الموضوع:
الزوار من محركات البحث: 59 المشاهدات : 396 الردود: 0
-
صديق فعال
تاريخ التسجيل: June-2018
الجنس: ذكر
المشاركات: 770 المواضيع: 645
صوتيات:
42
سوالف عراقية:
0
آخر نشاط: 3/October/2024
شرح قضية حرب النهروان والخوارج مع بيان جملة من غارات جيش الشام على المسلمين
بعد أن انتهت معركة صفين عن طريق عملية التحكيم المعروفة ، حدثت معركة النهروان بين جيش الإمام علي (عليه السلام) وبين الخوارج "المارقين" الذين تمردوا على خلافته وعاثوا في الأرض فساداً بعد عملية التحكيم . هذه المعركة وقعت سنة 38 هـ بعد أن نصحهم الإمام علي (عليه السلام) قبل المعركة ولكن بقي عدد منهم فحاربوه ، فلم ينجوا منهم إلاّ القليل ، ولم يُقتل من أصحاب الإمام (عليه السلام) إلاّ القليل . وهذه أسماء بعض القادة الخوارج :- (أبي موسى الأشعري ، حرقوص بن زهير التميمي ، شريح بن أوفى العبسي ، فروة بن نوفل الأشجعي ، عبد الله بن شجرة السلمي ، جمرة بن سنان الأسدي ، عبد الله بن وهب الراسبي)
وقد تمكّن أمير المؤمنين عليه السلام ومن خلال الحوار إقناع الكثير من الخوارج بالعدول عن رأيهم ، إلّا أنّ طائفةً منهم بقيت على عنادها رافعة شعار "لا حكم إلّا لله" رغم أنّه كان قد منحهم الحقوق كمسلمين ! فقال الإمام علي (عليه السلام) لهم : «كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ ! نَعَمْ إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلّا للهِ، ولكِنَّ هؤُلَاءِ يَقُولُونَ : لا إِمْرَةَ ! فَإِنَّهُ لاَبُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ ، يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْـمُؤْمِنُ ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ ، وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الأَجَلَ ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيءُ ، وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ ، حَتَّى يَسْترِيحَ بَرٌّ ، وَيُسْترَاحَ مِنْ فَاجِرٍ» . وفي رواية أُخرى أنّه (عليه السلام) لمّا سمع تحكيمهم قال : «حُكْمَ اللهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ» !
ورغم محاولات الإمام (عليه السلام) في إقناعهم بالحوار المتقابل بإرسال عبد الله بن عباس وصعصعة بن صوحان ، لكنهم أصرّوا على عنادهم على خوض الحرب حتى اجتمعوا في دار زيد بن الحصين واختيارهم عبد الله بن وهب الراسبي رئيساً لهم في شهر شوال سنة 37 هـ . وبهذا قاموا بتنظيم صفوفهم والتهيؤ للحرب والمواجهة . ولمّا أيقن الإمام (عليه السلام) بأنّ هؤلاء القوم قد تمادوا في غيهم وأصرّوا على الحرب استعد لذلك فجهز جيشاً في أربعة عشر ألف مقاتل ، ورفع الإمام (عليه السلام) راية وضمّ إليها ألفي رجل ونادى: «مَنِ التَجَأَ إلى هذِهِ الرّايَةِ فَهُو آمِنٌ» .
ثم تواقف الفريقان ، فقال فروة بن نوفل الأشجعي - وكان من رؤساء الخوارج - لأصحابه : «يَا قَومُ ! وَاللّهِ مَا نَدْرِي عَلَامَ نُقاتِلُ عَلِيّا ؟ وَلَيسَت لَنا في قَتلِهِ حُجَّةٌ وَلَا بَيَانٌ . يَا قَومُ ! انْصَرِفُوا بِنَا حَتَّى تَنْفُذَ لَنَا الْبَصيرَةُ فِي قِتَالِهِ أَوْ اتَّبَاعِهِ». فترك أصحابه في مواقفهم ، ومضى في خمسمائة رجل منهم حتى إلى البندنيجين . وخرجت طائفة منهم أخرى متفرقين إلى الكوفة ، وأتى مسعر بن فدكي التميمي راية أبي أيوب الأنصاري في ألف ، واعتزل عبد الله بن الحوساء في ثلاثمائة وخرج إلى علي (عليه السلام) منهم ثلاثمائة فأقاموا معه ، واعتزل حوثرة بن وداع في ثلاثمائة ، واعتزل أبو مريم السعدي في مائتين ؛ واعتزل غيرهم ؛ حتى صار مع ابن وهب الراسبي ألف وثمانمائة فارس ، ورجالة يقال إنهم ألف وخمسمائة .
فزحفُوا إلى الإمام عليٍّ (عليه السلام) فقدّم بين يديه الخيل وقدّم منهُمُ الرُّماة وصفّ الرّجّالة وراء الخيّالة وقال لأصحابه : «كُفُّوا عَنْهُمْ حَتَّى يَبْدَأَوكُمْ» ، وأقبلت الخوارج يَقُولُونَ : "لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، الرَّوَاحَ الرَّوَاحَ إِلَى الْجَنَّةِ" . فحملُوا على الخيّالة الّذين قدّمهُم الإمام عليٌّ (عليه السلام) ، ففرّقُوهُم حتّى أخذت طائفةٌ من الخيّالة إلى الميمنة وأخرى إلى الميسرة ، فاستقبلهم الرُّماةُ بالنّبل ، فرموا وُجُوههُم وعطفت عليهمُ الخيّالةُ من الميمنة والميسرة ونهض إليهمُ الرّجالُ بالرّماح والسُّيُوف فأنامُوا الخوارج فصارُوا صرعى تحت سنابك الخُيُول ، وقُتل أُمراؤُهُم عبدُ اللّه بنُ وهبٍ وحُرقُوصُ بنُ زُهيرٍ وشُريحُ بنُ أوفى وعبدُ الله بن سخبرة السُّلميُّ (لعنهم الله) .
ولم يُقتل من أصحاب الإمام عليٍّ (عليه السلام) إلّا سبعةُ نفرٍ وجعل يمشي بين القتلى منهُم ويقُولُ : «بُؤْسًا لَكُمْ ! لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ» ، فقالُوا: "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ غَرَّهُمْ" ؟ قال (عليه السلام) : «الشَّيْطَانُ وأنفسٍ بِالسُّوءِ أَمَّارَةٌ ، غَرَّتْهُمْ بِالْأَمَانِيِّ وَزَيَّنَتْ لَهُمُ الْمَعَاصِيَ ، وَنَبَّأَتْهُمْ أَنَّهُمْ ظَاهِرُونَ» . ثُمّ أمر بالجرحى من بينهم فإذا هُم أربعُمائةٍ ، فسلّمهُم إلى قبائلهم ليُداوُوهُم ، وقسم ما وجد من سلاحٍ ومتاعٍ لهُم .
وقال الهيثمُ بنُ عديٍّ في كتاب الخوارج : وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَسَدِيُّ وَمَنْصُورُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ : «أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُخَمِّسْ مَا أَصَابَ مِنَ الْخَوَارِجِ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ وَلَكِنْ رَدَّهُ إِلَى أَهْلهِ كُلَّهُ . حَتَّى كَانَ آخِر ذَلِك مَرْجَلٌ أُتِيَ بِهِ فَردّهُ» . (البداية والنهاية لابن كثير : ج7، ص320.)
فكانت الخوارج هي التي بدأت الحرب لكنها سرعان ما انهارت أمام جيش الإمام (عليه السلام) وقتل قادتها . ولم يفلت من الخوارج أكثر من عشرة أشخاص منهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل أمير المؤمنين (عليه السلام) . كذلك لم يبلغ عدد القتلى من جيش الإمام علي (عليه السلام) العشرة .
حاول الإمام (عليه السلام) بعد معركة النهروان أن يستنفر أهل العراق لمواجهة معاوية ، لكن ما لبّى أحد ندائه إلّا عددٌ قليل ، فذمّ الإمام علي (عليه السلام) في خطبة هذا الموقف من الناس وقال : «مُنِيتُ (بُلِيتُ) بِمَنْ لاَ يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ وَلا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ ، لاَ أَبَا لَكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ ؟ أَمَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ ، وَلَا حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ ؟ أَقُومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخاً وَأُنادِيكُمْ مُتَغَوِّثاً فَلاَ تَسْمَعُونَ لِي قَوْلاً ، وَلَا تُطِيعُونَ لِي أَمْراً ؟! حَتَّى تَكَشَّفَ الْأَمُورُ عَنْ عَوَاقِبِ الْمَساءَةِ ! فَمَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَارٌ وَلاَ يُبْلَغُ بِكُمْ مَرَامٌ ، دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ ! وَتَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ الْنِّضْوِ الاْدْبَرِ ! ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ (كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)» . (نهج البلاغة : ص83.)
خطبها الإمام (عليه السلام) عند علمه بغزوة النعمان بن بشير صاحب معاوية لعين التمر ، حيث أرسل معاوية جماعة بقيادة النعمان بن بشير إلى هناك ، فقوبل هذا الهجوم وانهزم النعمان ، بعد هذه الغارات قام عدي بن حاتم وبألفين رجلاً متوجهاً إلى المناطق الشام الجنوبية دفعاً لما يقوم به معاوية . وجّه معاوية جيشاً إلى دومة الجندل كي يستلم منهم الزكاة ، ومن جانب آخر بعث الإمام جيشاً بقيادة مالك بن كعب إليها ، فدارت معركة بينهما يوماً واحداً ورجع جيش الشام . فمعاوية كان على علم من ضعف أهل العراق لمطاوعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ففي مثل هذه الظروف عزم معاوية على التعدي على مختلف الولايات التي تحت سيادة الإمام في الجزيرة العربية وحتى العراق كي يضعف شوكة الإمام (عليه السلام) ويمهد الطريق لانضمام العراق تحت سيطرة بني أُميّة ، وسُمّيت هذه التحديات بالغارات ، وقد ألف أبو إسحاق الثقفي فهرساً منها وسمّاه الغارات .
