تلك الآلية تستغرق مئات الآلاف من السنين كي تعمل، ومن ثم فإنها ليست بالسرعة الكافية لحل مشكلاتنا الحالية.
كيف تمكّنت الأرض من تنظيم حرارتها على مدى آلاف السنين؟ (شترستوك)
كشف الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أن الأرض ربما كانت تعمل على تنظيم حرارتها على مدى آلاف السنين، ضمن نطاق ثابت.
وبحسب الدراسة المنشورة في دورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) في عددها الصادر يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، فقد أكد الباحثون أن كوكب الأرض يحتوي على آلية كامنة للضبط والتثبيت (stabilizing feedback)، تعمل على إعادة الاستقرار لدرجات حرارته.
سحبت آلية "تجوية السيليكات" ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي إلى رواسب الصخور في المحيطات (شترستوك)
تجوية السيليكات
ووفقا للبيان الصادر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والمنشور في موقع "فيز دوت أورغ" (Phys.org)، فإن مناخ الأرض شهد بعض التغيرات الكبيرة الناجمة عن العصور الجليدية، والتغيرات في الإشعاع الشمسي والنشاط البركاني الشديد. وعلى الرغم من ذلك، استمرت الحياة طوال 3.7 مليارات سنة.
ويفسّر الباحثون أن ذلك التنظيم في درجات الحرارة عائد إلى "آليات الضبط والتثبيت الكامنة"، والمتمثلة أساسا في آلية "تجوية السيليكات" (silicate weathering)، وهي عملية جيولوجية كيميائية بطيئة ومستمرة لصخور السيليكات، تسحب -من خلال التفاعلات الكيميائية- ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي إلى رواسب الصخور في المحيطات، وتحبس الغاز في الصخور.
ويضيف البيان أنه لطالما اشتبه العلماء في أن تجوية السيليكات تلعب دورا رئيسيا في تنظيم دورة الكربون على الأرض، وتوفر قوّة ثابتة جيولوجيا في إبقاء ثاني أكسيد الكربون ودرجات الحرارة العالمية تحت السيطرة، إلا أنه لم تتوفر حينها دلائل حول تلك الشكوك.
بيانات المناخ القديم والصخور القديمة
وللعثور على دليل تنظيم الأرض لدرجة حرارتها، تعمّق الباحثون في دراسة بيانات المناخ القديم التي سجلت التغيرات في متوسط درجات الحرارة العالمية على مدى الـ66 مليون سنة الماضية، وذلك من خلال تطبيقهم تحليلا رياضيا لمعرفة ما إذا كانت البيانات قد كشفت عن أي أنماط مميزة لاستقرار الظواهر التي تحد من درجات الحرارة العالمية على مقياس زمني جيولوجي.
أظهرت التحليلات الكيميائية للصخور القديمة أن تدفق الكربون داخل وخارج بيئة الأرض ظل متوازنا نسبيا (شترستوك)
ووجد الباحثون أن هناك بالفعل نمطا ثابتا تتضاءل فيه تقلبات درجة حرارة الأرض على مدى مئات الآلاف من السنين، ومدة هذا التأثير مماثلة للمقاييس الزمنية التي من المتوقع أن تعمل تجوية السيليكات خلالها، وهو ما يمكن أن يبين كيف ظلت الأرض صالحة للسكنى رغم تلك الأحداث المناخية الدراماتيكية في الماضي الجيولوجي.
ووفقا للبيان، فقد أظهرت التحليلات الكيميائية للصخور القديمة أن تدفق الكربون داخل وخارج بيئة سطح الأرض ظل متوازنا نسبيا، حتى خلال فترات التقلبات الهائلة في درجة الحرارة العالمية. وإضافة إلى ذلك، تنبأت نماذج تجوية السيليكات بأن العملية يمكن أن يكون لها بعض التأثير على استقرار المناخ العالمي.
من ناحية أخرى، نظر الباحثون في بيانات تقلبات درجات الحرارة العالمية خلال التاريخ الجيولوجي، من خلال سجلات درجات الحرارة العالمية التي جمعها علماء آخرون، بدءا من التركيب الكيميائي للحفريات البحرية القديمة والأصداف، حتى دراسات اللب الجليدي المحفوظ في القطب الجنوبي.
كما قام الفريق بتحليل تاريخ متوسط درجات الحرارة العالمية على مدى فترات زمنية مختلفة، مثل عشرات الآلاف مقابل مئات الآلاف من السنين، لمعرفة ما إذا كانت أي أنماط من آليات الضبط والتثبيت قد ظهرت خلال الجدول الزمني.
آلية الضبط تستغرق مئات الآلاف من السنين، ومن ثم فإنها ليست بالسرعة الكافية لحل مشكلاتنا الحالية (شترستوك)
أبطأ من أن تحل مشكلاتنا الحالية
ويقول كونستانتين آرنشايت من قسم علوم الأرض والغلاف الجوي والكواكب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، "إنه لأمر جيد أن نعلم أن الاحترار سوف يتم ضبطه في النهاية عبر آلية الضبط والتثبيت الكامنة، ولكن من الناحية الأخرى، فإن تلك الآلية تستغرق مئات الآلاف من السنين كي تعمل، ومن ثم فإنها ليست بالسرعة الكافية لحل مشكلاتنا الحالية".
ولذلك فقد حث العلماء والباحثون المشاركون في الدراسة صانعي السياسات على إحداث مجموعة من التغييرات التي تحد من انبعاثات الكربون، كي نصبح محايدين كربونيا.