النتائج 1 إلى 4 من 4
الموضوع:

التعلق بالغيب الأعلى

الزوار من محركات البحث: 8 المشاهدات : 1100 الردود: 3
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    صديق نشيط
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: لعراق واسط
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 366 المواضيع: 80
    التقييم: 37
    آخر نشاط: 15/April/2018

    التعلق بالغيب الأعلى

    بسم الله الرحمن الرحيم
    يغرس البستاني ساقا ً من الكرم أو يضع بذرة من القمح، بعد أن يختار له المنبت الزكي ويتحرى له الجو الصالح ويتربص به الزمن المناسب، وبعد أن يكدح في تنقية التربة و تمهيد الأرض، ثم يتعهد ما غرسه بالرواء الكفي، ويعكف عليه بالنظر الدائم والإصلاح اللازم، يصنع جميع ذلك ويدأب فيه لأنه يأمل أن الغراس سيؤتيه أكله بعد حين...
    لقد أفادته التجارب أن العود يفرع وأن البذرة تنمو، وأن الزرع ينتج وأن النتاج يجنى، وإذن فستورق هذه البذرة وستربو وتثمر ويونع ثمرها، وسيجني هو قطاف غرسه ونتاج عمله.
    هذه الفكرة تعمر قلب الفلاح وهو يغرس، وتهون من متاعب الزارع وهو يكدح، وتنشط كل عامل في هذه الحياة وهو يعمل.
    وإذن فالناس كلهم يوقنون بأن القاعدة الطبيعية في الأشياء هي الصحة، وأن القياس العام في الأمور كلها أن تتوجه إلى غاياتها توجها ً طبيعيا ً لا عرقلة فيه وأن تؤتي ثمارها إيتاءً كاملا لا نقص فيه. أما الآفات والمعوقات فإنها قد تعرو الشيء فتعتاقه في المسير أو تبطئ به عن الإنتاج ولكنها- على أي حال- أمور طارئة عليه وليست طبيعية له، والشيء غير الطبيعي لا يطرد له قياس.
    هذا هو الأصل العام المتبع في الأشياء كافة، يدركه الناس بفطرتهم، ويجرون على وفقه في جميع أعمالهم ولا يختلفون فيه ولا يرتابون، ولا يجادل أحد منهم في ثبوته، وهو الأصل كذلك في الإنسان وفي قوته المفكرة وفي جهازه الاختياري كله، بل وفي سائر قوى الإنسان وعامة أجزائه.
    ذلك أن الإنسان موجود من موجودات هذا الكون يعنو لقوانينه ولا يتخلف عنها، وقوى هذا الكائن وأجهزته وطاقاته أجزاء منه تخضع لما يخضع له من قوانين وينفذ فيها ما ينفذ فيه من أحكام.
    ومقتضى انطباق ذلك المقياس العام عليها أن السلامة في العقل والاستقامة في التفكير هما الأصل الطبيعي في الإنسان وأن الميل والنشوز في هذه القوة إنما يكونان لأمور خارجة عنها تنتابها فتبعد بها عن الاتساق وتصرفها عن الاستقامة.
    الاعتدال في الطبع والفكر ثم الاستقامة في التصميم والاتزان في العمل، هذا الانتظام المطلق في الجهاز الاختياري المطرد في كل أدواته ومعداته وكل جزء من أجزائه الموصل إلى تحقيق الغاية المبتغاة منه، هذا هو الأصل في الإنسان، وهذا معنى الصحة الطبيعية في نواحيه تلك، وهو كذلك معنى الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
    غير أن العلل التي تعترض هذه القوى فتعتاقها عن التوازن غفيرة وفيرة.
    ذلك أن التكامل في شؤون الإنسان هذه اختياري لا يحدث إلا عن طريق الإرادة، ولا يتم إلا تحت نفوذها، وصوارف الإرادة عن التزام الصواب تفوت الحصر وتمتنع على الحاصر.
