القاصة والروائية والناقدة الدكتورة سناء شعلان نالت العديد من الجوائز الأدبية ولها 52 مؤلفا متنوعا (الجزيرة)
تعيش القاصة والروائية والناقدة الدكتورة سناء شعلان نشوة الانتصار للمقاومة الفلسطينية، ويغمرها إحساس بأن قلمها المدافع عن حرية الشعوب سيواصل عطاءه وتخندقه دعما للقضايا الإنسانية العادلة ولن يحيد.
وفي حديثها للجزيرة نت، قالت شعلان -التي حازت العديد من الجوائز الأدبية ولها 52 مؤلفا متنوعا- إن تصحيح المشهد الإبداعي في الأردن يتطلب استبعاد المصالح وتضافرا إبداعيا حكوميا، مضيفة أن المثقف لا يملك قوة التغيير الحقيقي.
وترى -بوصفها أكاديمية- أن دور الأكاديمي لا يتجاوز التقييم والنقد، ورأت أن خلاص البشرية أدبيا يكمن في الحب وما أسمته "الحوار المحب" بدل الكراهية والقتال، مشيرة إلى أن شخصياتها قوية ومتحدية كما أن رواية "أعشقني" تضع أملا لخلاص البشرية، مؤكدة أن الحياة والخلود للمبدع ولا حظ للسياسي.
وبصراحتها، أعلنت انحيازها والتزامها المطلق لأدب المقاومة، وتجنيد قلمها لهذه الغاية النبيلة، وأكدت أن "هذا موقف فكري وأدبي وإنساني ينطلق من فلسطينيتي وعروبتي وإسلامي"، وإلى الحوار:
- كثر الحديث عن تخلخل الحالة الثقافية في الأردن، فما رأيك؟ وما دور الأكاديميين في هذا الشأن؟
لا شك أن كثرة الأزمات العالمية والعربية على شتى الصعد، فضلا عن تهاوي قيم المنافسة الشريفة، وسيطرة معطيات ومصالح ومحسوبيات على أولويات الإبداع؛ أفسدت الكثير من المشهد الإبداعي الأردني والعربي والعالمي كذلك.
أعتقد أن تصحيح هذا المشهد المربك المتهاوي أكثر فأكثر يحتاج تضافرا إبداعيا وحكوميا، ولا يكفي دور الأكاديمي الذي في الأغلب لا يتجاوز دور التقييم والنقد الإبداعي، وتسليط الضوء على الأعمال الجيدة التي تستحق الاحتفاء والاهتمام والدراسة والبحث العلمي، من دون أن يملك سلطة أو قوة للتغيير الحقيقي المتمثل في قرار ملزم واتجاه تصحيحي إجباري.
- روايتك "تقاسيم الفلسطيني" بإسقاطاتها هل هي عزف على الواقع الفلسطيني أو أنها تجربة خيالية؟
هي أدب تسجيلي بالدرجة الأولى منطلق من حكايات حقيقية من واقع النضال الفلسطيني بعد أن جمعتها على امتداد سنوات طويلة بمساعدة أمي الحبيبة الراحلة نعيمة المشايخ، من واقع محيط أو من ذاكرة من قابلناهم أو من تاريخ تجاربنا وتاريخ معارفنا أو من الإعلام والتغطيات التوثيقية الحقيقية لهذه القصص، إلا أن شكل العرض والتقديم هو من يوظف الخيال في الاستدعاء والتسلسل والتداخلات والأحداث والمشاعر وردود الأفعال وافتعال التفاصيل الدقيقة وصولا إلى النهايات الحقيقية أو المفترضة أو المأمولة.
"تقاسيم الفلسطيني" تروي حكايات من واقع النضال الفلسطيني (الجزيرة)
- في روايتك "أعشقني" هناك مساحة لعوالم مختلفة واستخدام الخيال العلمي حتى عام 2030 كما جاء في مضمونها. فكيف ترين مستقبل البشرية أدبيا؟
هذه الرواية تخرج من عباءة أدب "الديستوبيا" (المدينة الفاسدة) بما يحمل هذا الأدب من تشاؤم ونعي لمستقبل البشرية إن استمرت في سلوكها الشرير والعدواني في ظل سيطرة التكنولوجيا التي يكرسها الإنسان في كثير من الأوقات في سبيل الدمار واستعباد أخيه الإنسان واستغلاله وتعذيبه، إلا أن هذه الرواية تضع أملا واحدا لخلاص البشرية، وهو أمل الحب والبناء المشترك والحوار المحب بدل الكره والتباغض والقتال.
