تذكر هوليود مشهده الأشهر عام 1963 عندما رد صفعة الرجل الأبيض بصفعة مماثلة؛ وكان ذلك حدثا أبهر الصحافة لسنوات، وظل يتردد صداه حتى الآن مع كل حديث عن التغير الذي حدث في هوليود بقيادة أشخاص على رأسهم بواتييه.
ملصق دعائي لفيلم "سيدني" الذي يستعرض رحلة بواتييه في هوليود
يروي الفيلم الوثائقي "سيدني" (Sidney) المسيرة المهنية المذهلة للممثل والمخرج الأميركي من أصول أفريقية سيدني بواتييه، الذي كثيرًا ما تم الاحتفاء به، وجاء هذا الفيلم ليتوج مسيرته الحافلة بإنجازات لم يسبقه أحد إليها.
بواتييه أول ممثل أسود يحصل على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل في دور رئيسي عام 1963 عن فيلم زنابق الحقل "ليليس أوف زافيلد" (Lilies of the Field)، وأول صانع أفلام أسود يخرج فيلم بميزانية 100 مليون دولار، ومنحته الملكة الراحلة إليزابيث الثانية لقب "سير سيدني بواتييه"عام 1974.
أبرز الفيلم الانتقادات التي كان يوجهها الناشطون والمفكرون الأميركيون ذوو الأصول الأفريقية إلى بواتييه، متهمين إياه بتقديم أدوار منمّطة موجهة إلى جمهور من البيض في خضمّ حركة الحقوق المدنية.
وتولت المذيعة الأميركية أوبرا وينفري إنتاج الفيلم الذي يشارك فيه دينزل واشنطن، ومورجان فريمان، وباربرا سترايساند، وروبرت ريدفورد، ويهدف الفيلم إلى إظهار الأسباب التي توضح أن الاتهامات التي طالت الممثل المتوفى في يناير/كانون الثاني الماضي عن 94 سنة، كانت في غير محلّها.
امتياز
يسلط الفيلم الضوء على الدور الذي لعبه بواتييه في دفاعه عن الحقوق المدنية، إلى جانب اختياراته الجريئة في التمثيل، إذ إنه لم يقدم أبدا "دورا ينطوي على أي انبطاح أو تبعية"، طبقا لتصريح مورجان فريمان في سياق الفيلم.
تظهر مقدمة البرامج الأميركية الشهيرة أوبرا وينفري كواحدة من منتجي الفيلم والصديقة المقربة لبواتييه، وتصفه بأنه الرجل الأسود الذي يمنحها الأمل خلال الفيلم أكثر من مرة.
يقدم مخرج فيلم "سيدني" ريجنالد هودلين قصة الرجل في شكل سينمائي هوليودي تم الإعداد له جيدًا من خلال كتاب يروي قصة حياة سيدني بواتييه.
قال بواتييه إن والديه كانا يعتقدان أنه سيموت خلال أيام، بينما تنبأت عرافة بأنه سيعيش ويصبح مشهورا.
حكي بواتييه قصته بنفسه، وبدأ قبل وفاته بسنوات قليلة التحضير والتصوير لصناعة فيلم وثائقي يوثق خلاله رحلته، وكيف بدأت في مجتمع كان التمييز العنصري خلاله سائدا في السينما كما في المجتمع.
تحويل مسار
ثمة نقطة محورية يمكن أن تصبح البداية الحقيقية للحديث عن بواتييه، ليس لكونه مجرد ممثل أسود، أو رجل مشهور في هوليود، إذ كان هناك من سبقه في ذلك، لكن نقطة القوة الأكبر كانت في أدائه الجاد كبطل، وليس لكونه شخصا هامشيا أو قبيحا يتم توظيفه للسخرية منه ومن كل أسود بالطبع.
قام بواتييه بتغيير صورة الشخص الأسود في هوليود رويدًا عن طريق تقديم أدوار الرجل الأسود كإنسان لديه مشاعره تمامًا مثل الرجل الأبيض، الأمر الذي كان غير مقبول أو مصوّر قبل بواتييه.
تذكر هوليود مشهده الأشهر عام 1963 عندما رد صفعة الرجل الأبيض بصفعة مماثلة، كان ذلك حدثا أبهر الصحافة لسنوات، وظل صداه يتردد حتى الآن مع كل حديث عن التغيير الذي حدث في هوليود بقيادة أشخاص على رأسهم بواتييه.
تعلم بواتييه على يد المخرج ذي الأصل الأفريقي بول روبسن، وهوالأسود الأشهر في مسارح أميركا في الثلاثينيات، لكن بواتييه امتلك طموحا أوسع للتواجد داخل الصناعة عمومًا. ورغم كون روبسن تربع على عرش عالم السود الترفيهي، فإن بواتييه امتلك قلوب البيض كذلك بشخصية ساحرة استطاعت أن تحدث التغيير من دون صدام كبير، مثل روبسن.
نافس سيدني بواتييه غريمه هاري بيلافونتي الأسود أيضا، وتربع وحده على عرش هوليود، ليس لكونه يريد ذلك لكن لأن هوليود رغم اتساعها للتواجد الأسود مجبرة أصرت على تواجد ممثل واحد يمكنه التصدر ليس أكثر، وخاض بواتييه صراعاته مجبرا وانتصر فيها.
تجاهل غير متعمد
نقطة التغير الحقيقي التي لم يتطرق إليها الفيلم بوضوح -رغم تأثيرها الملهم- هي زوجته الأولى التي كانت أكثر تعليمًا وثقافة منه وقت ارتباطهما، والتي رأت فيه الطاقة والقابلية للتعلم والامتياز، ووجهته نحو مناطق أكثر تقدمية فكريًا وعمليًا بالطبع.
عاش بواتييه حياة صاخبة تمامًا، عنيدة وغاضبة حتى النهاية، لا يمكن نسيانها، فنيًا على الأقل. سيتذكر الناس لحظة منتصف الستينيات، حيث لم تكن هناك حقوق مدنية كبيرة للسود، عندما فاز الرجل بأرفع جائزة فنية من الأوسكار. سيفكر الجميع كيف كان الرجل أكثر تفوقا من زملائه بشكل يجعل تجاهله جنونا.
لا يقدم الفيلم تأريخا لحياة السود، إذ يدرك صناعه جيدًا أنه جزء من التاريخ الأوسع وتقلباته السياسية والاجتماعية، وصولًا للحظة الراهنة. يتدخل نجوم هوليود خلال مقابلاتهم في الفيلم بانبهار للحديث عن الرجل الذي شجعهم للتواجد أساسًا.