فعن سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي - الجزء (3) - الصفحة (137) :- «وَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالأُلْفَةِ وَالاجْتِمَاعِ، وَبَايَعَهُ أَهْلُ الشَّامِ بِالخِلاَفَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ. فَكَانَ يَبْعَثُ الغَارَاتِ، فَيَقْتُلُوْنَ مَنْ كَانَ فِي طَاعَةِ عَلِيٍّ، أَوْ مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، وَبَعَثَ بُسْرَ بنَ أَبِي أَرْطَاةَ إِلَى الحِجَازِ وَاليَمَنِ يَسْتَعْرِضُ النَّاسَ، فَقَتَلَ بِاليَمَنِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقُثَماً؛ وَلَدَيْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ. وَصَالَحَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ، وَبَايَعَهُ، وَسُمِّيَ عَامَ الجَمَاعَةِ ، فَاسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى الكُوْفَةِ المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ، وَعَلَى البَصْرَةِ عَبْدَ اللهِ بنَ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ، وَعَلَى المَدِيْنَةِ أَخَاهُ عُتْبَةَ ثُمَّ مَرْوَانَ، وَعَلَى مِصْرَ عَمْرَو بنَ العَاصِ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ خَمْسِيْنَ. وَكَانَ عَلَى قَضَائِهِ بِالشَّامِ: فَضَالَةُ بنُ عُبَيْدٍ. ثُمَّ اعْتَمَرَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ فِي رَجَبٍ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحُسَيْنِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ أَبِي بَكْرٍ، كَلاَمٌ فِي بَيْعَةِ العَهْدِ لِيَزِيْدَ. ثُمَّ قَالَ: إِنِّيْ مُتَكَلِّمٌ بِكَلاَمٍ، فَلاَ تَرُدُّوا عَلَيَّ أَقْتُلْكُم. فَخَطَبَ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُم قَدْ بَايَعُوا، وَسَكَتُوا، وَلَمْ يُنْكِرُوا ، وَرَحَلَ عَلَى هَذَا . وَادَّعَى زِيَاداً أَنَّهُ أَخُوْهُ ، فَوَلاَّهُ الكُوْفَةَ بَعْدَ المُغِيْرَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي حُجْرِ بنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، وَحَمَلَهُم إِلَيْهِ، فَقَتَلَهُم بِمَرْجِ عَذْرَاءَ . ثُمَّ ضَمَّ الكُوْفَةَ وَالبَصْرَةَ إِلَى زِيَادٍ، فَمَاتَ، فَوَلاَّهُمَا ابْنَهُ عُبَيدَ اللهِ بنَ زِيَادٍ» .
- - - - - - - - - - - - - -
فكانت مصر هي أول محطة شُنّ عليها الهجوم من قبل جيش الشام ، فكان قيس بن سعد والي مصر يصطحب الإمام علي (عليه السلام) في معركة صفين . وبعد المعركة عيّن محمد بن أبي بكر حاكماً لمصر ، لكن لتدهور الأوضاع في مصر أرسل الإمام علي (عليه السلام) مالك الأشتر ليتولى أمر مصر ، فمعاوية كان على علم بهذه القضية ، فاحتال قتله فاستشهد مالك الأشتر (رضي الله عنه) في منطقة قلزم . وكان معاوية قد وعد ولاية مصر لعمرو بن العاص ، عندها توجه عمرو بجيش جرار إلى مصر ، وتقابل كنانة بن بشر ومعه 2000 من جماعته في خارج المدينة مع عمرو ، وقُتِلَ كنانة في المعركة وانهزم عسكره ، وتفرّق الناس عن محمد بن أبي بكر في مصر ، وقد وجد معاوية بن خديج - قائد جيش الشام - محمد بن أبي بكر في خربة ، فحزّ رأسه ووضعه في جوف حمار ميت وأحرقه ، فاستشهد مُحمّد (رضي الله عنه) وتولى عمرو بن العاص حكم مصر حتى وفاته سنة 43 هــ . (راجع : صحيح مسلم بشرح النووي : ج12، ص212. ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : ج9، ص97، ح14568. وتاريخ الطبري : ج5، ص104. ومصنف ابن أبي شيبة : ج6، ص207. والمعجم الكبير للطبراني : ج1، ص84.)
وقد أرسل معاوية عبد الله بن عامر الحضرمي إلى البصرة بمشورةٍ من عمرو بن العاص ؛ كي يجمع له أنصاراً بذريعة الأخذ بثأر عثمان ويحتل البصرة ، فجمع ابن عامر قبيلة بني تميم ، فقام عليه الضحاك بن عبد الله الهلالي واحتجّ عليه مدافعاً عن الإمام علي (عليه السلام) ، لكن جلّ بني تميم قاموا بنصرة ابن عامر ، وقد طلب معاوية من ابن عامر أن يعتمد على مضر ، الأمر الذي تسبب بسخط بني أزد . وكتب زياد بن عبيد نائب عبد الله بن عباس والي البصرة كتاباً عن أحوال البصرة ، وكان ابن عباس حينها في الكوفة ، فصلّى زياد صلاة الجمعة بنصرة الأزد ، وطلب منهم أن يقوموا بمواجهة بني تميم ، فأرسل الإمام زياد بن ضبيعة إلى البصرة كي يمنع بني تميم عن نصرة ابن عامر ، فتمكّن من إرجاع جماعة من بني تميم بجهوده ومساعيه ، لكنه قُتِلَ على يد الخوارج ، بعدها أرسل الإمام (عليه السلام) جارية بن قدامة ومعه خمسين نفراً إلى بني تميم في البصرة ، فقرأ جارية كتاب الإمام على الشيعة ، ودارت معركة هناك ، وانتهت بهزيمة بني تميم . (راجع أنساب الأشراف للبلاذري : ج2، ص423. وتاريخ الإسلام للذهبي : ج3، ص587.)
ومن جملة ما قام به معاوية هو إرساله الضحاكَ بن قيس إلى العراق وأوصاه أن ينهب أموال الناس ويقتل أنصار الإمام علي (عليه السلام) ويختفي بعدها . فدخل الضحاك الكوفة وقام بنهب أموال الناس وهجم على قافلة الحجّاج ، فأرسل الإمام علي (عليه السلام) حجر بن عدي لمواجهة الضحاك ، التقى حجر وجماعته بالضحاك في تدمر ، ودارت معركة بينهما وأسفرت عن 19 قتيلاً من أهالي الشام وقتيلين من أنصار حجر ، وفرّ الضحاك في ظلام الليل . فعن كتاب الغارات - الجزء (2) - الصفحة (421) :- عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري قال : «دَعَا مُعاوِيَةُ الضَّحّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّ وَقَالَ لَهُ : سِرْ حَتّى تَمُرَّ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ ، وَتَرْتَفِعَ عَنْهَا مَا اسْتَطَعْتَ ، فَمَنْ وَجَدْتَهُ مِنَ الْأَعْرَابِ فيِ طَاعَةِ عَلِيٍّ فَأَغِرْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ وَجَدْتَ لَهُ مَسْلَحَةً أَوْ خَيْلاً فَأَغِرْ عَلَيْهِمَا ، وَإِذَا أَصْبَحَتَ فِي بَلْدَةٍ فَأَمْسِ فِي أُخْرَى ، وَلَا تُقِيمَنَّ لِخَيْلٍ بَلَغَكَ أنَّهَا قَدْ سُرِّحَتْ إِلَيْكَ لِتَلْقَاهَا فَتُقَاتِلَهَا . فَسَرَّحَهُ فِيمَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ إِلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ جَريدَةِ خَيْلٍ . فَأَقْبَلَ الضَّحَّاكُ يَأْخُذُ الْأَمْوالَ ويَقتُلُ مَنْ لَقِيَ مِنَ الْأَعْرَابِ حَتّى مَرَّ بِالثَّعْلَبِيَّةِ فَأَغْارَ خَيْلُهُ عَلَى الْحَاجِّ فَأَخَذَ أَمْتِعَتَهُمْ ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَقِيَ عَمْرَو بْنَ عُمَيسِ بْنِ مَسْعودٍ الذُّهْلِيَّ - وَهُوَ ابْنُ أَخي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعودٍ صَاحِبِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَتَلَهُ فِي طَرِيقِ الْحَاجِّ عِنْدَ الْقُطْقُطَانَةِ ، وَقَتَلَ مَعَهُ نَاساً مِنْ أَصْحَابِهِ .
قَالَ أَبو رَوْقٍ : فَحَدَّثَني أَبِي أنَّهُ سَمِعَ عَلِيّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَقَدْ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ وَهُوَ يَقولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ ! أُخْرُجُوا إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ عَمْرُو بنِ عُمَيسٍ وَإِلَى جُيوشٍ لَكُمْ قَدْ أُصِيبَ مِنْهَا طَرَفٌ ؛ أُخْرُجُوا فَقَاتِلوا عَدُوَّكُمْ وَامْنَعُوا حَرِيمَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلينَ . قَالَ : فَرَدُّوا عَلَيْهِ رَدّاً ضَعِيفاً وَرَأى مِنْهُمْ عَجَزاً وَفَشَلاً ! فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : وَاللَّهِ ! لَوَدِدتُ أنَّ لِي بِكُلِّ مِئَةٍ مِنْكُمْ رَجُلاً مِنْهُم ! وَيْحَكُمْ ! أُخْرُجوا مَعِيَ ثُمَّ فِرّوا عَنِّي إِنْ بَدَا لَكُمْ ! فَوَاللَّهِ مَا أَكْرَهُ لِقَاءَ رَبّي عَلَى نِيَّتِي وَبَصِيرَتي ، وَفِي ذَلِكَ رَوْحٌ لِي عَظِيمٌ ، وَفَرَجٌ مِنْ مُنَاجَاتِكُمْ وَمُقَاسَاتِكُمْ وَمُدَارَاتِكُمْ مِثْلَ مُا تُدَارَى الْبِكارُ الْعَمِدةُ ، وَالثِّيابُ الْمُتَهَتِّرَةُ ، كُلَّمَا خِيطَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ عَلَى صَاحِبِهَا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ . ثُمَّ نَزَلَ فَخَرَجَ يَمْشِي حَتّى بَلَغَ الْغَرِيَّينِ ، ثُمَّ دَعا حجْرَ بْنَ عَدِيٍّ الكِندِيَّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) مِنْ خَيْلِهِ فَعَقَدَ لَهُ ثَمَّ رَايَةً عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ ، ثُمَّ سَرَّحَهُ فَخَرَجَ حَتّى مَرَّ بِالسَّماوَةِ - وَهِيَ أَرْضُ كَلبٍ - فَلَقِيَ بِهَا أمْرَأَ الْقَيسِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ أَوْسِ بْنِ جَابِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُلَيْمٍ الْكَلبِيَّ ، أَصْهَارَ الْحُسَينِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) ، فَكَانُوا أَدِلّاءَهُ عَلَى طَرِيقِهِ وَعَلَى اَلْمِيَاهِ ، فَلَمْ يَزَلْ مُغِذّاً فِي أَثَرِ اَلضَّحَّاكِ ، حَتَّى لَقِيَهُ بِنَاحِيَةِ تَدْمُرَ فَوَاقَعَهُ ؛ فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً ، فَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ اَلضَّحَّاكِ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ حجْرٍ رَجُلاَنِ : عَبْدُ الرَّحْمَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ الْغَامِديُّ ، وَحَجَزَ اَللَّيْلُ بَيْنَهُمْ ، فَمَضَى اَلضَّحَّاكُ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا لَمْ يَجِدُوا لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ أَثَراً» . (راجع أيضاً : البحار : ج34، ص24. والإرشاد : ج1، ص271. وأنساب الأشراف : ج3، ص197.)
