التلألؤ البيولوجي هو أحد أروع الظواهر الطبيعية التي يمكن رؤيتها، إلى جانب أنه يلعب أيضا دورا مهما في بقاء العديد من الحيوانات.
توجد معظم الكائنات الحية الضيائية في المحيطات، وهي المصدر الوحيد للضوء في البيئة القاعية (ناشونال جيوغرافيك)
تتبع الكائنات الحية إستراتيجيات مختلفة للتكيف والبقاء والصيد، فمنهم من يتغير لونه ليحاكي البيئة المحيطة، ومنهم من يتظاهر بالموت، ومنهم من يستخدم الإضاءة البيولوجية، مثل اليراعات والفطريات وأنواع من الأسماك والبكتيريا والرخويات.
تفاعل كيميائي وضوء بارد
يشرح موقع ناشونال جيوجرافيك National Geographic أن التلألؤ البيولوجي هو نوع من التلألؤ الكيميائي، وهو مصطلح للتفاعل الكيميائي يتم فيه إنتاج الضوء داخل جزء من جسد الكائن الحي، وأنه "ضوء بارد" بمعنى أن أقل من 20% من الضوء فقط هو ما ينتج الحرارة، وهذا النوع من الإضاءة البيولوجية لا يوجد في الكائنات التي تعيش في المياه العذبة.
ويتطلب التفاعل الكيميائي الذي ينتج عنه تلألؤ بيولوجي مادتين كيميائيتين فريدتين: لوسيفيرين ولوسيفيريز -أو البروتين الضوئي- واللوسيفيرين هو المركب الذي ينتج الضوء بالفعل من خلال الأكسدة المحفزة للوسيفيرين بواسطة إنزيم لوسيفيريز، مما ينتج عنه اللون الحيوي (الأصفر في اليراعات، والأخضر في أسماك الفانوس) للضوء البيولوجي.
أكثر أنواع الإضاءة الحيوية شهرة هو المصباح الصغير -أو الإسكا- الذي يتدلى أمام رأس سمكة الصياد (ناشونال جيوجرافيك)
وتنتج بعض الكائنات الحية الضيائية اللوسيفيرين من تلقاء نفسها، بينما تمتصه بعض الكائنات الأخرى من خلال الكائنات الحية الأخرى، إما كطعام أو في علاقة تكافلية، بينما اللوسيفيريز إنزيم (والإنزيم هو مادة كيميائية تسمى محفزا تتفاعل مع ركيزة لتؤثر على معدل التفاعل الكيميائي) ويؤدي تفاعل اللوسيفيريز مع اللوسيفيرين المؤكسد (المضاف إلى الأكسجين) إلى إنتاج منتج ثانوي يسمى "أوكسيلوسيفيرين"، والأهم من ذلك أن هذا التفاعل الكيميائي ينتج عنه ضوء.
ألوان مختلفة ووظائف مجهولة
يختلف مظهر الضوء الحيوي بشكل كبير، اعتمادا على الموطن والكائن الحي الذي يوجد فيه، فمعظم التلألؤ الحيوي البحري يكون في الجزء الأزرق والأخضر من طيف الضوء المرئي، حيث يمكن رؤية هذه الألوان بسهولة أكبر في أعماق المحيطات، كما أن معظم الكائنات البحرية حساسة فقط للألوان الزرقاء والخضراء، وغير قادرة جسديا على معالجة الألوان الصفراء أو الحمراء أو البنفسجية.
ومعظم الكائنات الحية الأرضية أيضا تتوهج بيولوجيا بلون أزرق مخضر، إلا أن الكثير من الكائنات مثل اليراعات والحلزون البري في المناطق الاستوائية في جنوب شرق آسيا تتوهج بطيف أصفر، بينما يمكن للقليل من الكائنات الحية أن تتوهج بأكثر من لون واحد، مثل دودة السكك الحديدية (يرقة خنفساء)، حيث يتوهج رأس الدودة باللون الأحمر، في حين يتوهج جسمها باللون الأخضر، والسبب هو اختلاف اللوسيفيرات المختلفة في التعبير عن التلألؤ البيولوجي بشكل مختلف.
تجذب الحلقة الصفراء التي تتلألأ بيولوجيا على أنثى الأخطبوط الذكور (نوا)
يذكر موقع أوشن إكسبلورر Ocean Explorer التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) أن التلألؤ البيولوجي شائع جدا في المحيط، على الأقل في منطقة السطح (عمود الماء)، حيث إن 80% من الحيوانات التي تعيش على عمق يتراوح بين 200 و1000 متر تتلألأ بيولوجيا.
