ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا.. جراح الماضي تكبح الاندفاع السياسي
بشكل مفاجئ، اعتذرت سوريا، الإثنين، عن استقبال وفد لبناني رسمي لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، مؤكدة أن "الوقت غير مناسب لمثل هذه الزيارات".
وجاء القرار السوري ليكبح ما بدا اندفاعة سياسية لبنانية ولكنه عكس من جديد حالة ارتباك سياسي في لبنان، وذلك بالتزامن مع إخفاق برلمان لبنان للمرة الرابعة في انتخاب رئيس جديد للبلاد، إضافة إلى الجمود الحاصل على صعيد ملف التشكيل الحكومي.
وبعد الاتفاق "التاريخي" مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية، حاول لبنان الاتجاه إلى جارته الشمالية سوريا، لبحث الأمر نفسه، قبل أيام قليلة من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون للبنان في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
لكن بعد ساعات من إعلان الرئاسة اللبنانية تكليف وفد رسمي لزيارة سوريا؛ لبحث مسألة الترسيم البحري بين البلدين، ذكرت وسائل إعلام محلية لبنانية أن دمشق ألغت زيارة الوفد التي كانت مقررة الأربعاء المقبل.
ونقلت وكالة "رويترز" للأنباء، عن مصدر دبلوماسي، اليوم، "أن الحكومة السورية بعثت برسالة اليوم، إلى الخارجية اللبنانية تقول إن الوقت غير مناسب لمثل هذه الزيارات".
وفي التفاصيل، نقلت وسائل الإعلام المحلية عن مصادر متابعة لما جرى في موضوع الترسيم، أنه تم الاتفاق شفهيًا على موعد يوم الأربعاء لزيارة الوفد اللبناني، ولكن الجانب السوري طلب أن يجري الأمر بشكل خطي فأرسل لبنان طلب الموعد ليعود الجواب أن الجانب السوري ليس جاهزا حاليا، وأن لديه ارتباطات مسبقة من دون أن يجري التطرق إلى تحديد موعد جديد.
وبينت هذه المصادر أن "الجو السياسي في البلدين يبدو غير جاهز من أجل ترسيم الحدود البحرية في سوريا، كما أن هناك في لبنان من يطالب بالبدء بترسيم الحدود البرية، ومن ضمنها مزارع شبعا وليس مستعدا لأن يشارك في مفاوضات لا تطال سوى البحر".
وفي تعليقه، قال ريشار داغر الخبير الاستراتيجي اللبناني، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن ملف الترسيم مع سوريا ليس بالأمر اليسير، وسيأخذ وقتاً وجهداً وجولات من التفاوض".
وعلى الرغم من إلغاء سوريا زيارة وفد لبنان الرسمي الأربعاء، أكد "داغر" أن الواقع يشير إلى أن دمشق باتت في دائرة الضوء حيال المسألة، وربما تعمل على تأخير بدء المفاوضات، لكن هناك استحقاقات داهمة مثل ترسيم الحدود، تخضع لمراقبة ومتابعة دولية وأمريكية.
كما يرى الخبير السياسي اللبناني أن إنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل سيشكل عاملاً ضاغطاً وفاعلاً في مسالة الترسيم مع سوريا، إذ أن كل الأنظار الداخلية والدولية ستكون موجهة إلى الموقف السوري.
وشدد "داغر" على أنه "لا يتوقع استمرار المماطلة السورية طويلا، وقد يكون هناك تجاذب وأخد ورد، لكن مفاوضات الترسيم بين الدولتين ستبدأ عاجلا، أو آجلا".
وفي ملمح ربما يفسر القرار السوري المفاجئ بتأجيل زيارة الوفد اللبناني التقني للبلاد، يرى نضال السبع المحلل السياسي اللبناني في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن هناك هواجس لدى سوريا، تتمثل في وجود أطراف لبنانية تسعى لافتعال أزمات، وتصوير دمشق كعدو ودولة طامعة في خيرات لبنان".
وأضاف : "ربما رأت سوريا أن الأفضل هو الانتظار لحين انتخاب رئيس جديد للبنان، ويكون الترسيم مع العهد القادم وليس الحالي".
وما يعزز ذلك، قال السبع إن: جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر وهو بمثابة الفريق السياسي لعون، يعمل منذ فترة طويلة على التحريض ضد وجود اللاجئين السوريين في لبنان".
وأردف: ترى أطراف سورية أن باسيل، يسعى لفتح الخلافات مع دمشق؛ من أجل زيادة شعبيته داخل البيئة المعادية لسوريا، لتعزيز حضوره الرئاسي"، وفقا لتقدير السبع.
وفي وقت سابق، دعا "باسيل" إلى ضرورة عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، معتبرا أنهم يهددون "وجود" لبنان، وأن "فكرة إدماجهم" على الأراضي اللبنانية تزيد خطر الإرهاب على أوروبا.