فريق البحث حدد 3 مواقع من المرجح أن توجد بها آثار للميكروبات القديمة (شترستوك)
المريخ هو الجار الأكثر قربا وشبها لكوكب الأرض في المجموعة الشمسية، فهو كوكب صخري يبعد عن الشمس بما يعادل 1.5 مرة من بُعد الأرض عن الشمس.
له نفس درجة ميل المحور ونفس فصول السنة كما في الأرض، ويعتقد العلماء بوجود ماء على سطحه قبل 3.8 مليارات سنة، الأمر الذي يؤيد فكرة وجود حياة على سطحه في وقت ما، وهي النظرية التي تداولها العلماء ولو بشكل نظري.
حياة ميكروبية على المريخ
توصلت دراسة -قامت على النمذجة المناخية- إلى أن الميكروبات القديمة تسببت في تغير مناخي على سطح المريخ وجعلته أقل قابلية للسكن.
ونشر الباحثون نتائج هذه الدراسة في دورية نيتشر أسترونومي Nature Astronomy، في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وأجريت الدراسة بقيادة عالم الأحياء الفلكية بوريس سوتيري من قسم البيولوجي بالمدرسة العليا للأساتذة Biologie de l’Ecole Normale Supérieure (IBENS) في باريس.
وتشير النتائج إلى أن قشرة المريخ ربما تكون قد وفرت -خلال فترة نوشيان- بيئة مواتية للحياة الميكروبية، ويمكن أن تكون التربة المسامية قد خلفت مساحة محمية من الأشعة فوق البنفسجية والإشعاع الكوني.
وفترة نوشيان هي نظام جيولوجي وفترة زمنية مبكرة على كوكب المريخ، تميزت بمعدلات عالية من النيازك والكويكبات والآثار، واحتمال وجود المياه السطحية الوفيرة من 4100 إلى 3700 مليون سنة.
المريخ الجار الأكثر قربا وشبها لكوكب الأرض بالمجموعة الشمسية (شترستوك)
وقد ساعدت درجة الحرارة تحت السطح، وانتشار الغلاف الجوي الكثيف، على وجود الميكروبات البسيطة التي استهلكت الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون كمصادر للطاقة والكربون وأنتجت الميثان كنفايات.
وخلصت الدراسة إلى أنه في نفس الوقت تقريبا -الذي كانت فيه الحياة البدائية تترسخ في محيطات الأرض البدائية- حدث العكس تماما على المريخ.
ويذكر موقع سبيس.كوم space.com -في تقرير نشر في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري- أن سوتيري وفريقه أجروا دراسة معقدة لنمذجة حاسوبية تحاكي تفاعل ما نعرفه عن الغلاف الجوي القديم والغلاف الصخري للمريخ، مع الميكروبات المستهلكة للهيدروجين المشابهة لتلك التي كانت موجودة على الأرض القديمة.
ووجد هؤلاء الباحثون أنه في وقت كان وجود الميثان الذي تنتجه هذه الميكروبات على الأرض يعمل على تدفئة الكوكب تدريجيا، بدأ المريخ يبرد بدلا من ذلك، مما دفع الميكروبات إلى طبقات أعمق من قشرة الكوكب للبقاء على قيد الحياة.
إبطاء تأثير غازات الاحتباس الحراري
قال سوتيري لموقع سبيس.كوم "في ذلك الوقت، كان المريخ رطبا ودافئا نسبيا، بين 10 درجات و20 درجة مئوية، وكان يحتوي على مياه سائلة على شكل أنهار وبحيرات وربما محيطات على سطحه، لكن غلافه الجوي كان مختلفا تماما عن غلاف الأرض.
وأضاف "لقد كان كثيفا، لكنه أكثر ثراء بثاني أكسيد الكربون والهيدروجين، وكلاهما كان بمثابة غازات تسخين قوية".
