تنشر السومرية نيوز، نص كلمة رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، اليوم الأربعاء، في القمة العربية بدورتها الحادية والثلاثين المنعقدة في العاصمة الجزائرية.
و في ما يلي نص للكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الأخ الرئيس عبدالمجيدتبون، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية المحترم
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي، الملوك والرؤساء والأمراء ورؤساء الحكومات المحترمون
معالي الأخ أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية المحترم
السيدات والسادة الحضور الكرام
السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه
من دواعي سروري أن أبتدئَ كلمتي بأحر التهاني للجزائرِ العزيزة وللأشقاء الجزائريين، شعباً ورئيساً وحكومة، وهم يحتفلون بذكرى اندلاع الثورة الجزائرية، كل عام والجزائر بخيرٍ وسلام وتقدم.
وفي مستهل كلمتي أحيي الأخوةَ الجزائريين أيضاً لجهدِهم الكريم في احتضان هذه القمة.
أحيي الأخِ الرئيس عبدالمجيدتبون وأتقدم لفخامتِه بالتهنئة لترؤسِه القمة في دورتها الحادية والثلاثين. نحن على ثقةٍ أكيدة بقدرة شخصِكم الكريم على تسيير أعمال هذه القمة بحكمةٍ واقتدار خدمةً للعملِ المشترك.
كما أتقدمَ بجزيلِ الشكرِ والعرفان لفخامةِ الأخِ الرئيس قيس سعيد وللجمهوريةِ التونسية الشقيقة على حُسنِ إدارة أعمالِ القمة السابقة.
والشكرُ موصولٌ هنا للأخ أمين عام الجامعة الدكتور أحمد أبو الغيط ومن خلال معاليه لكافةِ السادة العاملين بالأمانةِ العامة في جامعةِ الدولِ العربية على جهودِهم ودورِهم النبيل في تقريب ما أمكن تقريبُه من وجهاتِ النظر وبما ساعد على تحقّق هذه القمة ويساعدُها في تحقيقِ المأمولِ منها.
إن التغيّراتِ الحاصلة في بعضِ بلدانِنا وفي علاقاتِها البينية، وفي المحيطِ الاقليمي والعالمِ بشكلٍ عام تؤكد أهميةَ هذه القمة، لتخرجَ بقراراتٍ وتفاهمات تساعد على تقدير خطورةِ اللحظة التاريخية الحرجة في العلاقات الدولية، وتؤمّن أقصى قدرٍ ممكن من التفاهم البنّاء ما بين دولِنا وما بينها وبين دولِ المنظومة الاقليمية والمجتمعِ الدولي بما يعززُ الأمنَ والاستقرارَ ويحفظُ المصالحَ العليا لشعوبِنا.
نأمل ونسعى من أجلِ أن تكونَ هذه القمة منطلقاً جاداً ومنتجاً في تنقية أجواءِ العملِ المشترك.
إن مراعاة وتقدير وحدة ومصالحِ الشعوب في السلام والتنمية والبناء هو منطلقٌ صحيح في احترام سيادةِ أيِّ بلد، وهو منطلقٌ لابدَّ منه لتكونَ المساعدة إيجابية وفاعلة.
حين ننجح في تحقيقِ هذه المبادئ سيكون عملُنا المشترك في إطارِ الجامعة منتجاً لتفكيكِ الأزمات وبلوغِ الحلولِ العادلة والسريعة.
ونتوقع أننا أصبحنا قريبين أكثرَ من أيِّ وقت آخر من إدراك هذه المبادئ، تقديراً للتضحياتِ وللدماءِ التي سُفكت في أكثر من بلد من بلداننا، وتقديراً أيضاً للحظتِنا الحرجة في عالمٍ تتهددُه الأزمات، وهي لحظةٌ تُنذرُ بالخطر في أكثر من موضعٍ إقليمي ودولي.
ما زالت، أيها الأخوة، محنةُ الشعبِ الفلسطيني في المقدِمة من مشكلاتِنا.