- - - - - - - - - - - - - -
وعن تاريخ الطبري - الجزء (5) - الصفحة (135) : - «وَجَّهَ مُعَاوِيَةُ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيسٍ ، وَأَمَرَهَ أَنْ يَمُرَّ بِأَسفَلِ واقِصَةَ ، وَأَنْ يُغِيرَ عَلَى كُلِّ مَنْ مَرَّ بِهِ مِمَّن هُوَ فِي طَاعَةِ عَلِيِّ مِنَ الْأَعْرَابِ ، ووَجَّهَ مَعَهُ ثَلاثَةَ آلَافِ رَجُلٍ . فَسَارَ فَأَخَذَ أَمْوالَ النَّاسِ ، وقَتَلَ مَنْ لَقِيَ مِنَ الْأَعْرَابِ ، وَمَرَّ بِالثَّعْلَبِيَّةِ فَأَغارَ عَلَى مَسَالِحِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، وَأَخَذَ أَمْتِعَتَهُمْ ، ومَضَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقُطْقُطَانَةِ . فَأَتَى عَمْرَو بْنَ عُمَيسِ بْنِ مَسْعودٍ وَكَانَ فِي خَيْلٍ لِعَلِيٍّ وَأَمَامَهُ أَهْلُهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ ، فَأْغَارَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ ، وَحَبَسَهُ عَنِ المَسِيرِ . فَلَمَّا بَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) سَرَّحَ حُجرَ بنَ عَدِيِّ الْكِنْدِيَّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) في أربَعَةِ آلافٍ ، وَأَعْطَاهُمْ خَمْسِينَ خَمْسِينَ ، فَلَحِقَ الضَّحّاكَ بِتَدْمُرَ فَقَتَلَ مِنْهُمْ تِسعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، وقُتِلَ مِن حجْرٍ رَجُلانِ ، وَحَالَ بَيْنَهُمْ اللَّيْلُ ، فَهَرَبَ الضَّحّاكُ وَأَصْحَابُهُ ، ورَجَعَ حُجْرٌ وَمَنْ مَعَهُ» . (راجع أيضاً : الكامل في التاريخ لابن الأثير : ج2، ص426.)
- - - - - - - - - - - - - -
وعن كتاب نهج البلاغة - الخطبة 29 :- «وَمِن كَلامٍ لَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بَعدَ غَارَةِ الضَّحّاكِ بْنِ قَيْسٍ صَاحِبِ مُعاوِيَةَ عَلَى الحَاجِّ بَعدَ قِصَّةِ الحَكَمَينِ ، وَفِيهَا يَستَنهِضُ أَصْحَابَهُ لِمَا حَدَثَ فِي الْأَطْرَافِ :
أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ ! كَلَامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلَابَ ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ ، تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ : كَيْتَ وَكَيْتَ ، فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ : حِيدِي حَيَادِ ! مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ ، وَلَا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ . أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ ، أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ ، وَلَا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلَّا بِالْجِدِّ . أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ ؟! وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ ؟! الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ ! وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ ! وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ . أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ لَا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ ، وَلَا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ ، وَلَا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ . مَا بَالُكُمْ ؟ مَا دَوَاؤُكُمْ ؟ مَا طِبُّكُمْ ؟ الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ . أَقَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ؟ وَغَفْلةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ ؟ وَطَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ ؟» . (راجع أيضاً : الإمامة والسياسة : ج1، ص171. والإرشاد : ج1، ص273. وأنساب الأشراف : ج3، ص154. والبيان والتبيين : ج2، ص56.)
ومن الغارات أيضاً هي غارة عبد الله بن مسعدة ، عن تاريخ الطبري - الجزء (5) - الصفحة (134) :- «وَجَّهَ مُعاوِيَةُ [في سنة 39 هــ] أَيْضًا عَبْدَ اللّهِ بنَ مَسعَدَةَ الفَزارِيَّ في ألفٍ وسَبعِمِئَةِ رَجُلٍ إلى تَيماءَ (بليدة في أطراف الشام) ، وأمَرَهُ أن يُصَدِّقَ مَن مَرَّ بِهِ مِن أهلِ البَوادي ، وأن يَقتُلَ مَنِ امتَنَعَ مِن عَطائِهِ صَدَقَةَ مالِهِ ، ثُمَّ يَأتِيَ مَكَّةَ وَالمَدينَةَ وَالحِجازَ ، يَفعَلَ ذلِكَ ، وَاجتَمَعَ إلَيهِ بَشَرٌ كَثيرٌ مِن قَومِهِ . فَلَمّا بَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَجَّهَ المُسَيِّبَ بنَ نَجَبَةَ الفزارِيَّ ، فَسارَ حَتّى لَحِقَ ابنَ مَسعَدَةَ بِتَيماءَ فَاقتَتَلوا ذلِكَ اليَومَ حَتّى زالَتِ الشَّمسُ قِتالاً شَدِيداً ، وَحَمَلَ المُسَيِّبُ عَلَى ابنِ مَسعَدَةَ فَضَرَبَهُ ثَلاثَ ضَرَباتٍ ، كُلِّ ذلِكَ لا يَلتَمِسُ قَتلَهُ ويَقولُ لَهُ : النَّجاءَ النَّجاءَ ! فَدَخَلَ ابنُ مَسعَدَةَ وعامَّةُ مَن مَعَهُ الحِصنَ ، وهَرَبَ الباقونَ نَحوَ الشّامِ ، وَانتَهَبَ الأَعرابُ إبِلَ الصَّدَقَةَ الَّتي كانَت مَعَ ابنِ مَسعَدَةَ ، وحَصَرَهُ ومَنْ كانَ مَعَهُ المُسَيِّبُ ثَلاثَةَ أيّامٍ ، ثُمَّ ألقَى الحَطَبَ عَلَى الْبَابِ ، وَأَلْقَى النِّيرَانَ فِيهِ ، حَتَّى احْتَرَقَ . فَلَمَّا أحَسَّوا بِالْهَلاكِ أشْرَفُوا عَلَى الْمُسَيِّبِ فَقَالُوا : يَا مُسَيِّبُ قَومَكَ ! فَرَقَّ لَهُم [قَلْبهُ] وَكَرِهَ هَلاكَهُم ، فَأَمَرَ بِالنّارِ فَأُطْفِئَتْ ، وقالَ لِأَصْحَابِهِ : قَدْ جَاءَتْنِي عُيونٌ فَأَخبَروني أنَّ جُنداً قَدْ أقْبَلَ إِلَيْكُمْ مِنَ الشّامِ ، فَانضَمّوا في مَكانٍ واحدٍ . فَخَرَجَ ابنُ مَسعَدَةَ في أصْحَابِهِ لَيْلاً حَتَّى لَحِقُوا بِالشَّامِ ، فَقالَ لَهُ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ شَبيبٍ : سِر بِنا في طَلَبِهِم ، فَأَبى ذلِكَ عَلَيهِ ، فَقالَ لَهُ : غَشَشتَ أميرَ المُؤمِنينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، وداهَنتَ في أمرِهِم» . (راجع أيضاً : الكامل في التاريخ : ج2، ص426. والبداية والنهاية لابن كثير : ج7، ص320.)
- - - - - - - - - - - - - -
وعن تاريخ اليعقوبي - الجزء (2) - الصفحة (196) :- «بَعَثَ مُعاوِيَةُ عَبدَ اللّهِ بنَ مَسعَدَةَ بنِ حُذَيفَةَ بنِ بَدرِ الفَزارِيَّ في جَرِيدَةِ خَيلٍ ، وأمَرَهَ أن يَقصِدَ المَدينَةَ ومَكَّةَ فَسارَ في ألفٍ وسَبعِمِئَةٍ . فَلَمّا أتَى عَلِيّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الخَبَرُ وَجَّهَ المُسَيِّبَ بنَ نَجَبَةَ الفَزارِيَّ ، فَقالَ لَهُ : يَا مُسَيِّبُ ! إِنَّكَ مِمَّنْ أَثِقُ بِصَلَاحِهِ وَبَأْسِهِ وَنَصِيحَتِهِ ، فَتَوَجَّه إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَومِ وَأثّرْ فِيهِمْ ، وِإنْ كَانُوا قَوْمَكَ . فَقَالَ لَهُ المُسَيِّبُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنينَ ! إنَّ مِن سَعادَتي أن كُنتُ مِن ثِقاتِكَ . فَخَرَجَ في ألفَي رَجُلٍ مِن هَمدانَ وطَيِّءٍ وغَيرِهِم ، وأغَذَّ السَّيرَ ، وقَدَّمَ مُقَدَّمَتَهُ ، فَلَقوا عَبدَ اللّهِ بنَ مَسعَدَةَ ، فَقاتَلوهُ ، فَلَحِقَهُمُ المُسَيِّبُ ، فَقاتَلَهُم حَتّى أمكَنَهُ أخذُ ابنِ مَسعَدَةَ ، فَجَعَلَ يَتَحاماهُ وَانهَزَمَ ابنُ مَسعَدَةَ ، فَتَحَصَّنَ بِتَيماءَ وأحاطَ المُسَيِّبُ بِالحِصنِ ، فَحَصَرَ ابنَ مَسعَدَةَ وأصحابَهُ ثَلاثا ، فَناداهُ : يا مُسَيِّبُ ! إنَّما نَحنُ قَومُكَ ، فَليَمَسَّكَ الرَّحمُ ، فَخَلّى لِابنِ مَسعَدَةَ وأصحابِهِ الطَّريقَ ، ونَجا مِنَ الحِصنِ . فَلَمّا جَنَّهُمُ اللَّيلُ خَرَجوا مِن تَحتِ لَيلَتِهِم حَتّى لَحِقوا بِالشّامِ ، وصَبَّحَ المُسَيِّبُ الحِصنُ ، فَلَم يَجِد أحَدا . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنِ شَبيبٍ : داهَنتَ وَاللّهِ يا مُسَيِّبُ في أمرِهِم ، وغَشَشتَ أميرَ المُؤمِنينَ . وقَدِمَ عَلى عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقالَ لَهُ : يا مُسَيِّبُ ! كُنتَ مِن نُصّاحي ، ثُمَّ فَعَلتَ ما فَعَلتَ ! فَحَبَسَهُ أيّاما ثُمَّ أطلَقَهَ ووَلّاهُ قَبضَ الصَّدَقَةِ بِالكوفَةِ» . (راجع أيضاً : أنساب الأشراف للبلاذري : ج3، ص209 نحوه.)
