جواهر لال نهرو وحقبة هامة من تاريخ الهند
جواهر لال نهرو
أحد قادةحركة الاستقلال في الهند، وأول رئيس وزراء لها بعد الاستقلال في الفترة ما بين 15أغسطس 1947- 27 مايو 1964 وهو تاريخ وفاته، وهي أطول فترة قضاها رئيس وزراء في هذاالمنصب، حيث بلغت سبعة عشرعاماً.
كما أنه كان أحد المشاركين فيحركة عدم الانحياز إلى جانب كل من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والرئيس اليوغسلافي تيتو، والإندونيسيسكارنو.
البداية
ولد جواهرلال نهرو في 14 نوفمبر 1889 لعائلة هندوسية ثرية من كشمير، كان والده موتيلال نهرومحامياً وسياسياً واحد أثرياء الهند، في عام 1900 انتقلت العائلة إلى مدينة اللهأباد، والتحق نهرو بمدرسة "هارو" الثانوية البريطانية عام 1905، ثم سافر إلى بريطانيا لمتابعة دراسته، فدرس القانون بجامعة كامبريدج البريطانية ومنها حصل عل ىشهادته في الحقوق 1922، كما التحق بكلية الاقتصاد بجامعة لندن.
اطلع نهرو على العديد من الكتبالأجنبية والهندوسية المقدسة مما أدى إلى زيادة وعيه وثقافته، وتجمعت لديه الثقافة الهندية والأوروبية.
الاتجاه للسياسة
عاد نهرو مرة أخرى للهند ليسيرعلى درب والده ويتدرب في مكتبه كمحامي، ولكنه لم يجد نفسه في هذه المهنة وقرر أنيخترق الحياة السياسية، فانضم إلى رابطة الحكم الوطني، وفي عام 1917 بدأت أولىخطواته الفعلية في تحدي الوجود الاستعماري حيث قام بنشر خطاب في واحدة من كبرياتالصحف الهندية دعا فيه إلى عدم التعاون مع حكومة بريطانيا .
وبعدها بعامين قام بتوقيع وثيقة بعدم إطاعة قانون جرائم الثورة والفوضى الذي وضعته قوات الاحتلالالبريطاني.
نهرو وغاندي
بدخول نهرو إلى عالم السياسةكان من الطبيعي أن يلتقي بالزعيم والفليسوف الهندي المهاتما غاندى وأصبح أحدالمعجبين به وبأفكاره السياسية والدينية، وقام بالتتلمذ على يديه وأصبحت هناك علاقةوطيدة تجمع ما بين غاندي ونهرو وموتيلال والد نهرو، وقد انعكست هذه العلاقة بأهميةكبيرة على حزب المؤتمر الهندي.
في عام 1919 وقعت مذبحة "جاليانوالا باغ" حيث قامت القوات البريطانية بقتل مئات المتظاهرينالسيخ خلال تجمع للاحتجاج على اضطهاد الهنود في مدينة امريتسار في الهند وجرح أكثرمن 1200 آخرين، عين موتيلال ليرأس تحقيق عام في أحداث المذبحة فقام بإرسال نهرو إلىمدينة امريتسار ليتقصى حقائق هذه المذبحة، وكان لهذه المهمة بالغ الأثر على نهروالذي تعرف على الأشكال الوحشية التي مارسها البريطانيين لقمع الهنود.
انتهج نهرو السياسة المتقشفةلغاندي فعلى الرغم من الثراء الذي تمتع به نهرو ووالده أصر الاثنان على عن التنازلعن جميع الممتلكات والتحقا بحزب المؤتمر الهندي، وقد جاء قرار نهرو بأتباع سياسةالتقشف بعدما رأى الحياة القاسية التي يحياها القرويين من الفقراء المعدمين، فنقمعلى هذه الحياة المرفهة التي يحياها.
وبالنظر إلى نهرو وغاندي نجدبينهما نقاط للاتفاق وأخرى للاختلاف، فقد أمن الاثنان وعملا من أجل هدف واحد وهواستقلال الهند، وفي سبيل ذلك احتملا الكثير، وقد درس الاثنان المحاماة وأجاداالإنجليزية، وخاضا غمار الحياة السياسية، حتى تمكنا في النهاية من تحقيق حلمهم بجعل الهند دولة مستقلة في الخامس عشر من أغسطس 1947، وهو نفس العام الذي صعد فيه نهر ليحصل على لقب أول رئيس وزراء للهند عقب الاستقلال، وظل كذلك حتى وفاته عام 1964.
