لم تتوقف الدكتورة لينا نصيب عن التفكير فيما يمكن أن يساعد أبناء بلدها على اقتحام المجالات العلمية الرائدة وتعزيز مكانة المرأة في العلوم عبر نشر العلوم وتبسيطها
الدكتورة لينا نصيب تشغل منصب أستاذ مساعد للفيزياء في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا
فازت العالمة التونسية الشابة الدكتورة لينا نصيب بجائزة "فالي" للفيزياء لعام 2023 (2023 Valley Prize) وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع الجمعية الفيزيائية الأميركية، لاكتشافها بنية نجمية ضخمة لم تكن معروفة من قبل، وتطوير طرق جديدة رائدة لدراسة المادة المظلمة في مجرتنا.
وتكافئ هذه الجائزة التي تمنحها الجمعية الفيزيائية الأميركية (APS) علماء الفيزياء في بداية حياتهم المهنية على الأبحاث التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير في هذا المجال.
وتشغل الدكتورة لينا نصيب حاليا منصب أستاذ مساعد للفيزياء في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (Massachusetts Institute of Technology)، أحد أرقى المؤسسات الأكاديمية في العالم.
وتتركز أبحاثها حول فهم خصائص المادة المظلمة، تلك المادة المراوغة التي تشكل معظم كتلة الكون، لكنها لا تعكس الضوء أو تبعثه أو تمتصه.
لينا نصيب تعمل على اكتشاف خصائص المادة المظلمة في الكون (وكالة الفضاء الأوروبية)
من الدكتورة لينا نصيب؟
نشأت لينا في تونس حيث حصلت على شهادة البكالوريا من المعهد النموذجي بنابل عام 2007. لكنها تخلت عن دراسة الهندسة في أحد أكبر المعاهد الهندسية في تونس، لأنها كانت تريد أن تحلق عاليا في السماء بين النجوم التي تستهويها منذ صغرها.
والتحقت بجامعة بوسطن لدراسة الفيزياء حيث حصلت البكالوريوس عام 2012، ثم بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا حيث نالت درجة الدكتوراه في الفيزياء النظرية للجسيمات عام 2017.
"لم يكن الالتحاق بمعهد ماساشوستس أمرا سهلا"، كما تقول لينا نصيب في حوار خاص مع الجزيرة نت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتضيف "تقدمت بطلب الالتحاق 3 مرات قبل أن يتم قبولي في المرة الرابعة، عندها قلت لأصدقائي مازحة أنا من سيرفض هذه المرة".
ورغم أنها ركزت خلال مرحلة ما قبل الدكتوراه على دراسة فيزياء الجسيمات وحصلت على فرص بحثية متنوعة شملت إجراء اختبارات الرنين لمادة الغرافين وإجراء بحوث حول بوزون هيغز في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية "سيرن" (CERN)، فإنها انجذبت شيئا فشيئا نحو الفيزياء الفلكية عبر دراسة خصائص المادة المظلمة.
انتقلت لينا في مرحلة ما بعد الدكتوراه إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech) من 2017 إلى 2020، ثم كانت زميلة في جامعة كاليفورنيا إيرفين.
وفي مرصد كارنيجي، عملت على استخدام ديناميكيات المجرة لفهم خصائص المادة المظلمة ووضع أول خريطة للمادة المظلمة في مجرة درب التبانة، ثم انضمت في يوليو/تموز 2021 لهيئة التدريس بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا.
مرصد غايا وفّر بيانات حول ملايين النجوم مكنت من اكتشاف بصمة المادة المظلمة (وكالة الفضاء الأوروبية)
اكتشاف بصمات المادة المظلمة
بحسب تقرير نشر على موقع معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، فقد توصلت لينا نصيب وزملاؤها عام 2020 إلى اكتشاف تيار نجمي هائل، وهو شريط من النجوم تشكل إثر تمزق إحدى المجرات أثناء اصطدامها بمجرتنا، مجرة درب التبانة. وأثناء سحب هذه التيارات، تترك المادة المظلمة وراءها بصمات تمثل دليلا على وجودها.
لدراسة هذه التيارات التي أطلق عليها اسم "نيكس" (Nyx)، على اسم إلهة الليل اليونانية، قامت الباحثة التونسية وفريقها بدمج مجموعة من الأدوات التي تستخدم لأول مرة في نفس الوقت، تتضمن فيزياء الجسيمات وعمليات المحاكاة الكونية، وبيانات حول ملايين النجوم وفرها مرصد "غايا" (GAIA) الفضائي، إلى جانب التعلم الآلي.
وتشرح الدكتورة لينا نصيب هذا الاكتشاف بقولها "استخدمنا التعلم الآلي للبحث في مصدر بعض النجوم إن كانت تشكلت داخل مجرتنا أم هي قادمة من مجرات أخرى، أي أنها مهاجرة مثلي (تقولها مازحة). في هذه الحالة الثانية ستجلب معها آثار المادة المظلمة"، مضيفة أن الأدوات المستخدمة مكّنتنا لأول مرة من "اكتشاف رابط بين سرعة النجوم وسرعة المادة المظلمة".
وحول أهمية هذه الاكتشافات تقول الباحثة التونسية "لقد بدأنا مرحلة جديدة في استكشاف المادة المظلمة باستخدام وسائل متطورة مثل تلسكوب غايا الذي مكّننا من وضع فهرس لأكثر من 1.8 مليار نجم، والتعلم الآلي".
وبسؤالها عما تتوقعه من تطبيقات ممكنة لاكتشاف خصائص المادة المظلمة، تجيب الدكتورة نصيب أنه "من خلال المادة المظلمة يمكن معرفة أسرار الكون وهو ما كنت أتطلع إليه منذ صغري"، لكن البحث في المجال النظري "لا يتيح عادة معرفة كل التطبيقات الممكنة له، فأينشتاين على سبيل المثال عندما وضع نظرية النسبية لم يكن يعلم أنها ستكون مفيدة في إنشاء أنظمة تحديد المواقع".
وهي تشق طريقها في مجال علمي يغلب عليه الرجال كما تقول، لم تتوقف الدكتورة لينا نصيب عن التفكير فيما يمكن أن يساعد أبناء بلدها على اقتحام المجالات العلمية الرائدة وتعزيز مكانة المرأة في العلوم عبر نشر العلوم وتبسيطها.
وقد أنشأت مؤخرا لهذا الغرض، وبالتعاون مع الباحث التونسي بجامعة شيكاغو رستم مبارك، قناة على اليوتيوب لنشر الثقافة العلمية المبسطة باللهجة التونسية، في مجال علم الفلك والفيزياء الفلكية باسم "قعدة فلكية".