ومن جملة الغارات الأخرى هو هجوم سفيان بن عوف الغامدي بـ6000 رجل على هيت ومنها توجه إلى الأنبار ، فقام الغامدي بقتل حسان ابن حسان البكري وقتل رجالاً ونساءًا من الشيعة . قال سفيان بن عوف الغامدي (لعنه الله) : «دَعَانِي مُعَاوية فَقَالَ إِنِّي بَاعِثُكَ فِي جَيشٍ كَثيفٍ ذِي أداةٍ وجَلادَةٍ فَالزَم لِي جَانِبَ الْفُرَاتِ حَتَّى تَمُرَّ بِهيتَ فَتَقطَعَهَا ، فَإِنْ وَجَدْتَ بِهَا جُنْداً فَأَغِرْ عَلَيهِمْ ! وَإِلَّا فَامْضِ حَتَّى تَغِيرَ عَلَى الْأَنْبَارِ ، فَإِنْ لَمْ تَجِد بِهَا جُنْداً فَامْضِ حَتّى تُغيرَ عَلَى الْمَدَائِنِ ، ثُمَّ أَقْبِل إِلَيَّ وَاتَّقِ أَنْ تَقرُبَ الْكُوفَةَ . وَاعْلَمْ أنَّكَ إِنْ أَغَرْتَ عَلَى أَهْلِ الْأَنْبَارِ وَأَهْلِ الْمَدَائِنِ فَكَأَنَّكَ أَغَرْتَ عَلَى الْكُوفَةِ . إِنَّ هَذِهِ الْغَارَاتِ يَا سُفْيَان عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ تَرْهَبُ قُلُوبَهُم وَتُجَرِّئُ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ فِينَا هَوىً مِنْهُمْ وَيَرَى فِرَاقَهُمْ ، وتَدْعُو إِلَيْنَا كُلَّ مَنْ كَانَ يَخَافُ الدَّوائِرَ . فَخَرِّبَ كُلَّ مَا مَرَرْتَ بِهِ مِنَ الْقُرَى ، وَاقْتُلْ كُلَّ مَنْ لَقِيتَ مِمَّن لَيْسَ هُوَ عَلَى رَأْيِكَ ، وَاحْرَبِ الْأَمَوالَ ، فَإِنَّهُ شَبيهٌ بِالْقَتلِ وَهُوَ أَوْجَعُ لِلْقُلُوبِ» . (الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي : ج2، ص464. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي : ج2، ص85 .)
- - - - - - - - - - - - - -
وعن الكامل في التاريخ - الجزء (2) - الصفحة (425) :- «وَجَّهَ مُعاوِيَةُ في هذِهِ السَّنَةِ [39هــ] أيضا سُفيانَ بنَ عَوفٍ في سِتَّةِ آلافِ رَجُلٍ ، وأمَرَهُ أن يَأتِيَ هِيتَ فَيَقطَعَها ، ثُمَّ يَأتِيَ الأَنبارَ وَالمَدائِنَ فَيوقِعَ بِأَهلِها . فَأَتى هيتَ فَلَم يَجِد بِها أحَدا ، ثُمَّ أتَى الأَنبارَ وفيها مَسلَحَةٌ لِعَلِيٍّ تَكونُ خَمسَمِئَةِ رَجُلٍ وقَد تَفَرَّقوا ولَم يَبقِ مِنهُم إلّا مِائَتا رَجُلٍ ، وكانَ سَبَبُ تَفَرُّقِهِم أنَّهُ كانَ عَلَيهِم كُمَيلُ بنُ زِيادٍ ، فَبَلَغَهُ أنَّ قَوما بِقَرقيسِيا يُريدونَ الغارَةَ عَلى هيتَ فَسارَ إلَيهِم بِغَيرِ أمرِ عَلِيٍّ . فَأَتى أصحابُ سُفيانَ وكُمَيلٌ غائِبٌ عَنها ، فَأَغضَبَ ذلِكَ عَلِيّا عَلى كُمَيلٍ ، فَكَتَب إلَيهِ يُنكِرُ ذلِكَ عَلَيهِ . وطَمِعَ سُفيانُ في أصحابِ عَلِيٍّ لِقِلَّتِهِم فَقاتَلَهُم ، فَصَبَرَ أصحابُ عَلِيٍّ ثُمَّ قُتِلَ صاحِبُهُم ، وهُوَ أشرَسُ بنُ حَسّانٍ البَكرِيُّ ، وثَلاثونَ رَجُلاً ، وَاحتَمَلوا ما فِي الأَنبارِ مِن أموالِ أهلِها ورَجَعوا إلى مُعاوِيَةَ . وبَلَغَ الخَبَرُ عَلِيّا فَأَرسَلَ في طَلَبِهِم فَلَم يُدرِكوا» . (راجع أيضاً :- تاريخ الطبري : ج5، ص134. البداية والنهاية لابن كثير : ج7، ص320. والفتوح لابن أعثم : ج4، ص225. وأنساب الأشراف للبلاذري : ج3، ص231. ودعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي : ج1، ص390 .)
- - - - - - - - - - - - - -
وعن أبي صادق (رحمه الله) قال : أغارت خيل لمعاوية على الأنبار ، فقتلوا عاملاً لعلي (عليه السلام) يقال له حسان بن حسان البكري ، وقتلوا رجالاً كثراً ونساءً ، فبلغ ذلك علي بن طالب (عليه السلام) ، فخرج مغضباً (عليه السلام) يجر ثوبه حتى أتى النخيلة وأتبعه الناس ، فرقى رباوة من الأرض فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ وآله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ قال : «أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ ، وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَدِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ ، فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلَاءُ ، وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ ، وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ ، وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ ، وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ .
أَلَا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا وَنَهَاراً وَسِرّاً وَإِعْلَاناً ، وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ ، فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا ! فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ . وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا . وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ مَوْفُورِينَ ! مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ ! فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً ! فَيَا عَجَباً عَجَباً !! وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى ! يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلَا تُغِيرُونَ ! وَتُغْزَوْنَ وَلَا تَغْزُونَ ! وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ ! فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ ، كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ ! فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ .
فَيَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ ! وَيَا طُغَّامَ الْأَحْلَامِ ! وَيَا عُقُولَ رَبَّاتِ الْحِجَالِ ! لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً ! وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً ! قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً ! وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ ! حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ ، لِلَّهِ أَبُوهُمْ وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي ؟! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ وَلَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ» . (نهج البلاغة : رقم27. ومعاني الأخبار : رقم309.)
- - - - - - - - - - - - - -
وعن كتاب الغارات - الجزء (2) - الصفحة (470) :- عن مُحمَّد بن مخنف (رحمه الله) قال : «إنَّ سُفيانَ بنَ عَوفٍ لَمّا أغارَ عَلَى الأَنبارِ قَدِمَ عِلجٌ مِن أهلِها عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ . فَصَعِدَ المِنبَرَ فَقالَ : أيُّهَا النَّاسُ ! إنَّ أخاكُمُ البَكْرِيَّ قَد أُصِيبَ بِالْأَنْبَارِ وَهُوَ مُعتَزٌّ لَا يَخَافُ مَا كَانَ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَلَى الدُّنْيَا فَانتَدَبوا إِلَيْهِمْ حَتَّى تُلَاقُوهُمْ ، فَإِنْ أَصَبْتُمْ مِنْهُمْ طَرَفاً أَنْكَلْتُموهُمْ عَنِ الْعِرَاقِ أَبَداً مَا بَقَوا . ثُمَّ سَكَتَ عَنْهُمْ رَجاءَ أَنْ يُجِيبُوهُ أَوْ يَتَكَلَّموا ، أَوْ يَتَكَلَّمَ مُتَكَلِّمٌ مِنْهُمْ بِخَيرٍ ، فَلَمْ يَنبِسْ أحَدٌ مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ ، فَلَمَّا رَأَى صَمْتَهُمْ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمْ نَزَلَ فَخَرَجَ يَمْشِي رَاجِلاً حَتَّى أَتَى النُّخَيلَةَ وَالنَّاسُ يَمْشُونَ خَلْفَهُ حَتَّى أَحَاطَ بِهِ قَومٌ مِنْ أشْرَافِهِمْ ، فَقَالُوا : اِرْجِعْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ نَحْنُ نَكْفِيكَ . فَقالَ : مَا تَكْفُونَنِي وَلَا تَكْفُونَ أنْفُسَكُمْ ! فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى صَرَفوهُ إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَرَجَعَ وَهُوَ وَاجِمٌ كَئِيبٌ . ودَعا سَعيدَ بنَ قَيسٍ الهَمدانِيَّ فَبَعَثَهُ مِنَ النُّخَيلَةِ بِثَمانِيَةِ آلافٍ ، وذلِكَ أنَّهُ اُخبِرَ : أنَّ القَومَ جاؤوا في جَمْعٍ كَثيفٍ . فَقالَ لَهُ : إنّي قَد بَعَثتُكَ في ثَمانِيَةِ آلافٍ ، فَاتَّبِع هذَا الجَيشَ حَتّى تُخرِجَهُ مِن أرضِ العِراقِ . فَخَرَجَ عَلى شاطِئِ الفُراتِ في طَلَبِهِ حَتّى إذا بَلَغَ عاناتٍ سَرَّحَ أمامَهُ هانِئَ بنَ الخطَّابِ الهَمدانِيَّ ، فَاتَّبَعَ آثارَهُم حَتّى إذا بَلَغَ أدانِيَ أرضِ قِنَّسرينَ وقَد فاتوهُ ، ثُمَّ انصَرَفَ . قالَ : فَلَبِثَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) تُرَى فِيهِ الْكَآبَةُ وَالْحُزْنَ حَتَّى قَدِمَ عَلَيهِ سَعيدُ بنُ قَيسٍ فَكَتَبَ كِتاباً ، وَكَانَ في تِلْكَ الْأَيّامِ عَلِيلاً فَلَمْ يُطِقْ عَلَى الْقِيامِ فِي النَّاسِ بِكُلِّ مَا أَرَادَ مِنَ الْقَوْلِ ، فَجَلَسَ بِبابِ السّدَّةِ الَّتي تَصِلُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، ومَعَهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) وعَبْدُ اللَّهِ بنُ جَعفَرِ بنِ أبي طالِبٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) فَدَعا سَعدًا مَوْلَاهُ فَدَفَعَ الْكِتَابَ إلَيهِ فَأَمَرَهُ أن يَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ ، فَقامَ سَعدٌ بِحَيثُ يَسمَعُ عَلِيٌّ قِراءَتَهُ وما يَرُدُّ عَلَيهِ النّاسُ ، ثُمَّ قَرَأَ الكِتابَ :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
مِنْ عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ إِلَى مَنْ قُرِئَ عَلَيْهِ كِتَابِي مِنَ الْمُسْلِمينَ ، سَلَامٌ عَلَيْكُم . أَمَّا بَعْدُ ، فَالْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمينَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلينَ ، وَلَا شَرِيكَ للَّهِ الْأَحَدِ الْقَيّومِ ، وَصَلَواتُ اللَّهِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ فِي الْعَالَمينَ . أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي قَدْ عَاتَبْتُكُمْ فِي رُشْدِكُمْ حَتَّى سَئِمْتُ ، أَرْجَعْتُمُونِي بِالْهُزْءِ مِنْ قَوْلِكُمْ حَتَّى بَرِمْتُ ، هَزء مِنَ الْقَوْل لَا يُعاديهِ ، وَخَطِلَ مَنْ يُعِزُّ أَهْلَهُ ، وَلَو وَجَدْتُ بُدّاً مِنْ خِطَابِكُمْ وَالْعِتَابِ إِلَيْكُمْ مَا فَعَلتُ ! وَهَذَا كِتَابِي يَقْرَأُ عَلَيْكُمْ فَرُدُّوا خَيْراً وَافْعَلُوهُ ، وَمَا أَظُنُّ أَنْ تَفْعَلُوا ، فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ» . (راجع أيضاً : البحار للمجلسي : ج34، ص55.)
