إذا لم يتم اتخاذ خطوات لحماية الحشرات من تغير المناخ، فإن العواقب ستقلل بشكل كبير من قدرتنا على بناء مستقبل مستدام قائم على أنظمة بيئية صحية وعملية.
يعتمد الكثير من الإمدادات الغذائية في العالم على الملقحات مثل النحل والفراشات (شترستوك)
رسم فريق مكون من 70 عالما من 19 دولة مختلفة صورةً قاتمةً للتأثيرات قصيرة وطويلة المدى لتغير المناخ على الحشرات، التي تتراجع أعداد الكثير منها منذ عقود.
وفي دراستهم الجديدة المنشورة بدورية "إيكولوجيكال مونوجرافز" (Ecological Monographs) في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حذر الفريق من أنه إذا لم يتم اتخاذ خطوات لحماية الحشرات من تغير المناخ، فإن العواقب "ستقلل بشكل كبير من قدرتنا على بناء مستقبل مستدام قائم على أنظمة بيئية صحية وعملية".
بعض الحشرات ستضطر للانتقال إلى أجواء أكثر برودة للبقاء على قيد الحياة (شترستوك)
نوع واحد من بين ملايين الأنواع
تلعب الحشرات دورا رئيسيا في النظم البيئية من خلال إعادة تدوير العناصر الغذائية، وتغذية الكائنات الحية الأخرى في السلسلة الغذائية، بما في ذلك البشر. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد الكثير من الإمدادات الغذائية في العالم على الملقحات مثل النحل والفراشات، وتساعد النظم البيئية الصحية في السيطرة على عدد من الآفات والحشرات الحاملة للأمراض.
وحذر العلماء من أن هذا ليس سوى القليل من خدمات النظام البيئي التي يمكن أن تتعرض للخطر بسبب تغير المناخ. وقالوا إن الاحترار العالمي وظواهر الطقس المتطرفة تهدد بالفعل بعض الحشرات بالانقراض، وسوف تزداد الأمور سوءا إذا استمرت الاتجاهات الحالية، لأن بعض الحشرات ستضطر إلى الانتقال إلى أجواء أكثر برودة للبقاء على قيد الحياة، في حين سيواجه البعض الآخر آثارا على خصوبته ودورة حياته وتفاعله مع الأنواع الأخرى.
وفي بيان صحفي لجامعة ميريلاند (University of Maryland)، أوضحت أناهي إسبيندولا، الأستاذة المساعدة في علم الحشرات في الجامعة والمؤلفة المشاركة في الدراسة الجديدة، أنه "علينا أن ندرك نحن البشر أننا نوع واحد من بين ملايين الأنواع، ولا يوجد سبب يجعلنا نفترض أننا لن ننقرض أبدا. يمكن أن تؤثر هذه التغييرات في الحشرات على جنسنا البشري بطرق جذرية للغاية".
يهدد الاحترار العالمي وظواهر الطقس المتطرفة بعض الحشرات بالانقراض (شترستوك)
كائنات باردة الدم
وعلى عكس الثدييات، فإن العديد من الحشرات عبارة عن كائنات خارجية التنظيم الحراري ومتغيرة الحرارة (كائنات باردة الدم)، مما يعني أنها غير قادرة على تنظيم درجة حرارة أجسامها. ونظرا لاعتمادها الشديد على الظروف الخارجية، فقد تستجيب الحشرات لتغير المناخ بشكل أكثر حدة من الحيوانات الأخرى.
إحدى الطرق التي تتعامل بها الحشرات مع تغير المناخ هي تغيير مداها، أو الانتقال بشكل دائم إلى أماكن ذات درجات حرارة منخفضة. ووفقا للدراسة، فإن نطاقات ما يقرب من نصف جميع أنواع الحشرات ستنخفض بنسبة 50% أو أكثر إذا ارتفعت درجة حرارة الكوكب 3.2 درجات مئوية. وإذا اقتصر الاحترار على 1.5 درجة مئوية -هدف اتفاقية باريس العالمية بشأن تغير المناخ- فإن نطاقات 6% من الحشرات ستتأثر.
أسهمت إسبيندولا، التي تدرس الطرق التي تستجيب بها الأنواع للتغيرات البيئية بمرور الوقت، في الدراسات التي تتناول تحولات النطاق. وقالت إن التغييرات الجذرية في مجموعة الأنواع يمكن أن تعرض تنوعها الجيني للخطر، مما قد يعوق قدرتها على التكيف والبقاء على قيد الحياة.
الاحتباس الحراري يؤدي لتوسيع النطاق الجغرافي لبعض نواقل الأمراض مثل البعوض (شترستوك)
توسيع النطاق الجغرافي لبعض نواقل الأمراض
من ناحية أخرى، قد يجعل تغير المناخ بعض الحشرات أكثر انتشارا، مما يضر بصحة الإنسان والزراعة. ومن المتوقع أن يؤدي الاحتباس الحراري إلى توسيع النطاق الجغرافي لبعض نواقل الأمراض مثل البعوض، وكذلك الآفات التي تتغذى على المحاصيل.
قالت إسبيندولا إن "العديد من الآفات عامة جدا، وهذا يعني أنها قادرة على التغذي على أنواع مختلفة من النباتات، وهذه هي الحشرات (نواقل الأمراض) التي -بناء على البيانات- تبدو الأقل تأثرا سلبا بتغير المناخ".
وقد كتب الفريق أن تأثيرات تغير المناخ غالبا ما تتفاقم بسبب التأثيرات الأخرى التي يسببها الإنسان، مثل فقدان الموائل والتلوث وإدخال الأنواع الغازية، والتي تجعل -مجتمعة- من الصعب على الحشرات التكيف مع التغيرات في بيئتها.
لا يزال هناك مجال لتصحيح أخطائنا
وعلى الرغم من أن الحشرات تشعر بالفعل بهذه التأثيرات، فإنه لم يفت الأوان بعد لاتخاذ إجراءات مناسبة، حيث حددت الدراسة الخطوات التي يمكن لواضعي السياسات والجمهور اتخاذها لحماية الحشرات وموائلها.
الحشرات مخلوقات صغيرة قاسية ويجب أن نشعر بالارتياح لأنه لا يزال هناك مجال لتصحيح أخطائنا (شترستوك)
أوصى العلماء بـ"العمل التحويلي" في 6 مجالات: التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والحد من ملوثات الهواء، واستعادة النظم البيئية وحمايتها بشكل دائم، وتعزيز النظم الغذائية القائمة على النباتات في الغالب، والتحرك نحو اقتصاد دائري، وتحقيق الاستقرار لسكان العالم.
قال المؤلف الرئيسي جيفري هارفي من المعهد الهولندي للإيكولوجيا والجامعة الحرة بأمستردام (Vrije Universiteit Amsterdam)، إن "الحشرات مخلوقات صغيرة قاسية، ويجب أن نشعر بالارتياح لأنه لا يزال هناك مجال لتصحيح أخطائنا"، مضيفا أن الوقت ينفد.
وإلى جانب التغييرات المجتمعية، اقترحت الورقة طرقا يمكن للأفراد أن يساعدوا بها، بما في ذلك إدارة الحدائق العامة أو الخاصة أو الحضرية وغيرها من المساحات الخضراء بطريقة أكثر صداقة للبيئة، على سبيل المثال، دمج النباتات المحلية وتجنب المبيدات الحشرية والتغييرات المهمة في استخدام الأرض عندما يكون ذلك ممكنا.