صناعة ركائز إلكترونية من الفطر يعد الاكتشاف الأول عالميا الذي يؤدي إلى إلكترونيات أكثر استدامة (جامعة يوهانس كيبلر)
توصلت دراسة جديدة قام بها باحثون من جامعة يوهانس كيبلر (JKU) في النمسا، أنه يمكن للطبقة الخارجية (الجلد) لنوع معين من الفطر يسمى "غانوديرما لوسيدوم" Ganoderma lucidum، أن توفر بديلا قابلا للتحلل الحيوي لبعض المواد البلاستيكية المستخدمة في البطاريات ورقائق الكمبيوتر، مما يسهل إعادة تدويرها.
فرغم تغلغل الأجهزة الإلكترونية في حياتنا اليومية فإنه لم يتم التوصل إلى كيفية التخلص منها بشكل مستدام لتحقيق مستقبل إلكتروني صديق للبيئة. وهنا يأتي دور الدراسة المنشورة في دورية "ساينس أدفانسز" Science Advances، التي حاولت التركيز على استبدال المواد غير القابلة للتحلل من مكونات الأجهزة الإلكترونية بمواد أخرى قابلة للتحلل البيولوجي.
ينمو هذا النوع من الفطر عادة على بقايا أشجار الخشب الصلب المتحلل والميت في أوروبا وشرق آسيا (شترستوك)
الأول عالميا
وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع جامعة يوهانس كيبلر في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، فإن العلماء أطلقوا على المادة المبتكرة الجديدة اسم "ميسيليو ترونيكس" MycelioTronics التي يعتقد أنها "الأولى عالميا" التي يمكن أن تؤدي إلى إلكترونيات أكثر استدامة، إضافة إلى كون استخدام جلد الفطريات كـ"حاجز" هو فكرة مبتكرة للغاية.
يقول مارتن كالتنبرونر، رئيس قسم الفيزياء بالجامعة والمؤلف المشارك للورقة، في التقرير المنشور على موقع "سي إن إن" CNN، إنه "كان هناك قدر من المصادفة" في التوصل إلى هذا الاكتشاف العرضي، كما هو الحال غالبا عندما يتعلق الأمر بالعلوم.
لقد كان أحد أعضاء الفريق يبحث في استخدام مواد مشتقة من الفطر لاستخدامها في مناطق أخرى، لكن هذا العمل أدى إلى أحدث دراسة في هذا المجال، التي توضح كيف يمكن أن يعمل جلد فطر غانوديرما لوسيدوم بديلا للركيزة المستخدمة في الدوائر الكهربائية.
يتم تثبيت معظم الرقائق المستخدمة في صنع الأجهزة الإلكترونية على قاعدة من البلاستيك. وهذا النوع من البلاستيك غير قابل لإعادة التدوير على الإطلاق، مما يعني أن معظم رقائق الكمبيوتر ينتهي بها المطاف في مقالب القمامة حول العالم.
وأشارت نتائج الأبحاث السابقة إلى أن ذلك يؤدي إلى إضافة 50 مليون طن متري من النفايات الإلكترونية إلى مدافن النفايات كل عام.
ويُطلق على قاعدة الشريحة اسم "الركيزة" التي تتمثل وظيفتها الأساسية في العمل على عزل وتبريد المعادن الموصلة الموجودة فوقها.
واكتشف الفريق البحثي أن الفطر الذي ينمو عادة على بقايا أشجار الخشب الصلب المتحلل والميت في أوروبا وشرق آسيا، يشكل طبقة واقية مدمجة مصنوعة من الفطريات، وكانت الأبحاث السابقة قد بينت أن الفطر يشكل هذه الطبقة من الجلد الخارجي من أجل حماية نفسه من دخول الفطريات الأخرى أو البكتيريا.
وجد الباحثون أن جلد الفطر مرن ويوفر عزلا جيدا وقادرا على تحمل درجات الحرارة المرتفعة (شترستوك)
نتائج الدراسة
بعد إزالة بعض الجلد من عدة عينات وتجفيفه، وجد الباحثون أنه مرن ويوفر عزلا جيدا وقادرا على تحمل درجات الحرارة المرتفعة. كما أشاروا إلى أنه إذا تم إبعاده عن الضوء والرطوبة فإن الجلد يستمر لفترة طويلة. وعلى العكس من ذلك، فإنه إذا تعرض لمثل هذه الظروف عن قصد فسوف يتحلل بسرعة.
هذه الميزات جعلت الفريق يعتقد أن الطبقة الخارجية للفطر ستصنع ركيزة شرائح جيدة جدا.
وفقا لموقع "تيك إكسبلور" Tech Xplore، طور الفريق البحثي وسيلة لإيداع مكونات الدوائر الإلكترونية المعدنية على جلد الفطر المستخدم كركيزة باستخدام الترسيب الفيزيائي للبخار.
وأظهرت النتائج أن الجلد يعمل تقريبا مثل الركائز البلاستيكية التقليدية وأنه يمكن أن يتحمل الانحناء بشكل متكرر، فلم يجدوا أي تغير أو كسر بعد 2000 انحناء.
وجدوا أيضا أنه يمكن استخدام الجلد في صنع مكونات البطارية، إلا أن الأمر ما زال بحاجة إلى مزيد من العمل للتأكد من أن الجلد يعمل كما هو مأمول في بيئة صناعية.
كما أنه يتعين العثور على عملية نظيفة لإزالة الجلد من الرقائق للتخلص منها.
الفطر مقابل البلاستيك
وفقا للورقة البحثية، يعتبر جلد الفطر أقل عزلا من البلاستيك، لكنه لا يزال يعمل بأمان ونجاح في الدوائر الكهربائية مع القدرة على تحمل درجات حرارة تتجاوز 200 درجة مئوية، مما يجعل منه ركيزة جيدة.
أحد المميزات الأخرى لاستخدام جلد الفطر في صناعة الركائز الإلكترونية هو أنه يمكن ببساطة زراعته في نفايات الخشب المتوفرة بكميات كبيرة مثل شظايا الخشب من النشر الصناعي، كما أنه لا يحتاج إلى طاقة أو معالجة مكثفة التكلفة.
وفي حين أن عمل الفريق تجريبي في الوقت الحالي بعيد عن وضعه ضمن إنتاج ضخم، فإن الباحثين يعتقدون أن الجلود القابلة للتحلل الحيوي يمكن أن تكون مادة بديلة مستدامة للاستخدام في الإلكترونيات التي لا تتطلب دوائر كهربائية طويلة الأمد.