- - - - - - - - - - - - - -
وعن كتاب الغارات أيضاً - الجزء (2) - الصفحة (479) :- عن ربيعة بن ناجذ أو ناجد الأسدي الأزدي قال : «لَمّا وَجَّهَ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ ، سُفيانَ بنَ عَوفٍ الغامِدِيَّ إلَى الأَنبارِ لِلغارَةِ ، بَعَثَهُ في سِتَّةِ آلافِ فارِسٍ ، فَأَغارَ عَلى هِيتَ وَالأَنبارِ ، وقَتَلَ المُسلِمينَ ، وسَبىَ الحَريمَ ، وعَرَضَ النّاسَ عَلَى البَراءَةِ مِن أميرِ المُؤمِنينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، استَنفَرَ أميرُ المُؤمِنينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) النّاسَ ، وقَد كانوا تَقاعَدوا عَنهُ ، وَاجتَمَعوا عَلى خِذْلَانِهِ ، وأمَرَ مُنَادِيهِ فِي النَّاسِ فَاجْتَمَعوا ، فَقامَ خَطيباً ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وصَلّى عَلى رَسولِ اللّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ قالَ :
أمَّا بَعْدُ أيُّهَا النَّاسُ ، فَوَاللَّهِ لأَهْلُ مِصْرِكُمْ فِي الْأَمْصَارِ أَكْثَرُ فِي الْعَرَبِ مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَمَا كَانُوا يَوْمَ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أَنْ يَمْنَعوهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرينَ حَتَّى يُبلِّغَ رِسَالَاتِ اللَّهِ إِلَّا قَبِيلَتيّنِ صَغِيرٌ مَوْلِدُهُمَا ، مَا هُمَا بِأَقْدَمِ الْعَرَبِ مِيلَاداً وَلَا بِأَكْثَرِهِ عَدَداً ، فَلَمّا آوَوا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَأَصْحَابَهُ ، ونَصَرُوا اللَّهَ وَدينَهُ ، رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ ، وتَحَالَفَت عَلَيْهِمُ الْيَهودُ ، وَغَزَتهُمُ الْقَبَائِلُ قَبِيلَةٌ بَعْدَ قَبِيلَةٍ ، فَتَجَرَّدوا لِلدَّينِ وَقَطَعُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَرَبِ مِنَ الْحَبَائِلِ ، وَمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهودِ مِنَ الْعُهودِ ، وَنَصَبُوا لِأَهْلِ نَجْدٍ وَتَهَامَةَ ، وَأَهْلِ مَكَّةَ وَالْيَمَامَةَ ، وَأَهْلِ الْحَزَنِ وَأَهْلِ السَّهلِ ، قَنَاةَ الدِّينِ وَالصَّبْرِ تَحْتَ حَمَاسِ الْجِلَادِ ، حَتّى دَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) الْعَرَبُ ، فَرَأى فِيهِمْ قُرَّةَ الْعَينِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ، فَأَنْتُمْ فِي النَّاسِ أَكْثَرُ مِنْ أُولَئِكَ فِي أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنَ الْعَرَبِ .
فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آدَمُ طُوالٌ ، فَقَالَ : مَا أَنْتَ كَمُحَمَّدٍ ! وَلَا نَحْنُ كَأُولَئِكَ الَّذِينَ ذَكَرتَ ! فَلَا تُكَلِّفَنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ! فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤمِنينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَحْسِنْ مسْمَعاً تُحسِن إجابَةً ! ثَكَلَتْكُمُ الثَّواكِلُ ! مَا تَزِيدُونَنِي إِلَّا غَمّاً !! هَلْ أَخْبَرتُكُمْ أنِّي مِثْلُ مُحَمَّدٍ ؟! ، وَأَنَّكُمْ مِثْلُ أَنْصَارِهِ ؟ وَإنَّمَا ضَرَبْتُ لَكُمْ مَثَلاً ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَأسَوا بِهِمْ .
ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ : مَا أَحْوَجَ أَمِيرُ الْمُؤمِنينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَمَنْ مَعَهُ إِلَى أَصْحَابِ النَّهْرَوانِ . ثُمَّ تَكَلَّمَ النّاسُ مِنْ كُلِّ ناحِيَةٍ وَلَغَطوا ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : اِسْتَبانَ فَقْدُ الْأَشتَرِ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ ؛ لَو كَانَ حَيّاً لَقَلَّ اللَّغَطُ ، وَلَعَلِمَ كُلُّ امْرِئٍ مَا يَقُولُ . فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنينَ (صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : هَبِلَتكُمُ الْهَوابِلُ ! لَأَنَا أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ حَقّاً مِنَ الْأَشتَرِ ! وَهَلْ لِلْأَشتَرِ عَلَيْكُمْ مِنَ الْحَقِّ إِلَّا حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ؟ وغَضِبَ فَنَزَلَ .
فَقَامَ حجْرُ بنُ عُدِيٍّ وسَعْدُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَا : لَا يَسُوؤُكَ اللَّهُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ ، مُرْنَا بِأَمْرِكَ نَتَّبِعْهُ ، فَوَ اللَّهِ الْعَظِيمِ مَا يَعظُمُ جَزَعُنَا عَلَى أَمْوالِنَا أَنْ تُفَرَّقَ ، وَلَا عَلَى عَشَائِرِنَا أَنْ تُقْتَلَ فِي طَاعَتِكَ . فَقالَ لَهُم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : تَجَهَّزُوا لِلسَّيرِ إِلَى عَدُوِّنَا . ثُمَّ دَخَلَ مَنزِلَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ودَخَلَ عَلَيْهِ وُجوهُ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ لَهُمْ : اشِيرُوا عَلَيَّ بِرَجُلٍ صَلِيبٍ نَاصِحٍ يَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ السَّوَادِ . فَقالَ سَعْدُ بْنُ قَيْسٍ : عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ بِالنَّاصِحِ الْأَرْيَبِ الشُّجَاعِ الصَّلِيبِ مَعْقِلِ بْنِ قَيْسٍ التَّمِيمِيِّ . قالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : نَعَمْ ، ثُمَّ دَعَاهُ فَوَجَّهَهُ وَسَارَ ، وَلَمْ يَعُدْ حَتَّى أُصِيبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ» . (راجع أيضاً شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد المعتزلي : ج2، ص89. والأمالي للطوسي : ص173،ح293.)
وفي موسم الحج سنة 39 هــ أرسل معاوية جيشاً بقيادة يزيد بن شجرة الرهاوي إلى مكة حتى يدعو الناس إلى معاوية ، في المقابل وجّه الإمام (عليه السلام) معقل بن قيس الرياحي إلى مكة لتصدى هذا الأمر ، فرجع جيش الشام بعد موسم الحج من دون أن تقام معركة في البيت ، فكان من الأمر أنّه تبع جيش الشام حتى منطقة وادي القرى ولم يتمكن إلّا من أسر عدد ممن تأخر عن جيش الشام ، ولاحقاً تم تبادلهم بأسرى العراق .
