مغارة العائلة المقدسة بدير درنكة بأسيوط
في الوقت الذي تنشط فيه الحكومة المصرية لإحياء مسار العائلة المقدسة التي أقرته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويتضمن 25 نقطة لمسافة تمتد 3500 كيلومتر ذهابا وعودة من سيناء حتى أسيوط، وذلك بعد اعتماد بابا الفاتيكان مسار العائلة المقدسة لمصر ضمن الحج لملياري مسيحي على مستوى العالم.
أعلن في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بالرباط عن تسجيل رحلة "العائلة المقدسة" على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" (UNESCO)، وذلك خلال اجتماع للجنة المعنية بالمنظمة لصون التراث الثقافي غير المادي، في دورتها الـ17، المقامة حاليا في العاصمة المغربية الرباط، بعد أن حشدت مصر تأييدا واسعا وصل إلى حد الإجماع.

ومنذ ألفي سنة تقريبا جاءت العائلة المقدسة إلى أرض مصر قادمة من فلسطين، وفوق وديان مصر وعلى ضفاف نيلها، استقبلت مصر في وقار وإجلال وترحاب أعظم زائر في تاريخها، حيث وجدت العائلة المقدسة الأمان والحماية.
ومسار العائلة المقدسة شمل 40 مدينة ومنطقة تاريخية داخل 5 مناطق كبرى بأرض مصر، بدأت بمنطقة شمال سيناء، ومرورا بمنطقة شرق ووسط الدلتا، ثم وادي النطرون، ومنطقة القاهرة الكبرى، وانتهاءً بمنطقة الصعيد، ثم العودة إلى فلسطين من جديد.
بداية الرحلة المقدسة
ويقول د. إسحاق إبراهيم عجبان الأمين العام ورئيس قسم التاريخ بمعهد الدراسات القبطية بمصر "استمرت الرحلة 4 سنوات في ظل الآلام والمطاردات التي تغطي شرق مصر وغربها، وشمالها وجنوبها، بعد أن أصدر الملك هيرودس أمره بذبح كل طفل من بيت لحم وكل تخومها، يبلغ من العمر أقل من عامين؛ ولهذا حدد المؤرخون لحياة المسيح أن عمره كان بين العام والعامين عندما جاء إلى مصر".
وأبطال الرحلة هم يوسف النجار ومريم العذراء والمسيح طفلا، ورأى يوسف النجار رؤية، نصها كما تقول الأناجيل: "خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه "، فقام النجار وانصرف إلى مصر، وأخذ معه العذراء مريم وهي تمتطي حمارا وتحمل على ذراعيها يسوع الطفل، وبقوا في مصر إلى وفاة هيرودس.




ويتابع معنا الرحلة خلال منطقة سيناء د. سامي صالح عبد المالك مدير بهيئة الآثار ورئيس لجنة الطرق المقدسة بسيناء، ويقول للجزيرة نت "انطلقت رحلة الهروب للعائلة المقدسة ليلاً من بيت لحم إلى غزة، فسيناء المعبر الوحيد الذي يربط قارتي آسيا وأفريقيا، ثم سارت في الطريق الشمالي الساحلي بموازاة البحر المتوسط لشبه جزيرة سيناء، ويعتبر هذا الطريق من أقدم طرق سيناء وأكثرها أمنا".
ويسير هذا الطريق من رفح المدينة الحدودية بين مصر وفلسطين، وفي سرية تامة، تصل العائلة المقدسة إلى بيتليون (الشيخ زويد) التي تقع على مسافة 42 كيلومترا جنوب غرب مدينة رفح، وعلى مسافة 25 كيلومترا من العريش.، ثم إلى رينوكوروارا (العريش) كإحدى محطات الطريق الساحلي الشمالي لسيناء.
ثم تصل العائلة المقدسة إلى المحمدية التي كانت تعرف باسم (جارا) تقع على طريق البحر، غرب تل القلس بحوالي 40 كيلومترا، حتى الوصول إلى مدينة بيلوزيوم، والمعروفة الآن بـ"تل الفرما" في محافظة شمال سيناء 27 كيلومترا شرق قناة السويس، على طريق القنطرة العريش.
العائلة المقدسة في منطقة الدلتا
وتغادر العائلة المقدسة منطقة سيناء إلى الدلتا، وتتجه إلى مدينة بسطة، أو بوبسطة، وتسمى حاليا "تل بسطة" وتبعد حوالي كيلومترين من مدينة الزقازيق.
ثم غادروها إلى المحمة "مسطرد" التي تبعد عن القاهرة بحوالي 10 كيلومترات، وهناك أقامت العائلة المقدسة في مغارة، وقد أنشئت بالمنطقة كنيسة باسم السيدة العذراء، وعندما وصلت العائلة المقدسة إلى سمنود استقبلها أهلها استقبالا حسنا، ثم مرت بقرية "دقادوس" التي تتبع الآن مدينة ميت غمر بمحافظة الدقهلية.
وتصل العائلة المقدسة في مسيرها إلى أقصى شمال الدلتا نحو البرلس على ساحل البحر المتوسط أقصى شمال محافظة كفر الشيخ، ثم عبرت العائلة المقدسة الفرع السبنيتي للنيل إلى الجهة الغربية، حيث توجد مدينة سخا، على بعد 3 كيلومترات جنوب مدينة كفر الشيخ، ثم عبرت العائلة المقدسة فرع نهر النيل إلى الناحية الغربية، وواصلوا السير نحو وادي النطرون الذي باركه السيد المسيح وتنبأ بأن هذا الوادي سيمتلئ بالنساك والمتوحدين وسيخدمون الله مثل الملائكة.
المسيح في قلب القاهرة
بعد وادي النطرون تبدأ المرحلة الثالثة من رحلة العائلة المقدسة في منطقة القاهرة الكبرى، حيث تمر بعين شمس والمطرية والزيتون، ومنطقة وسط القاهرة، وتحركت العائلة المقدسة متجهة نحو الجنوب حتى وصلت إلى المعادي "جنوب القاهرة" على الضفة الشرقية من نهر النيل، ثم عبرت نهر النيل إلى مدينة منف التي تعتبر مدينة المدائن عند المصريين القدماء، وتقع حاليا بمنطقة ميت رهينة جنوب القاهرة بحوالي 20 كيلومترا، بحسب كتاب "رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر" لمؤلفه إسحاق إبراهيم عجبان.




الصعيد.. ثم العودة
وتصل الرحلة إلى منطقة الصعيد بداية من البهنسا، ومرورا بدير الجرنوس وجبل الطير والأشمونين، وديروط أبو نخلة، ودير أبو حنس، وكوم ماريا وديروط الشريف والقوصية ودير المحرق.
وفي جبل قسقام ظهر الملاك ليوسف وطلب منه العودة إلى فلسطين لوفاة هيرودس الملك، وفي طريق العودة، استقلت العائلة المركب من منطقة درنكة بجبل أسيوط الغربي، ثم أقاموا في المغارة المقدسة بكنيسة أبو سرجة الحالية، وفي "المحمة" مسطرد الحالية، ثم انطلقوا رأسا إلى فلسطين، حيث أصبح الطريق آمنا من المطاردات بعد موت الملك هيرودس.