وعندما بدأت الميكروبات البدائية في التهام الهيدروجين وإنتاج الميثان -الذي يعمل على الأرض كغازات دفيئة قوية- أدى ذلك إلى إبطاء تأثير الاحتباس الحراري مما تسبب في تبريد تدريجي للكوكب قديما، وبهذا أصبح غير مضياف، لا سيما أنه يبعد عن الشمس أكثر من بعد الأرض عنها. فهو أكثر برودة بشكل طبيعي، وفي أمس الحاجة إلى الغازات الدفيئة للحفاظ على درجة حرارة مناسبة للحياة.
في المريخ القديم كان الهيدروجين غازا قويا للتدفئة بسبب تأثير الامتصاص الناجم عن الاصطدام (شترستوك)
وقال سوتيري "بالمريخ القديم، كان الهيدروجين غازا قويا للغاية للتدفئة بسبب شيء نسميه تأثير الامتصاص الناجم عن الاصطدام حيث تتفاعل جزيئات ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين مع بعضها".
وأضاف "لا نرى ذلك على الأرض لأن الغلاف الجوي لكوكبنا ليس غنيا بثاني أكسيد الكربون مثل الغلاف الجوي للمريخ في السابق. لذا استبدلت الميكروبات أساسا غازا أكثر فاعلية للاحتباس الحراري (الهيدروجين) بغاز تدفئة أقل فاعلية (الميثان) الأمر الذي كان له تأثير تبريد في النهاية".
هروب إلى الأعماق وتدمير ذاتي للحياة
البرودة التي تسببت في تجمد المزيد من مياه الكوكب وتحولها إلى جليد (-60 درجة مئوية) دفعت الميكروبات إلى أعماق أكبر تحت سطح الكوكب حيث يمكنها العثور على الدفء.
وكشفت النمذجة أن الميكروبات في البداية ربما عاشت بشكل مريح تحت سطح المريخ الرملي مباشرة، إلا أنها انتقلت إلى أعماق أبعد تتجاوز الكيلومتر الواحد تحت سطح قشرة المريخ، وذلك بعد بضع مئات من ملايين السنين فقط من حدث التبريد.
ويذكر تقرير -نشره موقع لايف ساينس Live Science- أن الباحثين يرغبون في معرفة ما إذا كان أي من هذه الميكروبات القديمة قد نجا، في محاولة للعثور على دليل على نظريتهم.
وقد تم الكشف سابقا عن آثار الميثان على الغلاف الجوي المتناثر للمريخ بواسطة الأقمار الصناعية، كما تم الكشف عنه على شكل "تجشؤات غريبة" رصدتها مركبة كيريوسيتي Curiosity الجوالة التابعة لناسا، مما قد يشكل دليلا على أن الميكروبات لا تزال موجودة.
الكشف من قبل عن آثار الميثان على الغلاف الجوي المتناثر للمريخ بواسطة الأقمار الصناعية (ناسا)
ويشير التقرير أيضا إلى اعتقاد العلماء أن النتائج التي توصلوا إليها تشير إلى أن الحياة قد لا تكون مكتفية ذاتيًا وبالفطرة في كل بيئة مواتية تنبثق فيها، ويمكنها بسهولة أن تمحو نفسها عن طريق تدمير أسس وجودها بالخطأ.
يقول سوتيري "مكونات الحياة موجودة في كل مكان في الكون.. لكن عدم قدرة هذه الحياة على الحفاظ على ظروف صالحة للسكن على سطح الكوكب يجعلها تنقرض بسرعة كبيرة. تجربتنا تأخذها (الحياة) خطوة أبعد لأنها تظهر أنها بدائية للغاية".
ويضيف "لأن الغلاف الجوي للمريخ قد اختفى في الغالب.. فسيتعين على هذه الميكروبات التحول إلى مصدر آخر للطاقة، ويمكننا أن نتخيل أن بعض العمليات الجيولوجية على المريخ اليوم يمكن أن توفر نفس النوع من الركيزة النشطة، الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون، التي يمكن أن تعيش عليها هذه الميكروبات. نود أن نكتشف ذلك ونحاول توطين أي واحات محتملة لصلاحية السكن في قشرة المريخ ".