ومن أعنف غارات جيش الشام التي شُنّت في أواخر عُمْر أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) هي غارة بُسْر بنِ أرطأةَ ، عن تاريخ الطبري - الجزء (5) - الصفحة (139) :- «أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفيَانَ بَعْدَ تَحْكِيمِ الْحَكَمَينِ بُسْرَ بْنَ أَبِي أَرْطأَةَ - وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ - فِي جَيْشٍ ، فَسَارُوا مِنَ الشّامِ حَتّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ، وَعَامِلُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى الْمَدِينَةِ يَومَئِذٍ أَبُو أيّوبٍ الْأَنْصَارِيُّ ، فَفَرَّ مِنْهُم أَبُو أيّوبٍ ، فَأَتى عَلِيًّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالكوفَةِ . ودَخَلَ بُسرٌ المَدينَةَ ، قالَ : فَصَعِدَ مِنْبَرَهَا وَلَمْ يُقَاتِلهُ بِهَا أَحَدٌ ، فَنَادَى عَلَى الْمِنْبَرِ : يَا دِينَارُ ، وَيَا نَجّارُ ، وَيَا زُرَيقُ ، شَيْخِي شَيْخِي ! عَهْدِي بِهِ بِالْأَمْسِ ، فَأَيْنَ هُوَ ! (يَعْنِي عُثْمَانَ) ثُمَّ قَالَ : يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ ! وَاللَّهِ ، لَوْلَا مَا عَهِدَ إِلَيَّ مُعَاوِيَةُ مَا تَرَكْتُ بِهَا مُحْتَلِماً إِلَّا قَتَلْتُهُ ، ثُمَّ بَايَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ . وَأرْسَلَ إِلَى بَنِي سَلَمَةَ فَقالَ : وَاللَّهِ مَا لَكُمْ عِنْدِي مِنْ أَمَانٍ وَلَا مُبَايَعَةٍ حَتّى تَأْتُونِي بِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ . فَانْطَلَقَ جَابِرٌ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوجِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ لَهَا : مَاذَا تَرَيْنَ ؟ إِنِّي قَدْ خَشِيتُ أَنْ أُقْتَلَ وَهَذِهِ بَيْعَةُ ضَلالَةٍ ؟ قَالَتْ : أَرَى أَنْ تُبَايَعَ ؛ فَإِنِّي قَدْ أمَرْتُ ابْنِي عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَنْ يُبَايِعَ ، وَأَمَرْتُ خَتَنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَمعَةَ - وَكانَتِ ابْنَتُها زَيْنَبُ ابنَةُ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمعَةَ - فَأتاهُ جَابِرٌ فَبايَعَهُ . وهَدَمَ بُسْرٌ دُورًا بِالْمَدينَةِ ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى مَكَّةَ ، فَخافَهُ أَبُو مُوسَى أَنْ يَقتُلَهُ ، فَقالَ لَهُ بُسرٌ : مَا كُنْتُ لِأَفعَلَ بِصاحِبِ رَسولِ اللّهِ ذلِكَ ! فَخَلّى عَنْهُ . وكَتَبَ أَبُو مُوسَى قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى الْيَمَنِ : إِنَّ خَيْلاً مَبْعُوثَةً مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ تَقْتُلُ النَّاسَ ، تَقتُلُ مَنْ أَبَى أَنْ يُقِرَّ بِالْحُكُومَةِ . ثُمَّ مَضَى بُسْرٌ إِلَى الْيَمَنِ ، وَكَانَ عَلَيْهَا عُبَيْدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ عَامِلاً لِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَلَمّا بَلَغَهُ مَسيرُهُ فَرَّ إِلَى الْكُوفَةِ حَتّى أَتَى عَلِيّا ، وَاسْتَخْلَفَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبْدِ الْمَدَانِ الْحَارِثِيَّ عَلَى الْيَمَنِ ، فَأَتَاهُ بُسْرٌ فَقَتَلَهُ وقَتَلَ ابنَهُ ، وَلَقِيَ بُسْرٌ ثَقَلَ عُبَيدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ ، وَفِيهِ ابْنَانِ لَهُ صَغِيرَانِ فَذَبَحَهُما . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : إِنَّهُ وَجَدَ ابْنَي عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ عِنْدَ رَجُلٍ مِن بَنِي كِنَانَةَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ، فَلَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُمَا ، قَالَ الْكِنَانِيُّ : عَلَامَ تَقْتُلُ هَذَينِ وَلَا ذَنْبَ لَهُمَا ! فَإِنْ كُنْتَ قَاتِلَهُمَا فَاقْتُلْنِي . قَالَ : أَفْعَلُ ! فَبَدَأَ بِالْكِنَانِيِّ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ قَتَلَهُمَا ، ثُمَّ رَجَعَ بُسْرٌ إِلَى الشَّامِ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْكِنَانِيَّ قَاتَلَ عَنِ الطِّفلَيْنِ حَتّى قُتِلَ ، وَكَانَ اسْمُ أَحَدِ الطِّفلَينِ اللَّذَينِ قَتَلَهُما بُسْرٌ : عَبْدَ الرَّحمنِ ، وَالْآخَرِ قُثَمَ . وقَتَلَ بُسرٌ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ جَمَاعَةً كَثيرَةً مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِاليَمَنِ . وبَلَغَ عَلِيّا خَبَرُ بُسرٍ ، فَوَجَّهَ جارِيَةَ بْنَ قُدامَةَ فِي ألْفَيْنِ ، ووَهَبَ بْنَ مَسْعودٍ فِي ألْفَيْنِ ، فَسَارَ جَارِيَةُ حَتَّى أَتَى نَجْرَانَ فَحَرَّقَ بِهَا ، وَأَخَذَ نَاساً مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ فَقَتَلَهُم ، وَهَرَبَ بُسْرٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْهُ ، وَأَتْبَعَهُمْ حَتَّى بَلَغَ مَكَّةَ . فَقَالَ لَهُمْ جَارِيَةُ : بَايِعُونَا . فَقَالُوا : قَدْ هَلَكَ أَمِيرُ الْمُؤمِنينَ ، فَلِمَنْ نُبايِعُ ؟ قالَ : لِمَن بايَعَ لَهُ أصحابُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَتَثاقَلوا ، ثُمَّ بايَعوا . ثُمَّ سَارَ حَتّى أَتَى الْمَدينَةَ وَأَبُو هُرَيرَةَ يُصَلّي بِهِم ، فَهَرَبَ مِنهُ ، فَقَالَ جَارِيَةُ : وَاللَّهِ ، لَوْ أَخَذْتُ أَبَا سِنَّورٍ لَضَرَبْتُ عُنُقَهُ ، ثُمَّ قَالَ لِأَهْلِ الْمَدينَةِ : بايِعُوا الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَبايَعوهُ . وَأَقَامَ يَومَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ مُنْصَرِفاً إِلَى الْكُوفَةِ ، وَعَادَ أبو هُرَيرَةَ فَصَلّى بِهِمْ» . (راجع أيضاً : الكامل في التاريخ لابن الأثير : ج2، ص430. والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : ج1، ص162. والبداية والنهاية لابن كثير : ج،7 ص322، وأنساب الأشراف للبلاذري : ج3، ص211.)
- - - - - - - - - - - - - -
بمجرد أنّ الإمام علي (عليه السلام) خبر اعتداءات بِسْر وعَلِمَ بالعِدَّة التي خرج فيها ، خرج إلى الناس وأستصرخهم وصعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
«أَمَّا بَعْدُ ؛ أَيُّهَا النَّاسُ ! فَإِنَّ أَوَّلَ فُرْقَتِكُمْ وَبَدءِ نَقْصِكُمْ هُو ذَهَابُ أُولِي النُّهَى وَأَهْلِ الرَّأْيِ مِنْكُمُ ، الَّذِينَ كَانُوا يُلْقَونَ فَيُصَدِّقونَ ، وَيَقُولونَ فَيَعْدِلونَ ، وَيُدْعَونَ فَيُجِيبونَ ، وَأَنَا وَاللَّهِ قَدْ دَعَوْتُكُمْ عَوْدًا وَبَدْءًا وَسِرًّا وَجِهَارًا ، وَفِي الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ، فَمَا يَزيدُكُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِدْبارًا ، أَمَا تَنْفَعُكُمُ الْعِظَةُ وَالدُّعَاءُ إِلَى الْهُدَى وَالْحِكْمَةِ ؟! وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقيمُ أَوَدَكُمْ ، وَلَكِنّي وَاللَّهِ لَا أُصْلِحُكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي ، وَلَكِن أَمْهِلونِي قَلِيلاً ، فَكَأَنَّكُمْ وَاللَّهِ بِامْرِئٍ قَدْ جَاءَكُمْ يَحْرِمُكُمْ وَيُعَذِّبُكُمْ ! فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ كَمَا يُعَذِّبُكُمْ . إِنَّ مِنْ ذُلِّ الْمُسْلِمينَ وَهَلَاكِ الدِّينِ أَنَّ ابْنَ أَبِي سُفْيانَ يَدْعُو الْأَرَاذِلَ وَالْأَشْرارَ فَيُجابُ ! وَأَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمُ الْأَفْضَلَونَ الْأَخْيَارُ فَتُرَاوِغونَ وَتُدَافِعونَ ! مَا هَذَا بِفِعْلِ الْمُتَّقِينَ ! إِنَّ بُسْرَ بْنَ أَبِي أَرْطأَةَ وَجَّهَ إِلَى الْحِجَازِ ، وَمَا بُسْرٌ لَعَنَهُ اللّهُ ! لِيَنْتَدِبَ إلَيْهِ مِنْكُمْ عِصَابَةٌ حَتَّى تَرُدّوهُ عَنْ شَنَّتِهِ ، فَإِنَّمَا خَرَجَ فِي سِتِّمِئَةٍ أَوْ يَزِيدُونَ .
قالَ الرَاوي : فَسَكَتَ النَّاسُ مَلِيًّا لَا يَنْطِقونَ . فَقالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مَا لَكُم أَمُخْرَسُونَ أَنْتُمْ لَا تَتَكَلَّمونَ ؟ فَذَكَرَ عَنِ الحارِثِ بنِ حَصيِرةَ عَنْ مُسَافِرِ بْنِ عَفيفٍ قَالَ : قَامَ أبو بُردَةَ بْنُ عَوفٍ الْأَزدِيُّ فَقَالَ : إِنْ سِرْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ سِرْنَا مَعَكَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ مَا لَكُم ؟ لَا سُدِّدتُم لِمَقَالِ الرُّشدِ ! أَفِي مِثْلِ هَذَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَخْرُجَ ؟ إِنَّما يَخْرُجُ فِي مِثْلِ هَذَا رَجُلٌ مِمَّن تَرْضَونَ مِنْ فُرْسَانِكُمْ وَشُجْعَانِكُمْ ، وَلَا يَنْبَغِيَ لِي أَنْ أَدَعَ الْجُندَ وَالْمِصْرَ ، وَبَيْتَ الْمَالِ ، وَجِبَايَةَ الْأَرْضِ ، وَالْقَضَاءَ بَيْنَ الْمُسْلِمينَ ، وَالنَّظَرَ فِي حُقوقِ النَّاسِ ، ثُمَّ أَخْرُجَ فِي كَتيبةٍ أَتبَعُ أُخْرَى فِي الْفَلَواتِ وَشَعَفِ الْجِبَالِ ، هَذَا وَاللَّهِ الرَّأيُ السّوءُ ، وَاللَّهِ لَوْلَا رَجَائِي عِنْدَ لِقَائِهِمْ ، لَوْ قَدْ حُمَّ لِي لِقَاؤُهُمْ ، لَقَرَّبتُ رِكَابِي ثُمَّ لَشَخَصْتُ عَنْكُمْ فَلَا أَطْلُبُكُمْ مَا اخْتَلَفَ جَنُوبٌ وَشَمالٌ ! فَوَاللَّهِ إِنَّ فِي فِراقِكُمْ لَرَاحَةً لِلنَّفْسِ وَالْبَدَنِ» .
