درر العراق

الطائر الحر · 25/October/2022

حفل توقيع كتب خلال مهرجان بيروت الدولي للكتاب الفرانكفوني في حي الجميزة بالعاصمة اللبنانية (الفرنسية)
بدت أنشطة أدبية عديدة تستضيفها منطقتا الجميزة ومار ميخائيل في بيروت هذا الأسبوع، ضمن "مهرجان كتب بيروت" الفرانكفوني الدولي، أشبه بمحاولة لطي صفحة سوداء في هذين الحيَّين اللذين دمرهما انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
ووفر هذا الحدث "جرعة أكسيجين" في ظل الظروف الصعبة التي يشهدها لبنان، بحسب المنظمين.

معرض الكتاب الفرانكفوني
واحتضنت صالات العرض والمقاهي في الحيّين -اللذين عادا ينبضان بالحركة بعدما كانا بالأمس القريب منكوبين- عددا من المؤلفين الكتّاب الفرانكفونيين من بين أكثر من 110 مشاركين من جنسيات مختلفة في المهرجان القائم على لقاءات في نحو 30 موقعا من المدينة وأنشطة في مناطق أخرى، عوضا عن إقامة معرض للكتاب الفرانكفوني في موقع واحد ثابت، كما درجت العادة حتى 2018.

استضافت أحياء الجميزة ومار ميخائيل أنشطة أدبية في إطار مهرجان بيروت الدولي للكتاب الفرانكفوني (الفرنسية)
ويعود سبب اختيار هذه الصيغة المجانية التي لا يشكل بيع الكتب عنصرا أساسيا فيها، إلى أن شراء المؤلفات المستوردة لم يعد في متناول معظم اللبنانيين، بفعل الضائقة الاقتصادية والمعيشية التي يشهدها بلدهم.
حتى إن "المكتبات الفرانكفونية خسرت 70% من زبائنها"، حسب ما كشف الملحق المختص بالكتاب والنقاش الفكري في السفارة الفرنسية ماتيو دييز لوكالة الصحافة الفرنسية.
ومع أنه "من المبكر"، بحسب دييز، تقييم الحدث الذي يستمر إلى 30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فإن الدبلوماسي الفرنسي أعرب عن ارتياحه إلى أن "الأمور تسير جيدا".
فالمسار الأدبي الذي يلاقي فيه الكتّاب القرّاء في مواقع عدة في حيَّي الجميزة ومار ميخائيل "جعل الناس يلمسون نشاطا كبيرا في بيروت (…) بعد 4 سنوات لم يحصل فيها أي نشاط أدبي منذ انتهاء آخر معرض للكتاب الفرانكفوني".
وكانت الدورة الـ25 التي نظمت عام 2018 الأخيرة، إذ ألغي المعرض عام 2019 بسبب المظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها بيروت، ثم حالت جائحة كوفيد-19 دون انعقاده، وبعدها حصل انفجار مرفأ بيروت.

الكاتبة والرسامة اللبنانية جويل الأشقر ترسم لوحة جدارية خلال مهرجان بيروت الدولي للكتاب الفرانكفوني (الفرنسية)
ولاحظ دييز أن "صيغة هذا المهرجان الأدبي التي مثّلت تجديدا كبيرا بالنسبة إلى معرض للكتاب يقام في موقع واحد، تثير الحماسة إن لدى الكتّاب ولدى الجمهور".
وأضاف "ما يقوله لنا الكتّاب والجمهور على السواء هو إن جرعة الأكسيجين التي يوفرها هذا الحدث الثقافي مفيدة للجميع في المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان".

ومن هؤلاء مثلا الرسامة وكاتبة القصص المصورة زينة أبي راشد، التي شددت على الحاجة إلى "مساحة عامة (..) بعد كل الصدمات التي شهدتها المدينة، وخصوصا في هذا الحيّ" المواجه لمنطقة المرفأ. ورأت أنه "من الرائع أن يكون الأدب حاضرا على الرصيف".
وفي الطبقة العليا من منزل آل داغر ذي الهندسة اللبنانية التقليدية، والذي لا يزال في طور الترميم، توزع أدباء لبنانيون فرانكفونيون بين السقالات، في حين قالت مالكته ياسمين داغر إن العائلة فتحت هذا البيت الذي يعود إلى القرن الـ19 أمام الأنشطة الثقافية "لإظهار أهمية الحفاظ على التراث وترميمه".

وفي المنزل المجاور، جلست ديمة العبد الله التي تركت لبنان قبل 33 عاما وأمامها كتاباها، ورأت في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أن هذا المهرجان الذي ينظمه المعهد الفرنسي في لبنان يُظهر أن "لبنان لا يزال مساحة للأدب والشعر والموسيقى والفن، ولا يزال فيه ناس يقرؤون ويعبرون عن آرائهم".
أنشطة ثقافية
وعلى بعد عشرات الأمتار، تقع صالة "آرت ديستريكت"، حيث تشاركت الكاتبتان البلجيكية جنفيف داماس واللبنانية هيام يارد الطاولة نفسها. وأبدت داماس إعجابها بترميم الجدران الحجرية والسقف "وكأن المدينة تطوي صفحة وتمضي إلى الأمام"، على حد قولها.
ولم يقتصر لقاء الجمهور بالكتاب على صالات العرض، بل شمل كذلك عددا من المقاهي والمطاعم. أما مكتبة سمير العريقة في المنطقة، فتزينت برسوم جدارية لنور حيدر وجويل الأشقر، التي صوّرت بريشتها أماكن من الجميزة نابعة من ذكرياتها في هذا الحي.
وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية "بعد كوفيد والانفجار، انقطعت علاقتنا بالمدينة، إذ مكثنا في منازلنا. في هذه الرسوم أعود إلى المدينة وإلى الأماكن التي رسمتها التي لا تزال هنا ولكن تغيرت بعض ملامحها بعد الترميم".
ولقيت فكرة إقامة "معارض بهذه الطريقة الجديدة وخصوصا في حيّ مثل الجمّيزة، الذي عانى بشدة جرّاء انفجار الرابع من أغسطس/آب 2020 ونرى فيه المنازل المرممة والجو الرائع"، ترحيب السفير الإسباني في بيروت يسوس سانتوس إغوادو الذي تنقّل بين جنبات المعرض.

كتب معروضة خلال مهرجان بيروت الدولي للكتاب الفرانكفوني في حي الجميزة بالعاصمة اللبنانية (الفرنسية)
وقال السفير وهو يحمل كتبا اشتراها من بينها ترجمات من الإسبانية إلى الفرنسية لدواوين شعرية، إن "التغيير في الأسلوب" من خلال إقامة الأنشطة الثقافية في مواقع عدة فكرةٌ جيدة.
أما الفرنسية كاترين نيكولا التي تزور بيروت وزوجها كمتطوعين لإعادة إحياء اللغة الفرنسية في بعض مدارس المنطقة، فأعجبتها صيغة المهرجان، وقالت "تمكنا من زيارة معارض فنية ودخلنا منازل لبنانية تراثية تقليدية والتقينا الكتّاب". وأضافت "هذا المهرجان أشبه برحلة ودية لطيفة".

وفي برنامج المهرجان الغني جدا قراءات على المسرح وحفلة موسيقية وعروض أفلام وورش وحلقات نقاش وغيرها من الأنشطة في بيروت والمناطق.
ومن أبرز المحطات إعلان أكاديمية "غونكور" اليوم الثلاثاء من بيروت أسماء المتأهلين الأربعة إلى المرحلة النهائية من السباق للفوز بالجائزة الأدبية المرموقة هذه السنة.

المهرجان يشمل معرضا للكتاب وقراءات على المسرح وحفلة موسيقية وعروض أفلام (الفرنسية)
لكن 4 من كبار الكتاب الأعضاء في الأكاديمية هم إريك إيمانويل شميت، والطاهر بن جلّون، وباسكال بروكنير، وبيار أسولين، أعلنوا الأربعاء الماضي أنهم صرفوا النظر عن المشاركة في المهرجان بعد اتهامات طالتهم بدعم الصهيونية.
وقال دييز مقيّما المهرجان "حتى الآن نجح رهاننا على إقامة حدث ثقافي كبير في بيروت". وشدد على أن المهرجان يهدف إلى أن يعيد لبيروت "مكانتها كعاصمة للكتاب في المنطقة"، وأضاف "نريد أن نشجع على البقاء في لبنان بعدما غادره كثر".