مصدر الصورة: thehindu.com
هل نملك إرادة حرة؟ – ترجمة عدنان أحمد الحاجي
Do we have free will – and do we want it? Thomas the Tank Engine offers clues
(بقلم: ماتياس مورافيك، باحث ما بعد الدكتوراه في الفلسفة، جامعة سانت أندروز البريطانية – Matyáš Moravec)
هل نملك إرادة حرة – وهل نرغب فيها؟ يقدم قطار توماس قرينة على الجواب
هل نحن أحرار أم أن قوانين الفيزياء هي التي تفرض سلفًا علينا أفعالنا وتصرفاتنا؟ وما مقدار الإرادة الحرة (1، 2) التي نرغب فعلًا فيها؟ هذه الأسئلة أزعجت الفلاسفة على مدى آلاف السنين – ولا توجد حتى الآن إجابات مثالية عليها.
مصدر الصورة: Getty images
ولكن على ما يبدو أن إحدى شخصيات مسلسل تلفزيوني للأطفال قد تقدم قرينة على الجواب. الشخصية الكرتونية التلفزيونية المعروفة بـ توماس ذا تانك إنجين (Thomas the Tank Engine) [أو قطار توماس، اختصارًا]، على الرغم من كونه قطارًا، فهو يتصرف وكأنه إنسان، ويتخذ قرارات وخيارات، وهو من الناحية الأخلاقية مسؤول عن تصرفاته: فعندما يرتكب خطأً، يعاقب.
لكن لو نظرت إلى العمق تصبح الأمور معقدة أكثر. هذا القطار لا يعدو كونه محركًا آليًا. تصميم مسارات سكة الحديد وطريقة عمل محركه وموظفو سكة الحديد كل من هؤلاء يحتم سلفًا على القطار تحركاته. فهل إرادته الحرة هي مجرد وهم(3)؟
تشرح قوانين الفيزياء كيف يمكن لحدث في الماضي أن يكون سببًا لحدث في المستقبل. على سبيل المثال، لو وضعت غلاية ماء على موقد، فإن قوانين الديناميكا الحرارية تحتم سلفًا على الماء بالغليان بعد برهة قريبة جدًا. إذا لم أتدخل في غلاية الماء أو الموقد [بإيقاف أو بإبطاء عملية الغلي]، فهناك فقط نتيجة واحدة ممكنة: وهي أن الماء سيبدأ بالغليان حتمًا.
حجة فلسفية قوية ضد الإرادة الحرة(4) تقول أنه بما أننا لا نستطيع تغيير الماضي ولا قوانين الفيزياء، فلا يمكننا تغيير المستقبل أيضًا. هذا لأن المستقبل هو مجرد نتيجة للماضي، وقوانين الفيزياء تنص على أن المستقبل هو نتيجة للماضي. فالمستقبل ليس مفتوحًا على بدائل [أي أنه محتم سلفًا أيضًا].
وهذا ينطبق علينا أيضًا: أجسامنا هي أشياء مادية مكونة من ذرات وجزيئات تحكمها قوانين الفيزياء. لكن كل قرار وفعل نتخذه يمكن في النهاية إرجاعه إلى بعض الحالات الأولية في بداية الكون [الماضي السحيق].
قد نشعر وكأن لدينا إرادة حرة، لكن هذا مجرد وهم(3، 5). وينطبق الشيء نفسه على قطار توماس: قد يبدو له أنه حر، لكن أفعاله محتمة سلفًا بحسب تصميم مسارات سكة الحديد والجدول الزمني للسكة الحديدية. ما يقوم به هذا القطار من فعل ليس مفتوح البدائل [أي ليس مخيرًا]. بالنتيجة، لا يعدو كونه محركًا بخاريًا تحكمه قوانين الديناميكا الحرارية.
المسؤولية الأخلاقية
ولكن إذا لم تكن تصرفات قطار توماس منفتحة على البدائل [أي كونه مقيدًا / مجبرًا سلفًا]، فلماذا إذن يُوبخ عندما يخطئ في عمله؟ إذا لم يعدو كونه آلة، فهل سيكون من المنطقي الاعتقاد بأنه مسؤول من الناحية الأخلاقية؟ بالنتيجة، من المستغرب أن أقول إن غلاية الماء تستحق الثناء على غليانها الماء ، إذا لم تقم بفعل شيء خلاف ذلك.
