صباح يوم عقد القران نشب بيننا خلاف لأسباب عادية طالما تحدث بين الكثيرين من اختيارات ألوان الشقة وما إلى ذلك ، ولم أكترث لها وقلت هذه مسائل بسيطة واستمر الترتيب في بيتنا لتلك المناسبة لكن جاء الموعد ولم يأتِ لا هو ولا أهله ، لأكتشف أنه قد حظرني على مواقع التواصل كيلا أستطيع الوصول إليه ولم أفهم أبدًا ماذا حدث ، وبالطبع كان الجميع من الجيران يتحدث عن تلك الواقعة من همز ولمز عن الفتاة التي تركها خطيبها يوم عقد قرانها !
في صباح اليوم التالي أرسلوا لنا أحد أقاربهم يطلب كل هداياه والذهب ، لم تُحاول أمي الاستفسار عن شيء خاصة بعد صدمة الأمس ، وأعطتهم كل شيء وراحوا يُطلقون الإشاعات علينا بأسوأ الكلام ، كانت فترة قاسية وصدمة كبيرة أقعدتني الفراش لأيام وانطفأت تمامًا لكن كانت أمي إلى جانبي ولم تتركني حتى بدأت أتعافى خاصةً وأنها تعرف أني أحبه .
وبعد فترة زارتنا أمه وهي تعتذر عن تصرفات ابنها الذي يريد الوصل من جديد وقد هدأ من نوبة الانفعال فهو لا يحب أن يُناقشه أحد في قراراته بشأن شيء ! ، كنت أقف خلف الباب أحاول الاستماع وقد بدأ الأمل يعود إليّ بشأن العودة لخطيبي وإتمام زواجنا ، انتبهت أمي لوقوفي وقرأت نظرة الأمل والود في عيني فعرفت أني لا أمانع في الرجوع ، قالت أمي :
-وكيف ذلك ؟ ابنتي لم تفعل شيئًا سوى أن ناقشته في ألوان الغرف فكان عقابها الكلام السيء في أخلاقها وتركها يوم عقد القران .
ضحكت أمه محاولة تدارك الموقف :
=وهو الآن يريدها ويعرف أنه قسا عليها لتتعلم من الخطأ ولا تجادله في قراراته ، ليُقام الزواج في موعده بعد شهر .
أنهت أمي المقابلة حاسمة أمرهاوهي تقول :
-ابنتي لم تُخطئ سوى في حزنها على خطيب مثله ، ابنك لا يُؤتمن ، فعل بها هذا لمجرد خلاف بسيط فماذا يفعل بها لو تزوجته وناقشته في أمر ما ! هل نُزوج بناتنا ليُهانوا ويتم تركهم ونبذهم في لحظة الخلاف ! ، ابنك مُتقلب ود لا يُؤتمن ولا يستطيع مُداواة الأمور ولا يعرف مايُسببه انفعاله للآخرين من انكسار .
تواريت سريعًا وذهبت لغرفتي باكية فكيف تقسو أمي عليّ لهذه الدرجة ، خرجت المرأة من بيتنا تغمغم بكلمات غير مفهومة وقد استشاطت غضبًا بينما دخلت أمي لغرفتي وبمنتهى الهدوء همست :
-لا يُؤتمن من يتقلب وده ويهجر لمجرد الخلاف ويلقي على الآخرين بأخطائه لمجرد اقتناعه أنه لا يُخطئ وأنه المعنيّ باتخاذ القرارات دون غيره ممن يشاركونه الحياة فارضًا عليهم قراراته وحده .
ابتلعت ريقي بصعوبة :
=لكنه اعتذر ولا أُمانع في المُسامحة فطالما عاد إذًا هو يحبني .
ابتسمت أمي وهي على نفس نبرتها من الهدوء :
=الحب لا يكون بالهجر عند الخلاف ، ولا بالقطيعة حد الفظاعة والجرح ، ولا السماح بالخوض في السُمعة ، أنتِ صغيرة والحمد لله أن هذا حدث قُبيل زواجك وإلا لردّك إليّ عند أول خلاف ، ولرأيتِ معه الحزن الكثير عند غضبه وتقلبه ، الحب أن نُمسك أنفسنا عند الغضب ، الحب مُشاركة ، قد لا تستوعبين خوفي وحبي لكِ لكن ستعلمين لاحقًا أن هذا الأفضل .
الحقيقة أنهم مالبثوا أن عادوا يقولون أسوأ الكلام عنا وكم التكبر والغرور فينا لمجرد رفضنا الوصل مع أنه حق طبيعي ، وقتها فقط فهمت كلمات أمي وأنها كانت مُحقة كل الحق في تصرفها .
الحياة مُشاركة تحتاج المشاورة والاقتناع والوصول لنقطة ترضي الأطراف ، الودود هو من لا يتقلب وده وحبه حد الفراق .
بقلم / ريم السيد