وقد اختلف نهرو وغاندي فيطريقة تنمية الهند فبينما كان يرى غاندي أن تنمية الهند يكمن في تنمية القرى، رأىنهرو أن التركيز على الصناعة هو الأكثر فائدةللبلاد.
مناضل سياسي
تميز نهرو بفصاحته وقوتهالخطابية، وأصبح له دور بارز بين أعضاء حزب المؤتمر الهندي، ومن أجل القضية الهنديةتعرض للاعتقال أكثر من مرة، كان أولها عام 1921 وبعد خروجه من السجن قال نهرو " لقدأصبح السجن بمثابة مكان مقدس لنا"، وتدريجياً صعد ليحتل مكاناً بارزاً عند الشعبالهندي كبطل وطني ومثالاً يحتذىبه.
في عام 1929 تم انتخاب نهرورئيساً لحزب المؤتمر في عموم الهند، ووقع عليه الاختيار ليكون كبير المفاوضين عنحزب المؤتمر في مفاوضات "انتقال السلطة" من الإنجليز وعقب نجاح المفاوضات صار نهرو رئيساً للحكومة الانتقالية
انتخب نهرورئيساً للمجلس المحلي لقرية "الله آباد"، واعتقل على مدار السنوات التالية أكثر منمرة، وبعد وفاة والده ازداد نهرو قرباً من غاندي والذي وجد فيه الزعيم والأستاذوالوالد، هذا على الرغم من وجود بعض الاختلافاتبينهم.
في عام 1946 اعترض نهرو علىخطة البعثة الحكومية البريطانية وذلك من منطلق أن مستقبل الهند يجب أن يحدده الهنودلا البريطانيين، وقد صور البعض هذا على أنه عناد من نهرو في قضية كان يمكن أن تتجنب تقسيم الهند.
اختير جواهر نهرو أول رئيس وزراء للهند تزامناً مع انتهاء الاحتلال البريطاني للهند عام 1947 وتم تقسيم شبه الجزيرة الهندية حيث سيطرت الأغلبية الهندوسية على الهند، بينما سيطرت الأغلبية المسلمة على باكستان، وقد كان محمد على جناح أحد الزعماء الهنود المصرين علىأن يتم تقسيم الهند، في حين كانت القيادات الهندية ترفض فكرة التقسيم، وسعى نهرولحماية الأقليات، وعندما قام محمد علي جناح بالإشارة إلى أن الشعب الهندوسي هو شعب نهرو، جاء رد نهرو سريعاً "أنا أرى أن شعبي هو الشعب الهندي ككل".
رئيساً للوزراء
في الفترة التي قضاها نهرو رئيساً للوزراء وهي فترة طويلة امتدت لسبعة عشر عاماً عمل نهرو جاهداً من أجل حماية الهند من كل أنواع التطرف الديني والسياسي، وعمل نحو بناء اقتصاد اشتراكي، وتبنىسياسة عدم الانحياز، كما آمن بالمنهج الاشتراكي في خططه من اجل تنمية الهند ففي الفترة التي قضاها في بريطانيا للدراسة أخذ يبحث بين كتب الأدب والاقتصاد وغيرها عما يتوافق وهذا الاتجاه.
وتضم الفترة التي قضاها نهرو في منصبه كرئيس للوزراء العديد من الأحداث حيث تم اغتيال غاندي على يد متطرف هندوسي 1948، ثم وقعت الحرب بين الهند وباكستان بسبب إقليم كشمير المتنازع عليه عام 1950، وفي 1951 -1952 فاز حزب المؤتمر الوطني الهندي برئاسة جواهر لال نهرو في أول انتخابات عامة في الهند بعدالاستقلال.
ونشأ نزاع بعد ذلك على الحدودبين كل من الصين والهند والتي أدت لاشتعال الحرب بين الطرفين عام 1962 وانتهت بخسارة الهند.
من المبادئ التي تبناها نهرو إلى جانب عدد أخر من الدول هي سياسة عدم الانحياز، والتي اشترك معه فيها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، واليوغسلافي جوزيف تيتو، والاندونيسي سكارنو وظهرت هذه الحركة في النصف الثاني من الخمسينات وعقب الحرب العالميةالثانية، وهي حركة تدعو للاحتفاظ بموقف مستقل بعيدا عن الساحة الدولية، وبعيدا عن سياسات الدول الكبرى.