وعن الفتوح لابن أعثم - الجزء (4) - الصفحة (231) :- «وَجَّهَ مُعَاوِيَةُ بُسْرَ بْنَ أَبِي أَرْطأَةَ فِي ثَلاثَةِ آلَافِ رَجُلٍ ، فَقَالَ لَهُ : سِرْ حَتّى تَمُرَّ بِالْمَدينَةِ ، فَاطْرُدْ أَهْلَهَا ، وَأَخِفْ مَنْ مَرَرْتَ بِهِ ، وَانْهَبْ مَالَ كُلِّ مَنْ أَصَبْتَ لَهُ مَالاً مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِي طَاعَتِنَا . وَأَوْهِمْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أنَّكَ تُرِيدُ أَنْفُسَهُم ، وَأنَّهُ لَا بَرَاءَةَ لَهُمْ عِنْدَكَ وَلَا عُذْرَ ، وَسِرْ حَتّى تَدْخُلَ مَكَّةَ ، وَلَا تَعَرَّض فِيهَا لِأَحَدٍ ، وَأرْهِبِ النّاسَ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، وَاجْعَلْهُمْ شَرّادَاتٍ ، ثُمَّ امْضِ حَتّى تَأْتِيَ صَنْعَاءَ ؛ فَإِنَّ لَنَا بِهَا شِيعَةً وَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُهُمْ . فَخَرَجَ بُسْرٌ فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ إِلَّا فَعَلَ مَا أَمَرَهُ مُعَاوِيَةُ ، حَتَّى قَدِمَ الْمَدينَةَ وَعَلَيْهَا أَبُو أَيّوبِ الْأَنْصَارِيُّ ، فَتَنَحّى عَنِ الْمَدينَةِ ودَخَلَ بُسرٌ ، فَصَعِدَ المِنبَرَ ثُمَّ قالَ : يَا أهلَ المَدينَةِ ! مَثَلُ السَّوءِ لَكُم ، قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ، ألَا وَإنَّ اللّهَ قَد أوقَعَ بِكُم هذَا المَثَلَ وجَعَلَكُم أهلَهُ ، شاهَتِ الوُجوهُ ، ثُمَّ ما زالَ يَشتِمُهُم حَتّى نَزَلَ . قَالَ : فَانطَلَقَ جَابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الْأَنْصَارِيُّ إلى اُمِّ سَلَمَةَ زَوجِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، فَقالَ : إِنِّي قَدْ خَشِيتُ أَنْ أُقْتَلَ ، وَهَذِهِ بَيْعَةُ ضَلَالٍ . قَالَتَ : إِذاً فَبايِعْ ؛ فَإِنَّ التَقِيَّةَ حَمَلَتْ أَصْحَابَ الْكَهفِ عَلَى أَنْ كَانُوا يَلْبَسونَ الصُّلُبَ ، ويَحضُرونَ الْأَعْيَادَ مَعَ قَوْمِهِمْ . وهَدَمَ بُسْرٌ دُورًا بِالْمَدينَةِ ، ثُمَّ مَضَى حَتّى أَتَى مَكَّةَ ، ثُمَّ مَضَى حَتّى أتَى الْيَمَنَ ، وَكَانَ عَلَى الْيَمَنِ عُبَيدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ عَامِلُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) . وَبَلَغَ عَلِيّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الْخَبَرُ ، فَقَامَ خَطِيباً فَقَالَ :
أيُّهَا النَّاسُ ! إِنَّ أَوَّلَ نَقْصِكُمْ ذَهَابُ أُولِي النُّهَى وَالرَّأيِ مِنْكُمْ ، الَّذِينَ يُحَدِّثونَ فَيَصْدُقونَ ، وَيَقولُونَ فَيَفْعَلونَ ، وَإِنّي قَدْ دَعَوتُكُمْ عَوْداً وَبَدْءاً ، وسِرّاً وَجَهْراً ، وَلَيْلاً وَنَهاراً ، فَمَا يَزيدُكُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً ، مَا يَنْفَعُكُمُ الْمَوعِظَةُ وَلَا الدُّعَاءُ إِلَى الْهُدَى وَالْحِكْمَةِ . أَمَا وَاللَّهِ ، إِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ ، وَلَكِنْ فِي ذَلِكَ فَسَادِي ، أَمْهِلُونِي قَلِيلاً ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ مَنْ يُحْزِنُكُمْ وَيُعَذِّبُكُمْ وَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ بِكُمْ . إِنَّ مِنْ ذُلِّ الْإِسْلَامِ وَهَلَاكِ الدِّينِ أَنَّ ابْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَدْعُو الْأَرَاذِلَ وَالْأَشْرَار فَيُجِيبُونَ ، وَأَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُصْلَحِونَ فَتُرَاعونَ ! هَذَا بُسْرٌ قَدْ صَارَ إِلَى الْيَمَنِ وَقَبلَها إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ .
فَقَامَ جَاريةُ بْنُ قُدَامَةَ السَّعْدِيُّ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ ! لَا عَدَّمَنَا اللَّهُ قُرْبَكَ ، وَلَا أَرَانَا فِرَاقَكَ ، فَنِعْمَ الْأَدَبُ أَدَبُكَ ، وَنِعْمَ الْإِمَامُ وَاللَّهِ أَنْتَ ، أنَا لِهؤُلَاءِ الْقَومِ فَسَرِّحْنِي إِلَيْهِمْ ! قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : تَجَهَّزْ ؛ فَإِنَّكَ مَا عَلِمْتُكَ رَجُلٌ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ ، الْمُبَارَكُ الْمَيْمُونُ النَّقيبَةُ . ثُمَّ قامَ وَهَبُ بنُ مَسْعودٍ الْخَثعَمِيُّ فَقَالَ : أنَا أنْتَدِبُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ . قالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : اِنْتَدِب ، بَارَكَ اللّهُ عَلَيكَ .
فَخَرَجَ جَارِيَةُ فِي ألفَينِ ، ووَهَبُ ابْنُ مَسْعودٍ فِي ألْفَينِ ، وَأمَرَهُما عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنْ يَطْلُبَا بُسْراً حَيْثُ كَانَ حَتّى يَلْحَقاهُ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَرَأَسَ النّاسَ جَارِيَةُ . فَخَرَجَ جَارِيَةُ مِنَ الْبَصرَةِ ، وَوَهَبُ مِنَ الْكُوفَةِ ، حَتَّى التَقَيَا بِأَرْضِ الْحِجَازِ . وَنَفَذَ بُسْرٌ مِنَ الطّائِفِ حَتّى قَدِمَ الْيَمَنَ ، وَقَدْ تَنَحّى عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ عَنِ الْيَمَنِ ، وَاسْتَخْلَفَ بِهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمَدَانِ الْحَارِثِيَّ ، فَأَتَاهُ بُسْرٌ فَقَتَلَهُ وَقَتَلَ ابْنَهُ مَالِكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَقَدْ كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ خَلَّفَ ابْنَيهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقُثَمَ عِنْدَ جُوَيرِيَّةَ ابْنَةِ قَارِظٍ الْكِنَانِيَّةِ - وَهِيَ أُمُّهُمَا - وَخَلَّفَ مَعَهَا رَجُلاً مِنْ كِنَانَةَ . فَلَمَّا انْتَهَى بُسْرٌ إِلَيْهَا دَعَا ابْنَي عُبَيْدِ اللَّهِ لِيَقْتُلَهمَا ، فَقَامَ الْكِنَانِيُّ فَانْتَضَى سَيْفَهُ وَقَالَ : وَاللَّهِ لَأقْتَلَنَّ دُونَهُمَا فَأُلَاقِي عُذْراً لِي عِنْدَ اللَّهِ وَالنَّاسِ ، فَضَارَبَ بِسَيْفِهِ حَتّى قُتِلَ ، وَخَرَجَتْ نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ فَقُلْنَ : يَا بُسْرُ ! هَذِهِ الرِّجالُ يُقْتَلونَ ، فَمَا باَلُ الْوِلْدَانِ ؟! وَاللَّهِ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَقْتُلُهُمْ ، وَاللَّهِ إِنَّ سُلْطَاناً لَا يَشْتَدُّ إِلَّا بِقَتْلِ الصِّبْيَانِ وَرَفعِ الرَّحمَةِ لَسُلْطَانُ سَوءٍ . فَقَالَ بُسْرٌ (لَعَنَهُ اللَّهُ) : وَاللَّهِ ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أضَعَ فيكُنَّ السَّيفَ ! وَقَدَّمَ الطِّفلَيْنِ فَذَبَحَهُمَا . ثُمَّ جَمَعَ بُسْرٌ أَهْلَ نَجْرَانَ فَقَالَ : يَا إِخْوَانُ النَّصَارَى ! أَمَا وَالَّذِي لَا إلّهَ غَيرُهُ لَئِن بَلَغَني عَنكُم أمرٌ أكرَهُهُ لَاُكثِرَنَّ قَتْلَاكُمْ . ثُمَّ سَارَ نَحْوَ جَيْشَانَ - وَهُمْ شِيعَةٌ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقاتَلَهُمْ ، فَهَزَمَهُمْ ، وقَتَلَ فِيهِم قَتْلاً ذَريعاً ! ثُمَّ رَجَعَ إلى صَنْعَاءَ . وَسَارَ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ السَّعْدِيُّ حَتَّى أتَى نَجْرَانَ وَطَلَبَ بُسْراً ، فَهَرَبَ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَقُمْ لَهُ ، وَقَتَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ خَلقاً ، وَأَتْبَعَهُمْ بِقَتْلٍ وَأَسْرٍ حَتّى بَلَغَ مَكَّةَ ، وَمَرَّ بُسْرٌ حَتّى دَخَلَ الْحِجازَ لَا يَلوي عَلَى شَيْءٍ . فَأَخَذَ جَارِيَةُ بنُ قُدَامَةَ أَهْلَ مَكَّةَ بِالْبَيعَةِ ، فَقَالُوا : قَدْ هَلَكَ عَلِيٌّ فَلِمَن نُبايِعُ ؟ قَالَ : لِمَنْ بَايَعَ لَهُ أَصْحَابُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بَعدَهُ ، فَتَثاقَلوا . فَقَالَ : وَاللَّهِ ، لَتُبايِعُنَّ وَلَوَ بِأَستاهِكُمْ ! فَبَايَعُوا وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ ، وَقَدِ اصْطَلَحُوا عَلَى أَبِي هُرَيرَةَ فَصَلّى بِهِمْ ، فَفَرَّ مِنْهُ أَبُو هُرَيرَةَ . فَقَالَ جَارِيَةُ : يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ ! بَايِعُوا لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، فَبَايَعُوا . ثُمَّ خَرَجَ يُريدُ الْكُوفَةَ ، فَرَدَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَبَا هُرَيرَةَ . وَحَدَّثَ أبُو الْكَنودِ أَنَّ جَارِيَةَ مَرَّ فِي طَلَبِ بُسْرٍ فَمَا كَانَ يَلْتَفِتُ إِلَى مَدِينَة وَلَا يَعْرُجُ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْيَمَنِ وَنَجْرَانَ ، فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ وَهَرَبَ مِنْهُ بُسْرٌ ، وَحَرَّقَ تَحْرِيقاً ، فَسُمِّيَ مُحَرِّقاً» . (راجع أيضاً الغارات : ج2، ص607. وتاريخ اليعقوبي : ج2 ص197.)