أما في بيئات أعماق المحيط المظلمة تماما فإن الضوء مهم جدا، فهو يساعد على البقاء على قيد الحياة في ظلام أعماق البحار، ويساعد الكائنات الحية في العثور على الطعام وفي عمليات الإنجاب، وتوفير آليات دفاعية، لكننا لا نعرف حقا الغرض الرئيسي من التلألؤ البيولوجي.
فرغم أن العديد من الأنواع البحرية قادرة على إنتاج هذا "الضوء الحي"، فإن الكثير عن التلألؤ الحيوي يظل لغزا. مثلا لم يكتشف العلماء بعد سبب شيوع التلألؤ البيولوجي في عمود مياه المحيط، لكن ليس في أنظمة المياه العذبة أو حتى كيف تطور التلألؤ البيولوجي.
ويلخص مقال نشره موقع "سايتيك دايلي" SciTech Daily أن الوظائف التي نعرفها عن التلألؤ البيولوجي هي 3 وظائف رئيسية: الدفاع والهجوم والتواصل:
الوظائف التي نعرفها عن التلألؤ البيولوجي هي 3 وظائف رئيسية (شترستوك)
الدفاع
أبسط الطرق هي تخويف الحيوان المفترس من خلال دفاعات مفاجئة من الضوء، وهو سلوك نموذجي للعديد من أنواع القريدس، كما تظهر العديد من الحبار تلألؤا بيولوجيا، سواء على أجسامها أو من خلال مادة كيميائية في حبرها بغرض تخويف المفترسين والتشويش عليهم.
فعندما يهاجم حيوان مفترس الحبار فإنه ينثر سحابة من الحبر المضيء لإلهاء المفترس أثناء هروبه.
يقوم الحبار أيضا بما يعرف بتمويه الإضاءة المضادة، وهو ما يجعل الحيوان يتخفى في البيئة المحيطة، وعندما تهاجم العديد من الحيوانات البحرية المفترسة من الأسفل. لذلك من خلال اتخاذه لونا كلون البحر، يمكن للحبار الهروب. ويمكن للتلألؤ البيولوجي أن يستخدم كعلامة تحذير ضد الحيوانات المفترسة لإرباكها ودفعها إلى الاعتقاد بأنها خطرة أو سامة.
الهجوم
أكثر أنواع الإضاءة الحيوية شهرة هو المصباح الصغير -أو الإسكا- الذي يتدلى أمام رأس سمكة الصياد ليغري الحيوانات الصغيرة بالقرب بما يكفي للهجوم، كما يمكن أن يستخدم الإضاءة المضادة لتقليد مجموعة من الأسماك الصغيرة، وخداع الأسماك الموجودة أسفلها للاعتقاد بأن الفريسة متاحة.
وتطورت بعض أسماك أعماق البحار لتصدر الضوء الأحمر الذي لا تستطيع معظم الأسماك في أعماق المحيطات رؤيته لأن المياه ترشحها في الأعماق الكبيرة، ومع ذلك فإن بعض أسماك التنين تستخدم التلألؤ الحيوي الأحمر كضوء لا يراه أحد غيرها، وبهذه الطريقة يمكن أن تتسلل إلى فريستها دون أن يلاحظها أحد.
كل هذه الوظائف المبهرة هي مجرد قشور اكتشفها العلماء لظاهر التلألؤ البيولوجي (شترستوك)
التواصل
تجذب اليراعات رفاقها باستخدام التلألؤ البيولوجي، فإما أن تصدر الأنثى ضوءا يجذب الذكر، أو أن يصدر الذكر إشارات ضوئية للتواصل مع الإناث.
وتستخدم كائنات تسمى البييروسومات (هلاميات نارية) التلألؤ البيولوجي بأسلوب آخر، فهي مستعمرات من العوالق تسمى زويدات وليست كائنات أحادية، تتحد معا لتشكل بنية قوية واحدة، حيث يحتوي كل "زويد" على هيكل مضيء يمكن للضوء أن يحفزه، مما يسمح لكل مستعمرة بالاستجابة للضوء الذي تنتجه الزويدات الأخرى ومصادر الضوء الخارجية.
كل هذه الوظائف المبهرة هي مجرد قشور اكتشفها العلماء لهذه الظاهرة البيولوجية المذهلة، ولا شك أن مزيدا من البحث سيسهم في اكتشاف الكثير في المستقبل عن إمكانات العالم الطبيعي الرائعة.