- هناك من يرى أن مواقع التواصل الاجتماعي خلقت حالة من الفوضى الأدبية. هل لديك وجهة نظر؟
لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي المباحة والمتاحة للجميع سمحت لكثير من الدخلاء والفضوليين والموهومين بتقديم أنفسهم على اعتبار أنهم مبدعون وكتاب كبار، وهذا يشوه المشهد الإبداعي، ويضلل الملتقي، ويقدم نماذج سلبية يروق للكثيرين الاحتذاء بها من باب الجهل بحقيقة الإبداع الحقيقي وكنهه، إلا أن ذلك كله لا يستطيع أن يصنع منهم مبدعين حقيقيين، ويبقيهم محصورين في زوايا الوهم والنسيان والتهكم عليهم، بل أحيانا يعرضهم للسخرية والاستهزاء والتندر من طروحاتهم المكذوبة؛ ففي نهاية الأمر العمل الإبداعي والمنتج الإبداعي هو الفيصل في الأمر كله.
- في الأوضاع الراهنة ثقافيا وسياسيا واجتماعيا ونضاليا، ما فائدة الكتابة في ظل الصراع المحسوم تقريبا بين المثقف والسياسي؟
نعم، هناك جدوى من هذه الكتابة حتى ولو كان التيار معاكسا وقويا وطاغيا، إلا أن الحياة والخلود للمبدع كما سجل التاريخ والماضي دائما وفي الأحوال جميعها، أما السياسي فلا حظ له سوى في اللحظة الراهنة المستبدة الطاغية.
- من الملاحظ أن معظم شخصيات المشهد الإبداعي في الأردن تكون غالبا متوترة أو مهزومة، ماذا عن أبطال نتاجك الإبداعي؟
لا شك أن شخصية المبدع هي نتاج واقعه وأفكاره وتجاربه ورؤيته وتداعيات ذلك كله؛ ولما كان الواقع الحالي مأزوما وموجعا ومربكا؛ فلا غرابة في أن تكون شخصيات العمل الأدبي صورة عن ذلك؛ ومن هذا المنطلق لا أجد مناصا من أن أستدعي شخصيات الواقع بكل ما فيه من إرباكات ومعاناة وتراجع، إلا أنني أصمم في الوقت ذاته على تقديم الشخصية المفارقة للمشهد العام السوداوي؛ حيث تظهر الشخصية الإيجابية القوية المتحدية التي تصمم على التحدي والتعاظم على الألم والفشل وصولا إلى النصر والقوة والاستمرار مهما كانت التحديات والمعاناة.
- هل تعدين نفسك كاتبة من كتاب المقاومة الفلسطينية؟ وهل تصنفين روايتك الأخيرة "أدركها النسيان" ضمن أدب المقاومة رغم تهويمات المكان والزمان؟
أحاول جادة في أن أجند إبداعي لأجل المقاومة الفلسطينية، وأتشرف بأن أكون كذلك، إلا أنني قد كتبت في مواضيع اجتماعية وإنسانية وفكرية وتاريخية وفلسفية مختلفة ومتنوعة.
من ناحية أخرى أعد رواية "أدركها النسيان" تجربتي الخاصة في الرفض الإنساني لمنظومة الظلم كاملة؛ سواء أكانت من طرف العدو الصهيوني أم من أطراف مختلفة من قوى الظلم والاستلاب الداخلية والخارجية في مجتمعاتنا العربية المعاصرة.
- تتجهين بشكل خاص بوصفك ناقدة أكاديمية إلى دراسة الأعمال الإبداعية المعنية بأدب المقاومة الفلسطينية، هل هذا انحياز نقدي مقصود؟ وهل تختلف كتابة المرأة المبدعة في المقاومة عن كتابة الرجل المبدع؟
نعم، هذه تقصد من طرفي للاهتمام بأدب المقاومة ليس فقط في الكتابة في حقله، بل ونقد الأدب المكتوب فيه أيضا؛ انطلاقا من أهمية هذه الأمر؛ إذ هو ليس ذائقية خاصة بي فقط، بل هو موقف فكري وأدبي وإنساني أهتم بالالتزام به انطلاقا من فلسطينيتي وعروبتي وإسلامي، وانتهاء إلى موقفي الواضح والصريح من ذلك.
