بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المستمع الكريم؛ أتحدث إليك عن شيء من حق المسلم على أخيه المسلم، المسلم له حقوق على أخيه المسلم كثيرة، قد دل عليها كتاب الله الكريم، وجاءت بها سنة النبي الأمين عليه الصلاة والسلام، ومن الحق عليك أيها المسلم أن تعرف ما عليك من الحقوق لإخوانك المسلمين حتى تؤديها بإخلاص ورغبة بما عند الله ، وحتى تؤديها بنصح ونفس طيبة، وحتى تؤديها بأمانة، هكذا المسلم يجاهد نفسه لله، ويؤدي ما عليه من الحقوق لله ولعباده.
والرسول عليه الصلاة والسلام أبان الحقوق التي على المسلم لأخيه وشرحها شرحًا جليًّا في أحاديث كثيرة، ودل كتاب الله العزيز وهو القرآن الكريم على حقوق كثيرة للمسلم على أخيه في آيات كثيرات من كتاب الله ، وأنا أذكر لك حديثا واحدا في هذه الفترة قد اشتمل على ستة حقوق من أهم الحقوق وآكدها، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: للمسلم على المسلم ست خصال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه، هكذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن هذه الحقوق الستة.
وقد عرفت سابقا أن للمسلم على أخيه حقوقًا كثيرة لا تحصى بهذه الستة، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر هذه الستة للتنبيه على عظم شأنها، وكثرة منافعها، وحسن عاقبتها، وإلا فأنت يا أخي عليك حقوق كثيرة لأخيك المسلم ينبغي لك أن تعرفها، وينبغي لك أن تؤديها.
فمن ذلك ما جاء به الحديث الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه هذا حديث جامع من جوامع الكلم، يدل على أن عليك لأخيك أن تحب له الخير وتكره له الشر دائما، دائما في الشدة والرخاء، في مغيبه وفي مشهده، مع العداوة ومع المحبة، عليك أن تحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك من الخير، وعليك أن تكره له من الشر ما تكرهه لنفسك، فكما تحب لنفسك العلم النافع والصحة والغنى والستر تحبه لأخيك، وكما تحب لنفسك الزوجة الصالحة والأولاد الصالحين تحب ذلك لأخيك، وهكذا.
وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: المؤمن مرآة أخيه المؤمن فأنت مرآة لأخيك وهو مرآة لك، إذا رأيت شيئا يشينه نبهته برفق وحكمة وإظهار المودة والنصح حتى يزيل ذلك الشيء الذي يشينه وينقصه، وهو كذلك إذا رأى فيك ما يشينك نبهك بلطف ورفق ومحبة وعدم عنف حتى تزيل ما يشينك وما يقدح فيك من أخلاق وأعمال، فهذا كله من معنى الحديث: المؤمن مرآة أخيه المؤمن لا ترى العيب في أخيك وتسكت، ولا يراه ويسكت، ولكن كل واحد ينبه أخاه مع الرفق، ومع الحكمة، ومع النصح، وعدم الغلظة والعنف، ولاسيما في السر، فإن السر أنفع.
فالمناصحة والبيان والإيضاح لأخيك سرا بينك وبينه من أعظم الأسباب في نجاح المقصد وحصول المطلب.
وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه المعنى أن المسلمين فيما بينهم بناء واحد، يمسك بعضه بعضا ويشد بعضه بعضا، فأنت تألم لأخيك وهو يألم لك، وتسر لأخيك وهو يسر لك، تعينه ويعينك، ترشده ويرشدك، تشفع له في الخير ويشفع لك، هكذا المؤمن مع أخيه، فالحقوق لأخيك كثيرة جدا، ولكن منها هذه الست، أتكلم عليها كما بينها النبي عليه الصلاة والسلام.
فأولها: يقول عليه الصلاة والسلام: إذا لقيته فسلم عليه هذه من الست الخصال التي هي من حق أخيك عليك، ومن حقك عليه: إذا لقيته فسلم عليه إذا صادفك في الطريق تقول: السلام عليكم، وهو يقول: وعليكم السلام، وإذا قلت: السلام عليكم ورحمة الله كان أفضل، وإذا قلت وبركاته كان أفضل، وهو كذلك يرد عليك كتحيتك أو أحسن، كما قال الله : وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]. فإذا قلت: السلام عليكم، وجب أن يقول: وعليكم السلام، فإذا زادك وقال: ورحمة الله صار أفضل منك، زادك خيرا، وإذا قال: وبركاته، كان أفضل وأفضل.
