للغاية بشيء ما بهاتفه، لاحظته الفتاة وعندما طالت المدة التي ينظر فيها لهاتفه، انتظرته لينظر إليها كعادته وأشارت على الفور عن ما به، ليجيبها بأن يقف ويقترب من النافذة ويقلب في صور على هاتفه، لتجد نفسها في كل صورة، لقد كان يلتقط لها الصور خفية، لقد كان ذلك التصرف بالنسبة إليه وكأنه يعترف لها عن مدى حبه.
وبينما كانت تنظر للصور بفرحة واهتمام لفت انتباهها صورة طفلين صغيرين يبتسمان، كانت بيد الطفلة مثلجات والطفل رسمت على أنفه علامة منها، وقفت في حالة ذهول، ونفس الحالة رسمت على وجه الشاب، وكأنه خمن من علامات الدهشة على وجهها إنها هي نفس الفتاة التي يبحث عنها طوال حياته، وهنا تمكن من الإجابة على السؤال الذي طرحه قلبه وحير به عقله؛ وبالفعل أخرجت الفتاة نفس الصورة من على هاتفها وجعلتها على مرأى الشاب، ورسمت ابتسامة عريضة على وجههما من جديد، وكأن السعادة تطرق على أبواب قلبهما وتحمل لهما ما فقد بواسطة الزمن وتقلباته.
على الفور كلاهما ذهب مسرعا ليلتقي بالثاني، لقد كانت الفتاة حينها تأكل قطعة من الشكولاتة، وأول ما رأته وقبل أن ينطق كلاهما بأي كلمة، أشارت بطريقتها الخاصة التي اعتادت عليها منذ الصغر تعرض عليه قطعة من الشكولاتة التي بيدها، وكعادتها اقترب ليأكل من يدها، ولكنها رسمت بها علامة على أنفه من جديد، ابتسم كلاهما واقتربت الفتاة منه لترسم علامة على أنفها من أنفه