أعتقد أن المرأة عندما تكتب في أدب المقاومة فهي تستطيع أن تلتقط زوايا أخرى غير التي يستطيع أن يلتقطها الرجل المبدع؛ لا سيما في العوالم الداخلية في المعاناة والحرمان والألم في حقول المرأة والطفولة.
- في مجموعة "حدث ذات جدار" من ينتصر لمن ولماذا؟ وفي رواية "أصدقاء ديمة" التي فازت بجائزة كتارا هل هي رحلة تجريب في الشكل والمضمون أم ماذا؟
في مجموعة "حدث ذات جدار" هناك انتصار واحد لا غير، وهو انتصار النضال الفلسطيني المجيد على الاستعمار الصهيوني الغاشم مهما طال الزمن وأوجعت المعاناة وكثرت التحديات.
مجموعة قصصية "حدث ذات جدار " للقاصة والأكاديمية سناء الشعلان (الجزيرة)
أما رواية اليافعين "أصدقاء ديمة" فهي رحلة الشكل الفنتازي القائم على التداعي والانتقال بين الأزمان والخيال العلمي من أجل استحضار شخصيات تاريخية حقيقية، وإقامة علاقات لها مع شخصيات الرواية المتخيلة من أجل إبراز تجربة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في سبيل مساعدتهم وتعليمهم وتأهيلهم للاندماج الأفضل في أسرهم ومجتمعاتهم وحيواتهم الراهنة والمستقبلية.
- "أكاذيب النساء" هل هي صدام مع المجتمع أم ماذا؟
هي انتصار لمعاناة المرأة على خلاف العنوان المضلل، وهي تعرية للمجتمع ومخازيه وفضائحه عبر إبراز معاناة المرأة في مجتمع أبوي سلطوي كثيرا ما يقهر المرأة، ويستلبها، ويستقوي عليها.
إلا أن هذا الاهتمام بمعاناة المرأة لا يمنع من هجاء سقوطها وابتذالها وانهزامها واستسلامها في كثير من الأحيان.
مجموعة قصص "أكاذيب النساء" للقاصة والأكاديمية سناء شعلان (الجزيرة)
- في الآونة الأخيرة ظهرت في المشهد القصصي الأردني ما أطلق عليه "قصة الومضة"، فما رأيك؟
قصة الومضة تجربة جميلة، تتناسب مع روح العصر بما فيه من سرعة واقتضاب وتكثيف وسرعة تمرير وعبقرية المشهد الواحد الذي يبني الموقف كاملا في لوحة واحد.
لكن كثيرا ما يستسهل البعض هذا الفن المعقد، ويسطون عليه ظنا منهم أنه فن متاح وسهل، لكن الحقيقة أنه فن صعب ومتعب على المواهب المتواضعة، ويحتاج إلى أدواته وفنياته واشتراطاته الخاصة التي يجب أن يعرفها المبدع، وأن يتسلح بها قبل أن يدخل في هذه التجربة الإبداعية الحساسة.
- يلاحظ أن المرأة تتصدر ميدان القصة القصيرة في الأردن. برأيك ما تفسير هذه الظاهرة؟
يصعب التفسير أحيانا إن لم يكن قائما على دراسة بحثية إحصائية استقصائية دقيقة، إلا أنني أعتقد أن زمام المشهدية الواحدة والسردية المختزلة القصيرة هو أقرب لتناول المبدع أحيانا من دهاليز ومتاهة السردية العملاقة المتداخلة الموجودة في عالم الرواية؛ لذلك قد يهرب البعض إلى هذه الجنس القصير دون غيره الطويل المتمثل في الرواية.
هذا من ناحية، من ناحية أخرى القصة القصيرة تحتاج إلى رؤية وفكرة وسرد مختزل، وهو أمر أسهل دون شك، أما الرواية فتحتاج إلى اقتدار عملاق في السرد وقدرة فائقة على بناء عالم مواز كامل، فضلا عن التمترس خلف خبرة إبداعية ومعرفية عملاقة لا تشترط في القصة القصيرة.
- وهذا يقودنا إلى سؤال أخير: هل من يهرب إلى كتابة القصة القصيرة أقل باعا وسردية وقدرة على تشكيل عوالم كاملة موازية من كتاب الرواية؟
الحقيقة لا أعرف إجابة هذا السؤال، إلا أنني أترك الإجابة معلقة إزاء المشهد الإبداعي العام، وما يتمخض عنه من إنتاج وتوجهات.