    ففي المرء جموع أو خنوع في الغرائز، وتقلب أو تطرف في الأهواء، وكبت أو انطلاق في الرغبات، وللمرء طباع يرثها من أسلافه وقد تكون رديئة، ولديه تقاليد يألفها من مجتمعه وقد تكون ذميمة، وله عادات يكسبها بإرادته وقد تكون ساقطة، ومعلومات يتلقنها بتربية أو يفيدها بتجربته وقد تكون خاطئة، وتصادم في الميول، وتكافؤ في الدوافع، وعقد نفسانية متأصلة، وانعالات لا شعورية مكبوتة، وانحرافات أخرى لا تنحصر أسبابها وكل أولئك صوارف للإرادة عن التزام الصواب، وكلها عوارض للفطرة تطرأ عليها فتكدر صفاءها وتشرد بها عن اتزانها.
    فكان من الضروري لهذه القوىأن يقام لها دليل مأمون ينهج بها منهج الاستقامة، ويكشف لها مغبة هذه الطوارئ ويلمسها أعراض هذه العلل.
    من الضروري أن يكون لها هذا المرشد الذي يقيها العثار ويجنبها الخسار، وإلا فستنزلق ولا نجاة، بل وستموت ولا حياة.
    من الضروري لها هذا الدليل المأمون يسير بها إلى الإستقامة خطوة خطوة ويوقفها على المعوقات واحدة واحدة، ويبصرها علاج تلك الأدواء علة علة.
    وهذه هي الظاهرة الأولى من ظواهر الدين الحق والسمة البينة من سماته: (( فأقم وجهك للدين حنيفا ً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم))(1) وإذا لم تكن للدين هذه السمة وإذا لم يقم تشريعه على هذه الركيزة فليس من الحق ولا من الاستقامة في شيء. وفي الأثر النبوي:( كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه).
    كل مولود يولد على الفطرة وينشأ على الاستقامة، ولو أنه ترك لفطرته لاستكمل رشده واهتدى سبيله، ولسار هكذا سويا ً مستقيما ً حتى يبلغ غايته المأمولة.
    ولكنها الآفات، ولكنها الصوارف، ولكنها التربية الفاسدة وإيحاءاتها الملتوية. والتياثها بغرائز الطفل ومشاعره، وحشو ذهنه بالأباطيل والأضاليل، هذه الجراثيم الفتاكة التي تحدث العلة وتعمق جذورها وتنشر بذورها، هذه هي التي تلتوي بالفطرة عن استقامتها ونشوة محاسنها وتحولها عن مجراها، وتحمل الطفل حملا ً أن يجري مع الأوهام وأن يخضع للأساطير، وأن ينحرف في تفكيره وينحرف في عقيدته وينحرف في سلوكه.
    (1) الروم:30
    التعلق بالغيب الأعلى
    هناك في أعماق الإنسان، وفي قرارة نفسه وطوايا قلبه نزعة متأصلة يشعر بها جيدا ً حين يتجرد لأحكام الغريزة، ويغفل عنها حين يندفع مع الحياة العامة، وحين تستبد به ملابساتها وتتقاذفه تياراتها.
    نزعة ذاتية في الإنسان قديمة بقدم وجوده، مكينة بتمكن غرائزه وثبات طباعه، هي نزعة التعلق بغيب مجهول والتوجه إلى حقيقة عليها غير محدودة، تنتهي عندها الأسباب، ويستند إليها التدبير، يرغب في رضاها ويحذر من بطشها.
    ومما يدل على هذه النزعة من الإنسان، وعلى مدى أصالتها فيه، وعلى مبلغ استسلامه لها أن فكرة الدين والجانب الإلهي منها على الأخص قد تخللا تأريخ البشرية، وعما أجيالها، وتغلغلا في جميع قبائلها وجميع أقطارها. بحيث لم يخل منها عصر من عصور التأريخ، ولم تنسلخ عن التمسك بهما أمة من الأمم مهما انتبذ بها الزمن ومهما شطت بها الدار، ومهما ذهبت بها ( البداءة) واتضعت بها الهمجية واختلت بينها موازين الأخلاق.