- - - - - - - - - - - - - -
ومن وصايا الجهاد العظيمة التي جسدت أروع معاني دين الإسلام هي وصايا الإمام علي (عليه السلام) لجارية بن قدامة السعدي (رضي الله عنه) فعن تاريخ اليعقوبي - الجزء (2) - الصفحة (200) عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبي قَالَ : قَرَأتُ عَهدَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِجارِيَةَ بنِ قُدامَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : «أُوْصِيكَ يَا جَارِيَةُ بِتَقْوَى اللَّهِ ؛ فَإِنَّهَا جَمُوعُ الْخَيْرِ ، وَسِرْ عَلَى عَوْنِ اللَّهِ فَالقَ عَدُوَّكَ الَّذِي وَجَّهتُكَ لَهُ . وَلَا تُقَاتِل إِلَّا مَنْ قَاتَلَكَ ، وَلَا تُجْهِزْ عَلَى جَريحٍ ، وَلَا تُسَخِّرَنَّ دَابَّةً ، وَإِنْ مَشَيْتَ وَمَشَى أَصْحَابُكَ . وَلَا تَسْتَأْثِرْ عَلَى أَهْلِ الْمِيَاهِ بِمِيَاهِهِم ، وَلَا تَشْرَبَنَّ إِلَّا فَضْلَهُمْ عَنْ طيبِ نُفوسِهِمْ ، وَلَا تَشْتِمَنَّ مُسْلِماً وَلَا مُسْلِمَةً ؛ فَتوجِبَ عَلى نَفْسِكَ مَا لَعَلَّكَ تُؤَدِّبُ غَيْرَكَ عَلَيْهِ . وَلَا تَظلِمَنَّ مُعَاهَداً ، وَلَا مُعاهَدَةً ، وَاذْكُرِ اللّهَ وَلَا تَفتُر لَيْلاً وَلَا نَهَاراً ، وَاحْمِلُوا رَجَّالَتَكُمْ ، وتَواسَوْا فِي ذَاتِ أَيْدِيكُمْ ، وَأَجْدِدِ السَّيْرَ ، وَأَجْلِ الْعَدُوَّ مِنْ حَيْثُ كَانَ ، وَاقْتُلْهُ مُقْبِلاً ، وَارْدُدْهُ بِغَيْظِهِ صَاغِراً . وَاسْفِكِ الدَّمَ فِي الْحَقِّ ، وَاحْقِنْهُ فِي الْحَقِّ ، وَمَنْ تَابَ فَاقْبَل تَوْبَتَهُ ، وَإِخْبَارَكَ فِي كُلِّ حِينٍ بِكُلِّ حَالٍ ، وَالصِّدقَ الصِّدقَ ! فَلَا رَأْيَ لِكَذُوبٍ» .
حينما وصل جارية بن قدامة إلى مكة كان بسر ابن ابي أرطأة قد تركها وخرج منها ، فقِيلَ أنّ جارية قبل أن يصل إلى الكوفة كان الإمام علي (عليه السلام) قد استشهد في محراب مسجد الكوفة المعظم في شهر رمضان وفي ليلة القدر المباركة ، سنة أربعين من الهجرة ، متأثراً بضربة الخارجي ابن ملجم المرادي (لعنه الله) ، حيث ضربه ليلة تسع عشرة ، ليلة الأربعاء ، وقُبض ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين ، وعمره الشريف ثلاثٌ وستون سنة . وكان حينها قد أمر بالبيعة إلى الإمام الحسن (عليه السلام) عندما دخل الكوفة ، بأمرٍ من الله تعالى ورسوله الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، قد يستشكل أحد المخالفين ويقول أنّ هذه الخلافة وراثة من الآباء للأبناء ، ونقول له أنّه لا يمكن أن يلي الخلافة إلّا قرشي ، ويجب أن يكون هذا القرشي من بني هاشم ، ويجب أن يكون الهاشمي من أهل البيت (عليهم السلام) أي من ولد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا غيره ! وأنّ الخلافة مستمرة من بعد استشهاد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى يوم القيامة ، وأنّ عدد الخلفاء أو الأمراء أو أولياء الأمور أو الأئمة اثنا عشر خليفةً فقط لا غير يعاصرون كل أُمةٍ بزمانها . فالنبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أمر باتباع الإمام علي (عليه السلام) وولده الذين هم أهل البيت (عليهم السلام) من بني هاشم من قريش ، وبدوره أوصى الإمام علي (أمير المؤمنين) باتباع الإمام الحسن ، وأوصى الإمام الحسن (المجتبى) باتباع الإمام الحسين (الشهيد) ، وأوصى الإمام الحسين باتباع الإمام علي (السجاد) ، وأوصى علي (السجاد) باتباع الإمام محمد (الباقر) ، وأوصى محمد (الباقر) باتباع الإمام جعفر (الصادق) ، وأوصى جعفر (الصادق) باتباع الإمام موسى (الكاظم) ، وأوصى موسى (الكاظم) باتباع الإمام علي (الرضا) ، وأوصى علي (الرضا) باتباع الإمام محمد (الجواد) ، وأوصى محمد (الجواد) باتباع الإمام علي (الهادي) ، وأوصى علي (الهادي) باتباع الإمام الحسن (العسكري) ، وأوصى الحسن (العسكري) باتباع الإمام محمد (المهدي) ، (صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً) .
وقد يُقال أنّ الأئمة (عليهم السلام) لم يحكموا الناس في الخلافة ولم تتاح لهم الفرصة وأنهم قد قُتِلوا مذبوحين مسمومين فكيف تقام حجتهم على الخلق ؟ والإجابة على ذلك هي أنّه هناك فرقٌ بين الخلافة السياسية والخلافة الإلهية ، فالأئمة (عليهم السلام) خلفاء الله في أرضه المنصوص عليهم والموصى بهم من قِبل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهؤلاء خلافتهم إلهية سواء الأُمة قَبِلتْ أولم تقبل فإنّ حجتهم تبقى بالغة ، كما كان ذلك في غالبية الأنبياء (عليهم السلام) الذين لم يطيعهم قومهم بل أنّهم قُتِلوا ولم يحكموا ؛ وذلك لأنّ لكلّ زمان إماماً حقاً يجب معرفته وطاعته والإذعان بولايته ومعاداة أعدائه ، ومن تركه مات ميتة جاهلية ، ومن أبغضه مات ميتة ضلال ونفاق وجاهلية أيضاً ، ومن عاداه وحاربه مات ميتتة كفر وشقاق ونفاقٍ وجاهلية جهلاء . للمزيد حول قضية الإمامة تفضل بالدخول على الرابط التالي :
https://justpaste.it/5re0c
بايع أهل الشام معاوية في بيت المقدس بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام) ولَقّبَ معاوية نفسه "أمير المؤمنين"، ثم توّجه إلى العراق ، فخرج الإمام الحسن (عليه السلام) بألفي رجلاً لمواجهة معاوية ، وكان منهم عبد الله بن عباس متوجهاً إلى المدائن ، وحينما وصل الإمام الحسن (عليه السلام) إلى ساباط شعر بالتزعزع وعدم ثبات أنصاره تجاهه ، خصوصاً بعد أن نجح معاوية برشوة عبيد الله بن عباس وإرضائه ، عندئذٍ توقف الإمام (عليه السلام) عن الحرب ، وبعد محادثات جرت بينه وبين معاوية أُجبر الإمام أن يترك الساحة لمعاوية ، واشترط الإمام في الصلح أن يستلم الخلافة بعد معاوية . إثر هذا الصلح دخل معاوية الكوفة وتمّت المبايعة معه وسميت تلك السنة بعام الجماعة ؛ وسبب هذه التسمية أنّ الأمّة ما عدا الخوارج بايعوا خليفة واحداً. وقد أشار الجاحظ إلى أنّ معاوية في تلك السنة استولى على الملك واستبد برأيه وقهر بذلك بقية الشورى والمهاجرين والأنصار فقال (رحمه الله) في الرسائل للجاحظ - الجزء (2) - الصفحة (11) :- «ثُمَّ مَازَالَتْ الْفِتَنُ مُتَّصِلَةً ، وَالْحُرُوبُ مُتَرَادِفَةٌ ، كَحَرْبِ الْجَمَلِ ، وَكَوَقائِعِ صَفَّيْنٍ ، وَكَيَوْمِ النَّهْرَوَانِ ، وَقَبْلَ ذَلِكَ يَوْمَ الزّابُوِقَّةِ ، وَفِيهِ أَسْرُ ابْنُ حَنِيف وَقَتْلُ حَكِيمِ بْنُ جَبْلَةٍ . إِلَى أَنْ قُتِلَ أَشْقَاهَا عَليَّ بْنِ أَبِي طالِبَ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَأَسْعَدَهُ اَللَّهُ بِالشَّهَادَةِ ، وَأَوْجَبَ لِقَاتِلِهِ النَّارَ وَالْلَّعْنَةَ . إِلَى أَنْ كَانَ مِنْ اِعْتِزَالِ الْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ الْحُرُوبَ وَتَخْلِيَتهُ اَلْأُمُور ، عِنْدَ اِنْتِشَارِ أَصْحَابِهِ ، وَمَا رَأَى مِنَ الْخَلَلِ فِي عَسْكَرَهِ ، وَمَا عُرِفَ مِنْ اِخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَبِيهِ ، وَكَثْرَةِ تُلَوَّنهُمْ عَلَيْهِ . فَعِنْدَهَا اِسْتَوَى مُعَاويَة عَلَى الْمُلْكِ ، وَاسْتَبَدَّ عَلَى بَقِيَّةِ اَلشُّورَى ، وَعَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي اَلْعَامِ اَلَّذِي سَمَّوْهُ عَامَ اَلْجَمَاعَةِ ، وَمَا كَانَ عَامُ جَمَاعَةٍ ! بَلْ كَانَ عَامُ فِرْقَةٍ وَقَهْرٍ وَجَبْرِيَّةٍ وَغَلَبَةٍ ! وَالْعَامُّ اَلَّذِي تَحَلَّتْ فِيهِ اَلْإِمَامَةُ ملْكًا كِسْرُويًا ، وَالْخِلَافَةُ غَصْبًا وَقَيْصَرِيًّا ، وَلَمْ يَعُدْ ذَلِكَ أَجْمَعُ اَلضَّلَالُ وَالْفِسْق . ثُمَّ مَازَالَتْ مَعَاصِيه مِنْ جِنْسِ مَا حَكَيْنَا وَعَلَى مَنَازِلَ مَا رَتَّبَنَا ، حَتَّى رَدّ قَضِيَّة رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدًّا مَكْشُوفًا ، وَجَحَدَ حُكْمَهُ جَحَدًا ظَاهِرًا ، فِي وَلَدِ اَلْفِرَاشِ وَمَا يَجِبُ لِلْعَاهِرِ ، مَعَ إِجْمَاعِ اَلْأُمَّةِ أَنَّ سُمِّيَّةَ لَمْ تَكُنْ لِأَبِي سُفْيَانَ فِرَاشًا ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ بِهَا عَاهِرًا ؛ فَخَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ حُكْمِ اَلْفُجَّارِ إِلَى حُكْمِ اَلْكُفَّارِ» .