ما زال موقفُنا، في العراق، يتمسك بالحق المشروع للشعبِ الفلسطيني في إقامة دولتِه على كاملِ الأراضي الفلسطينية وعاصمتِها القدسِ الشريف.
وبهذا الصدد فأن العراق يدين الاجراءاتِ الرامية إلى المساسِ بالوضع التاريخي والقانوني القائم لمدينةِ القدس ويدعو إلى الالتزام بقرار مجلسِ الأمن رقم 478 لسنة 1980 في مواجهة جميعِ المحاولاتِ الرامية لنقلِ البعثات الدبلوماسية إلى زهرة المدائن..
بهذا نحيي الأخوة الفلسطينيين لما بذلوه من أجل تجاوز حالة الانقسامِ الداخلي. ونؤكد تقديرنا لجميعِ الجهود والمبادراتِ التي بذلها الأشقاء في الجمهوريةِ الجزائرية في هذا الشأن للمساعدة في تقريب وجهات النظر وبما يعزز الوحدةَ الوطنية الفلسطينية.
ونجدد أيضاً دعمَ العراق الكامل ووقوفَه إلى جانب أشقائنا في لبنان من أجل نبذِ الخلافات وتجاوزِ الأزمة السياسية والاقتصادية التي يمر بها البلد الشقيق. ونأمل أن تكون جهودُنا جميعاً منصبّةً لصالح اللبنانيين بكل أطيافِهم ومكوناتِهم ومن خلال مؤسساتِهم الدستورية لتجاوزِ الأزماتِ.
وفي الوقتِ الذي نؤكّد فيه حرصَنا على سيادة سورية ووحدة أراضيها وسلامة شعبِها، فإننا ندعمُ استكمالَ المحادثاتِ السياسية بين الأطرافِ السورية كافة بما يعزّزُ الأمنَ والسلام والديمقراطية ويرسّخُ الجهودَ الرامية لإنهاءِ الأزمة الإنسانية التي عاناها الأشقاءُ السوريون.
كما ويدعمُ العراق جميعَ الجهودِ الداعية إلى تحقيقِ المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا الشقيقة عبر الحوار بين الأطرافِ السياسية والتواصلِ الرامي لإيجاد رؤيةٍ وطنية مشتركة تجمع الليبيين لوقفِ العنفِ والتصعيد، وتحقيق السلام والديمقراطية.
وفي اليمنِ الشقيق ندعو أيضاً جميعَ أطراف النزاع إلى ايجادِ حلٍّ سياسي يحافظ على وحدتِه وسيادتِه وسلامةِ أراضيه.
يدعم العراق مبدأَ الحوار وحُسنَ التفاهم بين الاطرافِ اليمنية بما يدعم الأمن والاستقرار، ويصون سيادة اليمن ويعزّز الديمقراطية.
وكذلك يؤكدُ العراق دعمَه لتحقيقِ الاستقرار السياسي في جمهوريةِ السودان الشقيق عبرَ إشاعة لغةِ الحوار لتجاوزِ الأزمات وصيانةِ التجربة الديمقراطية، وقيامِ الأطراف كافة بالتحرّكِ الوطني الفعّال ونبذِ الخلافات وصولاً لترجيحِ كفةِ المصلحة العامة لخدمة تطلعاتِ الشعبِ السوداني الكريم.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي
بعد سنواتٍ مرّت بالعراق، وهي سنواتٌ ليست بالقليلة من الحربِ ضد الإرهابِ والعنف، فإن اشقاءَكم العراقيين يستطيعون التأكيد على أن وحدتهم كانت عاملاً حاسماً في دحرِ الإرهابِ وتحرير مدنِهم وقراهم.
ما زالت فلولٌ للإرهاب تتخفى هنا وهناك، لكن إرادة قواتِنا المسلحة بمختلف تشكيلاتِها ومعها عزيمةُ شعبِنا قادرتان على مواصلةِ ضربِ الإرهابيين حتى تطهير كل شبر.