طرح الفيلسوف الأمريكي هاري فرانكفورت (Harry Frankfurt) تجربة فكرية ذكية(6) ليُثبت أن المستقبل لا يجب أن يكون مفتوح البدائل حتى نكون مسؤولين من الناحية الأخلاقية. تخيل عنصرين، دعنا نسميهما القاتل والمتحكم. لدى المتحكم أقطاب كهربائية موصولة بدماغ القاتل. إذا لم يقم القاتل بما يريده المتحكم، فسيقوم المتحكم بتشغيل الأقطاب الكهربائية – مما يجبر القاتل على الانصياع لأوامره.
الآن، يريد المتحكم بالفعل أن يموت أحد الأشخاص، دعنا نسميه الضحية. لذلك يفكر المتحكم في توجيه القاتل لقتل الضحية. لكن تبين أن القاتل يريد أيضًا أن يموت الضحية، لذا سيقوم القاتل بقتل الضحية دون أن يحتاج المتحكم إلى التدخل في العملية على الإطلاق. وبهذا تبقى مفاتيح الأقطاب الكهربائية مغلقة.
ما مغزى هذه القصة؟ على الرغم من أن تصرفات القاتل لم تكن مفتوحة البدئل (إذا قرر عدم ارتكاب عملية القتل، لكن من شأن المتحكم أن يجبره عليها على أي حال)، إلا أن القاتل سيبقى مسؤولًا وسيعاقب كونه قاتل الضحية.
يبدو أن قطار توماس خاضع لنفس الحالة: عندما يقوم بأشياء ضمن قوانين السكة الحديدية، تُترك له فرصة القيام بها بمحض إرادته. وعندما لا يقوم بذلك، فسيتدخل أحد الأشخاص: ربما يكون هذا الشخص السائق أو المسؤول عن العمليات والسلامة في السكة أو مدير سكة الحديد. لكن قطار توماس يبقى عرضة للتوبيخ عندما لا تسير الأمور كما ينبغي. حقيقة أن أفعال وتصرفات القطار ليست مفتوحة على البدائل لا تغير شيئًا من الواقع.
ما مقدار الإرادة الحرة التي نرغب فيها؟
إذًا ماذا عن عالم لا يكون فيه مستقبل قطار توماس محتومًا سلفًا؟ هل سيكون حرًا حينئذ؟
على الرغم من أننا غير مرتاحين لحقيقة أن أفعالنا قد تكون محتومة سلفًا، فإن البديل ليس أفضل بكثير. إن العالم الذي يكون فيه المستقبل غير محتوم سلفًا(7) حيث يكون مفتوحًا تمامًا على البدائل، يعتبر مجرد أمر فوضوي تمامًا. أريد أن أعرف سلفًا أنه عندما أضع غلاية الماء على الموقد، فإن الماء سيغلي حتمًا. العالم الذي ينقلب فيه الماء عصير برتقال مجمد بشكل تلقائي عفوي ليس هو العالم الذي يرغب معظمنا بالعيش فيه.
وينطبق الشيء نفسه على قطار توماس. إذا سُمح للقطار بترك مسارات سكة الحديد، أو بالطيران في الهواء، أو إذا لم يخضع محركه البخاري لقوانين الديناميكا الحرارية ، فلن يعمل عالم هذا القطار.
شخصية القطار تجسد حدسنا فيما يتعلق بالإرادة الحرة. نحن بحاجة إلى وجود خيار ومسؤولية أخلاقية، لكننا لا نريد أن تكون أفعالنا وتصرفاتنا غير محتومة سلفُا تمامًا. نريد أن تكون إرادتنا الحرة ما بين طرفي الحتمية(8) والعشوائية(9، 10).
مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/حرية_الإرادة
2- https://www.syr-res.com/article/1871.html
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/وهم
4- https://link.springer.com/article/10.1007/BF01624156
5- https://www.jstor.org/stable/4545340
6- https://www.jstor.org/stable/2023833
7- https://link.springer.com/article/10.1007/s11406-021-00370-2
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/حتمية
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/عشوائية
10- “في الحتمية، لا يمكن حدوث أشياء خارج منطق قوانين الطبيعة (ووفق التفسير الديني للحتمية وضع الله القوانين في الطبيعة ليسير كل شيء وفقها)، وبالتالي لا مجال لحوادث عشوائية غير محددة سلفا، ويعترف الحتميون بأنه ربما يصعب على الإنسان أحيانا معرفة النتيجة مسبقا نتيجة عدم قدرته تحديد الشروط البدئية للتجربة، أو عدم امتلاكه للصياغة الدقيقة للقانون الطبيعي، لكن هذا القانون موجود والنتيجة محددة سلفا” ، مقتبس من نص ورد علي هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/حتمية
المصدر الرئيس:
https://theconversation.com/do-we-have-free-will-and-do-we-want-it-thomas-the-tank-engine-offers-clues-191787
الأستاذ عدنان أحمد الحاجي