لماذا نتعلم الشعر...؟
الشعر العربي
اشتَهَرَ العرب مُنذُ القِدَم بالشّعر، وَقَد عُرّفَ الشعرُ قَديماً بِ (مَنظُوم القول غُلِبَ عَليهِ الوَزِن والقافية وإن كانَ كُلّ عِلمٍ شِعراً) وهو تَعريف ابن منظور في لسان العرب (1)، ويعرف الشّعرُ فِي الوقت الحالي بِ (النظام الموزون، يتركّبُ تركّباً مُتعاضِداً، ويكون مَقفّى وموزون، وإذا خلا مِن هذِهِ القيود لا يُسَمّى شِعراً ولا قائلهُ شاعراً) (2) وبالتّالي هناك أربعة شروط للشعر هي: المعنى، والوزن، والقافية، والقَصِد.
مكانة الشّعِر العربي
الشّعِر فِي عَصرِ الجاهليّة -قبلَ ظهورِ مُحمّد صلّى الله عليه وسلّم- كانَت العَرب تُقيمُ الأفراح إذا ظَهَرَ مِن أبنائها شاعِرٌ مُبدِع، لأنّ الشّعر قَديماً كان يَرفَعُ مِن قِيمَةِ القبيلة وَيُغَيّر مِن مَكانَتِها إلى الأفضل بَينَ القبائل، وَيَختَلِفُ أهَميّة الشّعر العربي باختلافِ العُصور التي ظَهَرَت فِيها، فَفِي عَصرِ النُبوّة وظُهورِ الإسلام كان الشّعرُ وَسيلَةٌ مِن وسائِلِ الدفاع عَن رسالَةِ الإسلام ضدّ المُشرِكين، وَفِي عَهدِ بَنِي أميّة والعباسيين كانَ الشّعر عبارَة عَن وَسيلَةٍ مِن وسائِلِ التَفرِقَة السياسيّة والفِكريّة والتنازُعِيّة والدفاعِ عَن مبادِئِها فِي مُواجَهَةِ خُصومِها.
فِي الوقت الحالي هُناكَ تأثيرٌ بارِز للشّعِر فِي الحَياةِ الأدبيّة والفِكريّة والسياسيّة، والشّعرُ العربي يَتَطَوّر بتطوّرِ الشعوبِ العربيّة والإسلاميّة وبحسَبِ علاقاتِها مَع الشّعوبِ الأخرى، بِحَيث ظَهَرَت فُنونٌ جَديدَة فِي الشّعر تَختَلِفُ مِن ناحِيَةِ المَضمُون، الأسلوبِ واللغة، والأوزان والقوافي وَظَهرَ منها جوانِبٌ كثيره مِثِل الشّعر: الوصف، والأطلال، والغزل العذري، والموشحات، والمعاصر، وغيرها. (3)
أهميّة الشعر العربي
إذا أمعنّا النظر في تاريخ الأدب عامة والشعر خاصة، نجد أن هناك أهميّة كبيرة للشعر باختلاف الوقت والمكان، إلا أنّها تتشابه على مرّ العصور في أمور عدّة، أهمّها:
الدفاع عن القبيلة
من أبرز وظائف الشعر العربي هو الدفاع عن القبيلة، لأن الشاعر بقصائده يحمي عن قبيلته، ويدافع عن سمعتها، فهو رجل الصحافة بالنسبة لها، الذي يظهر محاسنها ويهجو أعداءها، ويدافع عن سياستها ويُمجّدها. وقد صوّر أبو عمرو بن العلاء فرط حاجة العرب إلى الشعر قائلاً: ( الذي يُقيّد عليهم مآثرهم، ويُفخّم شأنهم، ويُهوّل على عدوّهم ومن غزاهم، ويُهيب من فرسانهم، ويُخوّف من كثرة عددهم، ويهابهم، شاعر غيرهم، فيراقب غيرهم). (4)
والواقع أن الشاعر الجاهلي شخص له منزلته التي تفوق منزلة البشر عموماً، أو يمكننا القوا إنّه نبّي قبيلته وزعيمها في السّلم، وبطلها في الحرب، إذ إنّ وظيفته الأساسية والطبيعية أن يكون لسان عشيرته، يحمي عِرض قبيلته، ويُخلّد بلادهم، ويُشارك في المعارك رامياً العدو بسهام شعريّة لها قوة خارقة، يتغنّى بأمجادها، وأيّامها، ويحمي شرف الدم والعرق، فهو مرآة تنعكس عليها الصّورة المثاليّة للقبيلة. ولما جاء الإسلام انطفأت نار العصبيّة القبليّة، فانتقلت من حماية القبيلة إلى حمياة الدين، فاستخدم الشاعر مواهبه لحماية دينه ومبادئه. (5)
الشعر ديوان العرب
من المعروف أن الشعر يعتبر خلاصة صافية للتجارب الإنسانية، ومصدراً لتدوين معارفهم المختلفة، وتنطبق هذه الحالة على الشعر العربي، فنجد فيه من الحكمة والمعرفة ما يكفي لتثبيت هذه الفكرة، ولهذا كَثُر استخدام مصطلع (الشعر ديوان العرب) من قِبَل النُّقاد.
عُرف لفظ الديوان عند العرب بدلالته المشتركة بين التحليل التسجيل، وقد أحسّ النقاد العرب بالقيمة المعرفية للشعر العربي منذ وقت مبكر جداً، فنجد أنّ عمر بن الخطاب رضي االله عنه جعل الشّعر أصحّ علم عَرَفته العرب، يقول: (كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه). ولأنّ الشعر ديوان العرب التراثي، ومادة تاريخهم، وسِجِلّ حياتهم، تجد حرص العرب على حفظ أشعارها لتأخذ العبرة منها، وتُوثّق العلاقة بين حاضرها وماضيها، ولتكون مَعلَماً وهادياً للأجيال القادمة، يتعلمون منها الأخلاق والشرف. (6)
الحكمة
اعتر النقّاد الشعر العربي مصدر حكمة وتربية وتهذيب، إذ كان الشاعر يُربّي قومه على الفضيلة، والأخلاق الحميدة، ويزجرهم في الوقت نفسه عن الأفعال الدنيئة؛ فيُقبح البخل ويُشجّع على السخاء، ويُسفّه الجبن ويشدو بالجود، فتشبّ النّفس على الفضيلة، وتسمو في مدارج الرفعة والخير.
والشعراء في ذلك الوقت كانوا يقومون بدور الأساتذة والمُصلحين، يُرشدون الناس بشِعرهم إلى مكارم الأخلاق. وعليه، ولارتباط الشعر بالحكمة، فإن الشاعر الذي لا يأتي بالحكمة في شعره لا يُعدّ فحلاً.