لمحات من تاريخ العالم
قدم نهرو كتابي اكتشاف الهند،ولمحات من تاريخ العالم، وفي كتابه "لمحات من تاريخ العالم" أعطى نهرو لمحات عن هذاالتاريخ ولم يلجأ لشرح مفصل وهو عبارة عن مجموعة من الرسائل بعث بها نهرو لأبنتهأثناء تنقله بين السجون خلال عشر سنوات، وذلك لتعليم ابنته تاريخ الحضارة الإنسانيةمن خلال الخطابات.
وتناول فيكتابه الأحداث التاريخية والأسباب التي تكمن ورائها في أسلوب قصصي شيق، ويتناولالكتاب العديد من الأحداث التاريخية منها بعض الفصول التي تتحدث حول تاريخ العربوالمسلمين والأحداث التي تلت الحرب العالمية الأولى.
كما قدم كتاب "اكتشاف الهند" والذي أهداه لاينشتاين وقال عنه اينشتاين "لقد قرأت كتابك الرائع باهتمام لا حدودله، فهو يعطي فهما للتقاليد الفكرية والروحية المجيدة لبلدك العظيم".
وقد كتب نهرو كتاب "اكتشاف الهند" أيضاً في السجن والذي جاء تعبير عن الدولة الهندية التي تفوقت على القوميات البائدة.
وكان نهرواحد المهتمين بالديمقراطية والحرية في كل شيء ومنها حرية الصحافةوالتي قال فيها وجود صحافة حرة مع كل ما تتضمنه من أخطار نتيجة للاستخدام الخاطئ لها، أفضل من وجود صحافة مراقبة.
رأيه في تقسيم فلسطين
لم يكن زعماء الهند ممن يؤيد واإنشاء دولة لليهود ومما قاله الزعيم الهندي المهاتما غاندي في ذلك " إن فلسطينللعرب ومن الخطأ واللاإنسانية أن يُفرض اليهود على العرب" وذلك في إحدى الرسائل التي بعث بها لأحد مفكري اليهود.
كما ردنهرو على رسالة بعث بها اينشتاين إليه يطلب منه فيها أن يؤيد مشروع تقسيم فلسطينوإنشاء دولة لليهود حيث كانت إسرائيل تسعى لكسب تأييد أكبر عدد ممكن من الدول فيمشروعها من أجل إقامة دولتها على الأراضي الفلسطينية.
كان يرى أن اليهود مضطهدونولكن وعد بلفور تناسى أن أرض فلسطين ليست بلا شعب ، ولكنها مأهولة بأهلها بالفعل ،وقد ظلت الهند رافضة لقرار التقسيم وقامت بالتصويت ضده.
عائلة سياسية
توراثت عائلة نهرو الحياةالسياسية تباعاً، فقد تزوج نهرو وأنجب ابنة واحدة هي أنديرا غاندي والتي شغلت منصبرئاسة الوزراء بدورها وتم اغتيالها عام 1984، وأبنها راجيف غاندي من زوجها فيروزغاندي والذي أصبح أيضا رئيس لوزراء الهند قبل أن يتم اغتياله في مايو 1991، واليوم زوجة راجيف غاندي الإيطالية الأصل سونيا غاندي هي زعيمة حزب المؤتمر الهندي وتعدابنها من راجيف ليستكمل مسيرة عائلتهم السياسية.
وعلى الرغم من دور نهرو كزعيمللهند على مدار 17 عام إلا أن خصومه السياسيون يحملونه مسئولية تصعيد أزمة كشميروقيادته لأولى الحروب الهندية الباكستانية عام 1947 - 1948.
وفاة نهرو
توفي نهرو في 27 مايو 1964 بعد حياة حافلة قضى شق كبير منها في النضال والسياسة وخلفه في رئاسة الوزراء لال بهادرشاستري، ومن بعده جاءت أنديرا غاندي لتسير على نفس درب والدها وتصبح بدورها رئيسة وزراء للهند.
وكنوع منا لتكريم لهذا الزعيم الهندي وفي ذكرى يوم ميلاده الخامس والسبعين أعلن الرئيس الهندي سارفابالي راداكشنان افتتاح متحف جواهر لال نهرو ليكون مركزا توثيقياً لحياة نهرو و افتتح المتحف في الأول من ابريل عام 1966، كما تم إنشاء جامعة تحمل اسمه في مدينة نيودلهي عام 1969.
ونختتم الكلام عن نهرو بما قاله عن الهند بأنها ستكون القوة العظمى الرابعة - أي بعد الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي سابقاوالصين - ولكن ليس من زاوية القوة العسكرية ولكن من معيار التنمية والتنافس في مجالالسلم والرفاهية الاجتماعية.