النقد في العصر الجاهلي يتجلى ويظهر في مستويات ثلاث:
النقد الذاتي: ويقصد به نقد الشاعر لنفسه وتهذيبه لقصيدته كيف لا والشاعر هو أكثر المحتفلين والمهتمين بتجويد شعره حتى يُرضي الجمهور المتلقي للشعر ويستقطب إليه أكبر قدر ممكن من الرواة والمعجبين , ولعل أبرز نموذج يمثّل هذا النوع من النقد هو ما اصطلحوا عليه باسم المدرسة الأوسية أو عبيد الشعر وأشهر رواد هذه الطائفة من الشعراء زهير بن أبي سلمة الذي كان يستغرق في تهذيب شعره وإعادة النظر فيه سنة كاملة قبل أن يخرج على الناس بقصيدته كاملة مكتملة... ولهذا السبب سميت قصائده بالحوليات .
النقد الخاص: وهو النقد الذي نشأ بين طائفة خاصة من المجتمع العربي على رأسهم الشعراء أنفسهم، فالنقد الخاص بين الشعراء ما يروى من تحاكم علقمة بن عبدة التميمي والزربقان بن بدر وعمرو بن الأهتم والمخبل السعدي إلى ربيعة بن حذار الأسدي فقال لهم: أما أنت يا زبرقان فإنّ شعرك كلحم لم ينضج فيؤكل ولا ترك نيّئا فينتفع به . وأما أنت ياعمرو فإنّ شعرك كبرد حبرة يتلألأ في البصر فكلّما أعدته فيه نقص , وأما أنت يا مخبّل فإنّك قصرت عن الجاهلية , وأما أنت يا علقمة فإنّ شعرك كمزداة قد أحكم خرزها فليس يقطر منها شيء.
وأبرز شاهد ها هنا النابغة الذبياني فقد كان شاعرا فحلا وناقدا فذّاً ومثله جلّ الشعراء فمعرفتهم للشعر من جهة وتنافسهم فيما بينهم من جهة أخرى يدفعهم إلى إصدار أحكاما نقدية من شأنها أو توجّه الشعر وتهذّبه .
النقد العام: والمقصود به نقد جماهير العرب وعامتهم. فالمعروف عن العرب أنّهم أهل البلاغة والفصاحة والبيان كانوا يتذوقون الأدب بفطرتهم وسجيتهم وكانوا ولوعين شغوفين بالشعر خاصة، ولا بدّ أنّ هذه العامة كان لها ذوق خاص واتجاه محدّد في الشعر وقوالب معيّنة تنجذب نحوها أكثر من غيره .
أن النقد الأدبي في العصر الجاهلي يتصف بعدة سمات هي الغالبة عليه من أبرزها:
1- النقد في العصر الجاهلي فطري، يعتمد على ذوق الناقد، كحكم النابغة على شعر حسان بن ثابت .
2- النقد الأدبي في العصر الجاهلي جزئي، أن الناقد يتجه إلى الجزئيات لينقدها في الغالب، تاركا باقي الجوانب الفنية، فهو ينقد الألفاظ أو الوزن، كقصة المتلمس مع طرفة .
3- الحكم النقدي في العصر الجاهلي موجز، أي يصدر الناقد حكما نقديا بعبارة موجزة. كقول طرفة للمتلمس: أستنوق الجمل .
4- الحكم النقدي في العصر الجاهلي بالعمومية، أي أن الناقد يصدر حكمه غالبا دون سبب أو تعليل، كالحكم على المعلقات بأنها أفضل ما قالت العرب، وكقول النابغة للبيد بن ربيعة: إذهب فأنت اشعر العرب .
م