وهكذا المعروف والخير والإحسان بين المسلمين كلما زاد الإنسان على أخيه في الخير صار أجره أكثر وثوابه أعظم، وفي السلام مودة وصلة، وفي ترك السلام بعد ووحشة، فالسلام يجلب السلامة والمحبة والألفة والصلة والتعارف ومصالح كثيرة، والتهاجر وترك السلام يسبب مشاكل كثيرة، ولهذا قال في الحديث الصحيح عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
فبين عليه الصلاة والسلام أن إفشاء السلام من أسباب المحبة، وأن التحاب في الله من كمال الإيمان وتمام الإيمان، وأن الناس لا يدخلوا الجنة حتى يؤمنوا، يعني حتى يؤمنوا بالله وبرسوله، ويؤدوا حق الله وحق رسوله، ولن يؤمنوا على التمام والكمال حتى يتحابوا في الله، وحتى يتوادوا في الله، وحتى يتناصحوا في الله، وحتى يتواصوا بالحق والصبر عليه في الله ، ولن يتم لهم هذا إلا بإفشاء السلام بينهم، أما مع التهاجر ومع الوحشة ومع التقاطع والتحاسد والتنافر فلا يتم هذا، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده يحلف وهو الصادق عليه الصلاة والسلام -وإن لم يحلف- لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
فعليك يا أخي إفشاء السلام، وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام لما سئل أي الإسلام أفضل؟ قال: أن تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف يعني من المسلمين، فالمسلم يقرأ السلام، ويطعم الطعام، ويحسن إلى الناس يرجو ثواب الله، ومن أعظم المنافع ومن أحسن الخصال إفشاء السلام، تسلم على إخوانك إذا لقيتهم في الطريق، إذا زاروك في البيت، إذا كتبوا إليك تقابلهم بالسلام والكلام الطيب حتى تبقى المودة، وحتى تزداد المودة، وحتى يحصل التعاون على البر والتقوى.
لكن من أظهر الشر والمنكر ولم يستحِ ولم يستخف استحق أن يهجر لإظهاره المنكر والمعصية، أما من أظهر الستر والعافية فهو حقيق بالسلام، وحقيق برد السلام، وحقيق بالمواصلة والموادة والتعرف إليه والأنس به، حتى يعينك وتعينه، وحتى تنفعه وينفعك كما قال الله : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقال عليه الصلاة والسلام: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه فالتعارف من أسباب التعاون والتواصي بالحق، أما الجفاء والوحشة فمن أسباب التقاطع ومن أسباب التعاون على الإثم والعدوان، فأنت إذا كان في نفسك على أخيك شيء حتى صارت الوحشة بينك وبينه والجفاء، فربما جرك ذلك إلى أن تسيئ إليه وربما جره ذلك إلى أن يسيئ إليك حتى تستحكم العداوة والبغضاء.
ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية كاملة بالحث على السلام، والدعوة إلى السلام، والتحية والمقابلة بالمعروف وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، وخير الناس الذي يبدأ بالسلام، خير المتلاقيين الذي يبدأ بالسلام، ولا يجوز التهاجر فوق ثلاث، إلا إذا كان لله، إذا كان من أجل المعصية أو الشرك يهجر لأجل الله.
أما أن يهجر أخاه من أجل الدنيا والخصومات والدعاوي الباطلة، أو من أجل حقه عليه الدنيوي، أو ما أشبه ذلك فلا، لا يجوز هذا أبدا إلا ثلاث فأقل، ثلاثة أيام لا بأس فأقل، لأن النفوس قد لا تستطيع السلام وإظهار الأنس مع ما حصل من الوحشة والخصومة والكلام الذي لا ينبغي، فسامح الله العبد أن يهجر ثلاثة أيام فأقل فيما يتعلق بالحقوق الدنيوية، كحق الإنسان على أخيه فيما يتعلق بالدنيا، ولا يزيد على ثلاث، قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، هكذا قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
فأنت يا أخي ينبغي لك أن تحرص على بذل السلام وعلى الإجابة، وهو كذلك أخوك يحرص على ذلك حتى يكون كل واحد منكما حريصا على بذل المعروف وعلى إفشاء السلام، وبذلك يستحق كل واحد منكما الخير والأجر الجزيل، فخيركما الذي يبدأ بالسلام.
فهذه الخصلة التي سمعت الكلام عليها الخصلة الأولى من الخصال الست، وهي السلام على أخيك إذا لقيته، ويأتي الكلام إن شاء على الخصال الخمس الباقية في الحديث في حديث آخر إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.