إرادةُ الشعب العراقي في ترسيخِ بناء دولتِه الديمقراطية باتت أشدَّ عزيمةً، ولعل تصريفَ الاختلافاتِ السياسية خلال الأشهر الأخيرة على وفق مبادئ الديمقراطية كان هو المعيارَ الأوضح لرسوخِ هذه التجربة.
أمام الحكومة العراقية الكثيرُ من المسؤوليات التي ستعمل عليها وبما يستجيب لإرادةِ شعبِنا من أجلِ الإصلاحِ والبناء وتعزيز فاعلية العراق في محيطه الاقليمي والدولي. وهذه مهمات تتطلب من الحكومة الكثير من القوة والحزم والحكمة، كما تتطلب من جميع القوى الوطنية مساندتها، ونتوقع أن تحظى جهود الحكومة بتفاعل إيجابي من الدول الشقيقة والصديقة.
أمام الحكومة العراقية أيضا مسؤولية تطوير التفاهم مع الأخوة في البلدين الجارين الجمهورية التركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بخصوص مشكلتنا مع أزمة مياه النهرين، بعد انخفاض مناسيب المياه الواردة لهما. وهذا ما أدى إلى تقليص كمية المياه في الأهوار العراقية. نأمل أن نعمل على تطوير إدارة الموارد المائية من الناحية الفنية وأن يكون الحوار الجاد منتجاً لحلول تحفظ الحياة والبيئة والمناخ وتصون أرزاق المواطنين واقتصاد البلد.
أشير، أيها الأخوة الكرام، باعتزاز إلى أن العراق، وبعد دحر الإرهاب، يحرصُ اليوم على أن يكونَ مصدرَ استقرارٍ في محيطِه الاقليمي والدولي، وقد تكللت هذه الجهود بالمبادراتِ التي استضافت بغداد بموجبِها العديدَ من الاجتماعات بين بعض دول المنطقة وبما ساعد في تهيئةِ أجواءٍ ملائمة للحوار ولنزعِ فتيلِ الأزمات. وهذه جهود نأملُ لها أن تساعد في تحقيق مصالح شعوبِ المنطقة وأمنِها وسلامِها، وتُرسّخ أسسَ التعاون والعملِ المشتركِ البناء.
نأمل أن نواصلَ الجهدَ ذاتَه لتطويرِ مستوياتِ التفاهم بين الأخوةِ المختلفين وصولاً إلى ترسيخ الثقة والتطلّع بإيجابية إلى مستقبل العلاقات.
يهمُّنا فعلاً أمنُ واستقرارُ وبناءُ منطقتِنا وبلدانِنا على أسسِ التعاون والعمل المشترك، ولكن لا بناء ولا تعاون من دون الحوار والتقاءِ المصالح والنظر منا جميعاً بعينِ المسؤولية إلى المستقبل.
العالمُ في أزمة.
ومن الواجب أن ندرك مسؤولياتِنا إزاء بلدانِنا ومنطقتِنا في هذا الظرفِ الحساس.
لقد وهبنا اللهُ الكثيرَ من الخيراتِ البشرية والمادية والطبيعية، ولعل ما يجمعُ شعوبَنا وبلدانَنا للتعاون والشراكة هو أكثر بكثير مما يفرقنا.
حُسن التفاهم هو الحل. الحروب لا تقدم حلاً.
أسوأ الحلول هي التي تنتجها الحروب.
تعزيزُ الثقة، وليس سوء الظن، هو ما يساعدنا في خلق بيئة صالحة للتعايش والانسجام.
لنتطلع لمستقبلٍ تستحقُّه منا منطقتُنا.
أدعو الله العليَّ القدير أن يوفقَنا جميعاً لما فيه عِزةُ ورفعة بلدانِنا، وأن نجتمعَ دائماً على وحدةِ الموقف والكلمة لمواجهة جميعِ التحديات وبناءِ المستقبلِ المنشود الذي تستحقُّه شعوبُنا الكريمة.
ليحفظ الله سلامَ بلدانِنا وشعوبِنا، وسلامَ العالم ككل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...