    فهي شعور راسخ ثابت في جبلة الإنسان، وفي نزعات أفراده، وإن بدت منحرفة المظاهر لدى كثير من الأمم، فقد اتخذ الإنسان من الحجارة ومن التماثيل ومن الحيوان والنبات آلهة مدبرة يعقد على رضاها الأمل ويتزلف إليها بالعبادة ويطلب معونتها في الحوائج، ويضرع إليها في النوازل، وقد تسعى به الوعي قليلا ً لما ألّه النار والنور ولما عبد الأرواح والكواكب.
    وارتقى به الشعور ورام أن يفلسف صنيعه هذا فقال بالتثنية، بإله للخير وإله للشر، بإله للنور وإله للظلمة، وقال بالتثليلث، بأقانيم يلتئم منها واحد، أو بأعضاء تتألف منها شركة واحدة، وقال بإله لكل نوع من الأنواع، وقال بإله بكل ظاهرة من الظواهر، وقال بالتعدد المطلق، فلا حصر للآلهة، ولا ضبط وقال بالاتحاد، وقال بالحلول، وتنقلته أهواء وتقذافته أمواج. وهذا التأرجح الدائب وهذه الذبذبة المستمرة إنما هما وليدا هوى مكين يعصف به أن يتوجه ويعصف به كذلك أن يتعرف.
    ويشعر المرء شعورا ً قويا ً بهذه النزعة حين يعلق بحبائل القدر فلا يستطيع الفكاك، وحين يقع في قبضة الظلم فلا يملك الانتصار. هنا وهناك يفزع بفطرته إلى قوة غيبية قادرة قاهرة، لا حدّ لقدرتها ولا منتهى لسلطانها، تملك الفرج وتحكم بالعدل إلى هذه القوة الغالبة العالمة لتنقذه من الشدة، أو يستعيدها لتنصفه من العدوان.
    والتطلع إلى الغيب المجهول في صورته المصغرة يوجد لدى الأطفال في أولى درجات التمييز، ولعل من آثار هذا النزوع المبهم أننا نرى الأذكياء منهم يلحفون في السؤال عن مصدر الشيء ثم يرتفعون بسؤالهم وإلحافهم مع سلسلة أسبابه، ولا يقنعهم أن نقف بهم على سببه الأدنى، ويمنعون كذلك في الاستفهام عن غاية الشيء، ويتدرجون في الاستفهام والاستقصاء مع سلسلة غاياته، ولا يروي ظمأهم أن نذكر لهم غايته القريبة.
    أقول: لعل اسقصاء الطفل هذا من أصداء تلك النزعة التي تحدث عنها العلماء النفسيون، فكأن الفطرة توحي إليه أن للأشياء علة أولى يجب أن تستند إليها العلل، وأن لها غاية كبرى يجب أن تنتهي بها الغايات. لعل استقصاءه هذا من آثار نزعته تلك، ولعله من آثار شعوره( بقانون السببية) فهو الآخر فطري من فطريات الإنسان، وهو كذلك ركيزة من ركائز الإيمان. ولعله رجع لكلتا الفطرتين، فولوعه بالمسألة عن العلة استجابة لهذا الشعور، وارتقاؤه إلى سلسلة أسبابه تلبية لتلك النزعة.

  2. #2
    صديق نشيط
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: العراق- واسط- الكوت
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 230 المواضيع: 7
    التقييم: 1
    المهنة: حاصلة على شهادة البكالوريوس
    آخر نشاط: 6/December/2010
    الزير اخي العزيز موضوعك قيم شكرا لك

  3. #3
    صديق نشيط
    شكرا اختي نانا للمرور الطيب

  4. #4
    من المشرفين القدامى
    ابو مـــريم
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: واسط
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 3,430 المواضيع: 220
    التقييم: 329
    مزاجي: متفائل
    المهنة: موظف
    موبايلي: nokia n 8
    آخر نشاط: 8/November/2023
    الاتصال: إرسال رسالة عبر ICQ إلى الصديق إرسال رسالة عبر MSN إلى الصديق إرسال رسالة عبر Yahoo إلى الصديق
    مقالات المدونة: 1
    شكرا لك اخي العزيز وبارك الله بك

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال