شهدت بطولات كأس العالم لكرة القدم الكثير من المواجهات الحافلة بالعنف والأحداث المثيرة للجدل التي ذاع صيتها وبقيت أحداثها حاضرة في الأذهان طويلا في بعض نسخ المونديال السابقة، فأطلق النقاد وخبراء اللعبة عليها اسم "المعارك أو المواجهات المثيرة للجدل".

ووقعت أولى هذه المباريات بين منتخبي إيطاليا وإسبانيا، وأقيمت في مدينة فلورنسا خلال الدور ربع النهائي من النسخة الثانية من كأس العالم التي استضافتها إيطاليا عام 1934، وكانت المباراة بمثابة نهائي مبكر بعدما جمعت فريقين من أبرز فرق البطولة، وتحتم على المنتخب الإيطالي الفوز بالمباراة للتأهل للدور نصف النهائي.

إيطاليا العنيفة

ورغم سيطرة المنتخب الإسباني على المباراة من بدايتها وتقدمه في الدقيقة 30 بهدف للمهاجم لويس روغوييرو من ركلة حرة، فإن قرارات الحكم البلجيكي لويس بايريت غيّرت مسار المواجهة، وذلك بتغاضيه عن طرد أي لاعب إيطالي، لا سيما لاعب الوسط لويسيتو مونتي، حتى هدف التعادل الذي سجله المنتخب الإيطالي قبل دقيقة واحدة من نهاية الشوط الأول عن طريق جيوفاني فيراري كان بطريقة غير شرعية بعدما استخدم زميله أنجيلو شيافيو "كوعه" لإيقاف الحارس الإسباني زامورا في كرة هوائية مشتركة، ثم الارتماء فوقه مقيدا حركته ومتسببا في كسر اثنين من ضلوعه، لتتهادى الكرة أمام فيراري على بعد سنتيمترات قليلة من خط المرمى.

وألغى الحكم في الدقيقة 79 هدفا للإسباني لافوينتي، كما تعرض 6 من لاعبيه للإصابة نتيجة الخشونة الإيطالية المفرطة، كما أصيب الحارس زامورا الذي استحق التقدير بعد تصديه لـ5 كرات صعبة خلال الشوط الثاني والوقتين الإضافيين اللذين شهدا تصدي العارضة لتسديدتي الإسبانيين لافوينتي وروغوييرو، في المقابل تعرض الإيطالي ماريو بيزولو لكسر في الساق.

وتوقفت المباراة بعدها بعض الوقت نتيجة تصادم الإيطالي أليماندي والإسباني إيراراغوري، وبعد انتهاء الوقتين الإضافيين بالتعادل، كان هنالك مقترح لاستكمال المباراة على أن تنتهي عند تسجيل أحد الفريقين هدف الفوز، لكن نائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) حينذاك المجري موريس فيشر قرر إعادتها في اليوم التالي التزاما بلوائح البطولة، وفازت إيطاليا 1-صفر، وتمكنت بعدها من تجاوز النمسا بالنتيجة ذاتها في الدور نصف النهائي، وحققت اللقب بفوزها على منتخب تشيكوسلوفاكيا 2-1 في النهائي.

أعنف مباراة في تاريخ المونديال

وفي نسخة مونديال 1954 التي جرت في سويسرا، أطلت مواجهة البرازيل والمجر (وصيفي آخر بطولتين)، التي سبقها هطول أمطار غزيرة، وبدأت المباراة بهجوم ضاغط للمنتخب المجري الذي افتتح التسجيل في الدقيقة الرابعة بواسطة هيديكوتي، وأضاف زميله ساندور كوتشيس الهدف الثاني في الدقيقة السابعة، وقبل نهاية الشوط الأول تدخل البرازيليان بينهيرو ونيلتون سانتوس بقوة على المجري جوزيف توث ليخرج مصابا إصابة جسيمة ويغيب حتى نهاية البطولة.

وسنحت للمنتخب البرازيلي ضربة جزاء في الدقيقة 18 سجل منها دجالما سانتوس هدف البرازيل الأول، وعقب مضي 15 دقيقة على صافرة بداية الشوط الثاني سدد المجري تشيبور كرة ارتطمت بيد البرازيلي بينهيرو احتسبها الحكم ركلة جزاء سددها لانتوس بقوة مسجلا الهدف الثالث وسط اعتراض البرازيليين على صحة الركلة.

بعدها بـ5 دقائق قلص جولينيو النتيجة للبرازيل، ليعتدي البرازيلي باور على بوجيك الذي غادر للعلاج، وما إن عاد في الدقيقة 71 حتى تدخل عليه البرازيلي نيلتون سانتوس بشكل عنيف ليتبادلا الركل واللكمات، حاول الحكم إنهاء الجدل بينهما، ولرفضهما مصافحة بعضهما قرر طردهما معا، مع تدخل الشرطة، وركل البرازيلي هامبرتو ساق خصمه جيولا لوران في الدقيقة 79، ولم ينفع ركوع اللاعب البرازيلي أمام الحكم متوسلا لمنع طرده من المباراة.

وحاول بعض المشجعين اقتحام أرضية الملعب لمشاهدة الاشتباك، وصنفت هذه المباراة الأعنف في المونديال، واحتسب خلالها 42 خطأ، نصفها تدخلات عنيفة، وفيها ركلتا جزاء، و4 تحذيرات، و3 حالات طرد، ورغم الأحداث العنيفة لم يتخذ أي من الاتحاد الدولي لكرة القدم أو الاتحادين المجري والبرازيلي أي إجراءات عقابية بحق المتجاوزين.

إصابات بالجملة واشتباكات عقب المباراة

وفي النسخة الثالثة من المونديال التي استضافتها فرنسا عام 1938، حفلت مواجهة البرازيل وتشيكوسلوفاكيا بكثير من الجدل، وتزامنت المباراة مع افتتاح ملعب بارك دو ليسكور في مدينة بوردو، مما أجبر الفريقين على قطع مسافات طويلة بالقطار، حيث قطع منتخب التشيك 521 كيلومترا على مدار 7 ساعات من لوهافر، وقطع البرازيلي 758 كيلومترا من ستراسبورغ خلال 12 ساعة، مما تسبب في إرهاق الفريقين.

منتخب البرازيل يريد التأهل للمرة الأولى لدور الأربعة الكبار على حساب وصيف البطولة السابقة، ورغم استقباله 5 أهداف في المباراة السابقة فإن مدربه أديمار بيمنتا أبقى على خط دفاعه كاملا مكتفيا بالاعتماد على حارس المرمى والتر بدلا من باتاتيس. وكانت مواجهة خاصة بين التشيكي نيجيدلي هداف البطولة السابقة 1934، والبرازيلي ليونيداس الذي توج بلقب هداف هذه البطولة وكلاهما سجل في هذه المباراة.

وكانت المباراة الأول بمونديال 1938 التي تشهد 3 حالات طرد (من 4 حالات طرد في هذه البطولة).

كما شهدت المواجهة العديد من المشاهد؛ أبرزها طرد البرازيلي زيزي بروكوبيو في الدقيقة 12 بعد تدخل عنيف تسبب في كسر كاحل اللاعب نيجيدلي الذي تحامل على إصابته ورفض الخروج، وأدرك نيجيدلي التعادل في الدقيقة 65 من ركلة جزاء بعد لمس المدافع البرازيلي دومينيغوس دا خويا الكرة بيده، وانهار نيجيدلي بعد تسجيله الهدف مباشرة نتيجة إصابته بالكاحل ونُقل للمستشفى.

ولعب الحارس التشيكي بلانيكا معظم الشوطين الإضافيين وهو مصاب بخلع عظمة الترقوة بالكتف الأيمن بعد اصطدامه بشكل مزدوج مع زميله نيجيدلي والبرازيلي بيراشيو، كذلك تعرض نيجيدلي لكسر بكاحله الأيمن وأصيب زميله كوستاليك بجرح في بطنه. في المقابل، تعرض البرازيلي ليونيداس لإصابات عديدة (من بينها إصابة في الرأس) أجبرته على عدم إكمال المباراة، كما أصيب زميله بيراسو في قدمه، وماتشادو بكسر في قدمه قبل طرده. ونقل جميع المصابين للمستشفى بعد نهاية المباراة، وتبين أن البرازيلي والتر هو اللاعب الوحيد في المباراة الذي لم يصب بأي كسور أو رضوض أو كدمات.

وأصدر الفيفا بعدها قرارا منع من خلاله لاعبي الاحتياط من الجلوس خلف خطوط الملعب بعدما شارك احتياطيو المنتخبين زملاءهم في أحداث الشغب التي تلت المباراة، والتي أجبرت رجال الأمن على التدخل للتفريق بينهم، وبقي هذا القرار ساريا أسبوعا واحدا فقط خلال الفترة بين 12 و19 يونيو/حزيران 1938.



aljazeera.net